المنبرالحر

أول برميل نفط استخرج من الأراضي الأمريكية وسيكون آخر برميل من نفس الأرض / جلال رومي

التراجع الدرامي في أسعار النفط أحدث هزة في العالم وصلت حتى العروش ، وأفقدها الكثير من سلطتها وهيمنتها وإمكانياتها . فالنفط ليس سلعة كباقي السلع تحدد أسعاره العرض والطلب مثل باقي السلع ، فهناك عوامل أخرى تلعب دورا في تحديد سعر النفط خاصة السياسية منها لأن النفط سلعة استراتيجية منقرضة وتختلف عن باقي المواد الخام مثل الحديد والنحاس والذهب وغيرها حيث يمكن أن يعاد استعمال هذه المواد بالإضافة إلى إمكانية إيجاد بدائل لها سواء كانت صناعية أو طبيعية.
كانت الكثير من الدول الصناعية تعتقد بأنها قادرة على إيجاد بدائل للطاقة النفطية ، لكنها لحد الآن لم تصل لأكثر من 5% من احتياجاتها من البدائل النووية والشمسية والمائية والرياح ، ومن الجانب الآخر برزت بقوة أحزاب وحركات الخضر التي تناضل وتعمل من أجل غلق المفاعلات النووية بسبب خطورة النفايات النووية وعدم إمكانية التخلص منها لعقود وبشكل آمن.
لقد بلغ التراجع في أسعار النفط خلال السنة والنصف الماضية بحدود 75% للبرميل الواحد ، ولا يمكن أن نعزو ذلك إلى وفرة المعروض في السوق حتى وإن كان مليون برميل أو مليونين على أهمية دور العرض والطلب في تحديد السعر ولكن ليس بهذه الوفرة غير المعقولة. وهناك عدد من الحجج تروجها وكالة الطاقة الدولية وصندوق النقد الدولي ومراكز الأبحاث والدراسات التي هي أصلا مرتبط بجهات لها مصلحة بتخفيض أسعار النفط في الوقت الحاضر منها:
انخفاض النمو الإقتصادي في الصين من 10% إلى 7% باعتبارها ثاني أكبر دولة مستهلكة للبترول 1-
إنخفاض وتيرة النمو في الدول الأوربية 2-
3- انعدام الدول الإيجابي لمنظمة اوبك التي كانت بورصة موازنة العرض والطلب مع العلم إن دول الاوبك تشكل فقط 43% من الدول المصدرة.
4- رفع العقوبات عن ايران الذي سيؤدي إلى زيادة صادرتها من النفط ، علما ان هذه الزيادة سوف لن تزيد عن نصف مليون برميل يوميا.
إن العوامل المذكورة أعلاه مجتمعة لايمكنها أن تخفض سعر برميل النفط لأكثر من 10% إلى 15% ، لأن استهلاك العالم 80 مليون برميل يوميا وإن الإنتاج لم يتجاوز 85 مليون برميل في أي حال من الأحوال ، في وقت إن ليبيا تنتج الآن فقط 250 ألف برميل في اليوم في حين كانت تنتج أكثر مليوني برميل سابقا.
في العقود الماضية كانت :
1- العوامل السياسية وعدم إستقرار بعض الدول المنتجة للنفط تؤدي إلى مستويات غير مسبوقة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر حرب حزيران 1967 وحرب اكتوبر 1973 ، الإضطرابات والإنقلابات العسكرية كلها عوامل تؤدي إلى رفع أسعار النفط ، فلماذا لم تصل تلك التذبذبات في سعر النفط إلى مستويات مقاربة للسعر الحالي وأغلب هذه الأحداث كانت في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك أكبر احتياطيات العالم.
2- كان عامل المناخ وبرودة الطقس من العوامل التي تؤدي دائما إلى رفع سعر النفط ، إضافة إلى الكوارث الطبيعية وكذلك مواسم الأعياد والسياحة ، فلماذا أصبحت هذه العوامل حيادية الآن.
اذا نظرية المؤامرة هي الأكثر واقعية بالنسبة لانخفاض أسعار النفط والتي لها أهداف بعيدة المدى للأسباب التالية:
1- الضغط على روسيا وعدم السماح لها أن تأخذ دورها كدولة عظمى من خلال الضغط الإقتصادي عليها ، وبالفعل تم ذلك وتأثر إقتصادها وانخفض سعر الروبل وازداد مستوى التضخم لمستويات غير مسبوقة ، كما انخفضت مدخراتها بشكل كبير ، في وقت تخوض تحديات كبيرة في القرم واوكرانيا وسوريا ، ومما يزيد صعوبة الوضع في روسيا إنها تعتمد باقتصادها على استخراج وبيع المواد الخام وجميع هذه السلع تنخفض أسعارها بانخفاض أسعار النفط.
2- العمل لإنهاء النظام التقدمي في فنزويلا الذي أصبح غير قادر على توفير نفس الرفاهية لشعبه وبالتالي انهياره واستلام زمام السلطة من قوى موالية لاميركا وبذلك توفرت فرصة لأميركا للخلاص من نظام تقدمي في خاصرتها وربط هذا البلد بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكلاهما من المؤسسات التابعة للإحتكارات العالمية والتي تتآمر على الشعوب.
3- سحب مدخرات الدول النفطية الخليجية وزجها في نفس الوقت في مستنقع اليمن والحرب في سوريا وبالتالي ستفقد هذه الدول قدرتها على دعم حركات متطرفة ترفضها أمريكا لأنها تعتبرها خطرا على مصالحها ، وبالنتيجة سوف يضطرون للإلتجاء إلى صندوق النقد الدولي وبشروط يختارها الصندوق.
4- أما العراق فأصبح اقتصاده بخبر كان وسحب منه كل ما يملك وأصبحت الديون تغطيه لعقود طويلة ، ومن خلال العراق وتدخل ايران فيه وكذلك في مناطق اخرى من المنطقة سيتم سحب وحرق الكثير من مليارات ايران.
أهداف امريكا طويلة الأمد : الغريب بالأمر كانت امريكا لأشهر قريبة تستورد النفط بأسعار عالية نسبيا من أجل ملئ خزاناتها النفطية الإحتياطية التي كانت عبارة عن طوافات في البحار ، وقد اخترعوا تكنولوجيا متطورة لضخ النفط من جديد في الآبار النفطية القديمة الفارغة وملئها من جديد بالنفط الخام وأمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه الطريقة فتصور الدولة التي تقوم بتخزين النفط تصدر النفط لأول مرة بعد عقود والهدف تخفيض أسعاره وبالتالي تتمكن سحب أكبر كمية من النفط الخام وتخزينه وبالتالي تصبح الدولة المنتجة والمصدرة الأقوى في العالم في مجال إنتاج النفط ولفترة عقود أو قرون ولتتحكم بأهم مادة حيوية ، إن ما فرغ من آبارها منذ عام 1854 سوف يرجع وربما يتضاعف.