المنبرالحر

البركة ... في الحركة !/ محمد عبد الرحمن

تظاهرات يوم الجمعة الاخير لم تكن كسابقاتها ، لا من حيث الاعداد الغفيرة المشاركة فيها ، ولا من ناحية تعدد اطيافهم ، فضلا عن انها تأتي في خضم حراك سياسي مميز هو الاخر، ووسط حالة ترقب للتغيير القادم، حجمه ومداه ؟ ومن سيشمل ؟ وهل سيدور في اطار ذات المنهج ونمط التفكير ، وهما ما كان لهما، الدور الاساس في وصولنا الى ما نحن عليه من سوء لا نحسد عليه، ام انه سيحقق مطلب الناس الواضح في دفن كل ذلك والخلاص من ام المشاكل واصلها ؟!.
وكان لهذه الجمعة من جانب اخر ، وبغض النظر عن التفاصيل ، طعم خاص ، فهي جاءت مع انطلاق حراك طلابي متميز على ايدي طلبة جامعة المثنى وامتدت شرارته الى جامعات اخرى ، تضامنا ومطالبة بالعديد من المطالب التي تخض هذه الفئة الاجتماعية الواسعة والمتطلعة دوما الى المستقبل ، وهو ملكها . وهذا الحراك مرشح لان يتوسع ويتلاحم مع حراك البحر المتلاطم من العراقيين المحتجين والمتظاهرين ضد الفساد والفاسدين ، والمطالبين بلاصلاح والتغيير الحقيقي ، وبما يستجيب لهذه الاصوات التي ما انفكت تعلو منذ تموز الماضي ، بل وقبله وامتدادا منذ شباط 2011 .
من المؤكد ان مئات الآلاف التي خرجت في بغداد والمحافظات ، وتصر على الخروج كل يوم جمعة وفي غيرها من الايام ، لم تخرج للتسلية وقضاء الوقت « وفش الخاطر « ، بل هي تحمل اصرارا وضغطا على المتنفذين واجبارهم على الانصياع إلى الارادة الناس ، بعيدا عن التسويف والمماطلة ، والمراهنة على عامل الوقت بأمل ان يحل التعب ويأخذ مأخذه من المحتجين ، وهو ما رفضوه ، وظلوا طيلة اسابيع ماضية يرددون « لا .. ما نتعب « . وكان لهم ذلك ، فها هي الحركة تنتعش من جديد بالحضور المكثف والمنتظم لانصار التيار الصدري ، وكذلك المدني .
وتعرض هذا الحراك منذ انطلاقته ، الى الكثير من التشويه والضغوطات والاغراءات ، ومساعي اضعاف العزائم ، وتصفير المعنويات ، والكذب والافتراء على الناشطين والمساهمين فيه ، ولكنه صمد وفوت الفرصة على هؤلاء الفاسدين والمرتشين والمتمسكين بكراسي السلطة ، ونال شهادة الاعجاب والتقدير ، فلعله الحراك الاطول في تاريخ العراق المعاصر ، وما زال متواصلا يصر على المواصلة إلى حين تحقيق الاهداف والمطالب .
لا لم يحقق هذا الحراك اهدافه النهائية بعد ، وان حقق الكثير على طريق الوصول اليها.
ومما له مغزى ومعنى انه لم يعد هناك احد ، وخصوصا من المتنفذين ، بامكانه تجاوز مطلب الاصلاح والتغيير الذي بات ثابتا على الطاولة ، وان حاول البعض اثارة الشكوك ووضع القيود ، وافتعال اشكاليات خبرها الشعب من هؤلاء الذين يضعون مصالحهم الانانية فوق اي اعتبار آخر . فحقيقة هؤلاء واضحة : هم يريدون ادامة نظام المحاصصة باي شكل، للمحافظة على مغانمهم وتعظيم مواردهم ،وغالبا عبر النهب والفساد والسحت الحرام .
بعد كل هذا الحراك ، ومئات آلاف المشاركين فيه في مختلف محافظات الوطن ، نحسب ان الرسالة قد وصلت ،الى المعنيين واصبحت اكثر وضوحا بعد ان دخلت راية المطالبة بالتغيير إلى اروقة الجامعات. فالكرة الان في ملعب من بيده الامر ، والكل معني بها ، لا رئيس الوزراء فقط ، بل والسلطتان التشريعية والتنفيذية ، والكتل السياسية ، سيما المتنفذة منها .
ولم يعق الجماهير المحتجة والغاضبة على سوء الاوضاع طول طريق التظاهر الذي رسمت خارطته القوى الامنية . والحق ان الكثير منهم كان فرحا، وهو يهزج مع الجموع التي قبلت المراهنة على عبور الجسر الوحيد المسموح به ، جسر السنك ، وهي تهتف « هذا الجسر نعبره .. ونلاحق النشالة « .
فطوبى لهذه الجموع التي صممت على اقتحام السماء ، فهي ، ومعها الملايين الاخرى المشاركة بفاعلية ، والداعمة لها .. هي من بيده التغيير ، وهو مطلب عادل ، وليس مكرمة !.