المنبرالحر

حكاية المدن الصناعية في العراق / ابراهيم المشهداني

المتابع لتصريحات وزير الصناعة محمد صاحب الدراجي مؤخرا حول انشاء مدن صناعية في العراق في ذي قار او البصرة او النهروان وغيرها من المحافظات يأتي تأكيدا للفكرة التي تم تبنيها قبل اكثر من سبع سنوات والتي كانت خطوتها الاولى تشكيل لجنة ممثلة بالعديد من الوزارات بينها وزارة التخطيط والبلديات والصناعة والكهرباء بدعم من منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو ) ، كونها تهدف الى اقامة بنية تحتية للصناعة الوطنية والخروج من افكار لا تزال مشتتة بشان تطوير الصناعة الوطنية وتفعيل دورها في عملية التنمية الاقتصادية .
ومشاريع اقامة مدن صناعية لا يمكن النظر اليها باعتبارها مشاريع مستقلة قائمة بذاتها ، بل من خلال ارتباطها عضويا باستراتيجية صناعية وثيقة الصلة بعملية التنمية الاقتصادية في العراق وبالتالي فان التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي المتمثلة بخطل السياسات الاقتصادية وارتباكها وغياب استراتيجيتها الواضحة التي كان من المفترض ان تأخذ بالاعتبار قبل كل شيء ، تفعيل القطاعات السلعية ، والكفاءة في ادارة الموارد المالية والاعتماد على الريع النفطي في اعادة البنية الاقتصادية وايجاد مصادر مالية بديلة ومستقرة ولهذه الاسباب مجتمعة كان مشروع اقامة المدن الصناعية ، تواجه التردد والاستسلام لمعوقات مصطنعة تتخذها الدوائر ذات العلاقة بالتنمية الصناعية في ظل غياب تلك السياسات .
ان تحويل افكار اقامة مدن صناعية الى افعال حقيقية تتطلب دراسة شاملة ومعمقة للمناطق المناسبة لها في مختلف المحافظات العراقية على اساس توافر المواد الاولية ، وعوامل الطاقة ووفرتها والعوامل اللوجستية والخدماتية ومبدأ التخصص والتكامل في تلك الصناعات ، و من المفيد دراسة التجربة العالمية في هذا المجال فعلى سبيل المثال في الصين تعتبر شنغهاي العاصمة الاقتصادية وهي متخصصة بالصناعات الثقيلة والمعدات الصناعية وخطوط الانتاج وقطع الغيار الصناعية ومدينة جباتشي متخصصة بصناعة الرخام والكرانيت والسيراميك والبلاط وفي ألمانيا تتركز الصناعة التحويلية في مدينة درسدن وسميتز وان قوة الصناعة في ألمانيا تتركز في الشركات الصغيرة التي لا تزيد عمالتها عن 500 ولكن هذه الشركات هي المسئولة عن اكبر الصادرات الى الخارج . وليس المقصود من طرح هذه الامثلة استنساخ هذه التجربة لاختلاف القدرات ومستوى التطور بين هذه البلدان والعراق وإنما نقل ما يتناسب مع خصوصية افتقار العراق لعوامل التكنولوجية وحجم الموارد ومستوى التدريب والخبرات الصناعية . من هنا فان تحقيق هدف اقامة مدن صناعية يتطلب بالإضافة الى الارادة الحازمة ، حزمة من التدابير والإجراءات ذات فعالية واضحة وملموسة ومنها :
1. وجود ادارة كفوءة على مستوى عال تتصف بالحزم والمصداقية وتعمل بعقل رشيد وبعلم ومعرفة واسعة بطبيعة المدن الصناعية واختصاصاتها واستيعاب عوامل نجاحها ، ومنحها الصلاحيات الكافية لاتخاذ القرارات المناسبة .
2. توفير القاعدة التحتية للمدينة الصناعية المتمثلة بتوفر الطاقة من كهرباء ووقود وطرق المواصلات وكافة الخدمات التي تحتاجها وقبل كل شيء الارض المخصصة للمدينة الصناعية التي يجب ان تكون خارج مراكز المحافظات .
3. تشجيع الصناعيين على الاستثمار في هذه المدن عبر القروض الميسرة والإعفاءات الكمركية بالنسبة للتقنيات المستوردة التي تتطلبها الصناعات المستهدفة والإعفاءات الأخرى المتعلقة بضريبة الدخل وضريبة العقار والإعفاء من الرسوم الخدمية .
4. إصدار تشريع خاص بالمدن الصناعية يتعلق بحماية هذه المدن من منافسة المنتج الأجنبي والتخفيف من الإجراءات الروتينية المعطلة لهذه الصناعات وإعفاء صادراتها من أية رسوم .