المنبرالحر

الناس تريد "طحينا وليس جعجعة " / محمد عبد الرحمن

رئيس الوزراء حيدر العبادي اعلن من جديد العزم على محاربة الفساد وتمنى ان يرى « رؤوسا كبيرة خلف القضبان « . فيما هو ، ايضا ، يكرر ما كان قد اعلنه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من انه يمتلك ملفات وسيعلنها في الوقت المناسب. ومضى الكثير من الوقت ولم يسمع احد شيئا عن تلك الملفات، او عن ان اصحابها في طريقهم الى القضاء ليقول كلمته فيهم، مع القناعة التي بات تترسخ يوما بعد آخر بان القضاء يخضع الى ضغوط كبيرة ، وحتى الى تهديدات ، ما يجعل العديد من قراراته تراعي ذلك ، وهو ما لمسناه اخيرا . وهذه الحالة تزداد سوءا اذا وجد من القضاة من يتواطأ مع الفاسدين ويشاركهم السحت الحرام ونهب اموال الدولة والممتلكات العامة .
والحق ان الفساد قد ضرب اطنابه في الدولة والمجتمع ، وتعددت سبل الاستحواذ على المال بطرق غير مشروعة ، خصوصا وان الاموال المسروقة لم تعد تسجل باسماء سارقيها ، بل دخلت في الاستثمار والبنوك والتجارة وشراء العقارات ، داخل العراق وخارجه ، وضمن ذلك يدخل غسيل الاموال وتهريبها .
كذلك تضخمت اموال هؤلاء السراق تحت عناوين مساعدات وضمانات وتشجيع وتحفيز تقوم به الدولة، ظنا منها انها تذهب الى مستحقيها، فاذا بها تنتهي في جيوب هؤلاء المرتشين ومن يتحالف معهم من موظفي مؤسسات الدولة وكبار المسؤولين .
ولا بد من القول ان الفساد شمل كل السلطات، وليس فقط السلطة التنفيذية. فمن يصبح نائبا او يعمل في السلطة القضائية لا يغدو معصوما. وكم من نائب اصبح معقبا لمعاملات، وكم منهم ضغط على الوزراء حتى يحصل على درجات لاتباع يوظفهم في مؤسسات الدولة ، وآخر استغل نفوذه لتسهيل الحصول على مقاولات ومشاريع استثمارية . والبعض من النواب لا ينكر ذلك، بل ويقر به على رؤوس الاشهاد ، والاحاديث محفوظة بالصوت والصورة .
نعم، الطريق الى مكافحة الفساد غير سلسلة. ونحن لسنا من دعاة التسرع واصدار الاحكام الاعتباطية المرتجلة، وبضمنها احكام السجن، على الطريقة السعيدية ايام زمان « من ابو عقال ..لابو سدارة «. لكن ونظرا إلى حجم كارثة الفساد وكونه غدا مؤسسة، فلا يكفي الحديث وعقد اللقاءات وتقديم الموعظة والنصح ، رغم اهمية هذا في اعلان المواقف وتأكيد الرغبة في التصدي الناجع للفساد .
لقد سمعنا الكثير سابقا وحاليا عن ضرورة الحزم في شن حرب شعواء ضد الفساد . بل ان اشخاصا معروفين لدى المواطنين بكونهم من عتاة السراق، يصرخون ليل نهار في الفضائيات بانهم ضد الفساد. لكن العبرة تكمن في اتخاذ اجراءات فاعلة بحق من سرقوا ، وان يمتد ذلك الى استرداد اموال الدولة وعقاراتها التي نهبت بطرق «قانونية» جدأ وتسهيلات معروفة ! والقوائم هنا معلنة والاسماء معروفة ، حتى يكاد ان «يقول المريب خذوني « .
ويبقى السؤال: من يتصدى للفساد ، اذا كانت تأثيراته قد وصلت الى الاجهزة المعنية بالتصدي له؟ فكم من مزور للشهادة يعمل في النزاهة ؟ وكم من المفتشين العموميين صان الامانة وادى واجبه؟ علما ان آفة المحاصصة تصول وتجول في هذه المؤسسات ، ووراءها كتل متنفذة ، ما زالت مصرة على التمسك بها رغم عسل كلامها عن الاصلاح، نظرا الى ما توفره لها من امتيازات ونفوذ ومواقع.
ان محاربة الفساد تحتاج الى رغبة صادقة ، وتصميم وجرأة في اتخاذ اجراءات بحق من تثبت ادانته، واقناع المواطن بان هناك منهجا مختلفا على هذا الصعيد. وهو ما لن يتحقق الا بتقديم ما هو ملموس ، وضمن منهج متكامل لاعادة الهيبة والاعتبار إلى مؤسسات الدولة جميعا، في اطار عملية اصلاح شاملة ، وركوب سفن تتجه بنا الى دولة المواطنة والعدالة .