المنبرالحر

مواطن بالإيجار.. / عبد السادة البصري

في عام 1980 نزحنا قسراً من مدينتنا ــ الفاو ــ بسبب اشتعال الحرب وتركنا بيتنا الذي شيده أبي من عرق جبينه طبعاً. سكن النازحون أماكن عدة، وسكنا عدة غرفةً في بيت خالي ، ليموت أبي بعد شهرين من هروبنا ــ نزوحنا ــ والحسرة تتكسر بين حناياه !!
بعد مرور السنين وانشغال الناس في أمورهم المعيشية وغيرها ، وبعد أن كبرنا وأكملنا دراستنا وتزوجنا وأنجبنا ، ما زلنا نازحين، نتنقل من مكانٍ إلى آخر .. ففي ثمانينات القرن الماضي تنقلنا بين الكوفة، حي طارق في البصرة، المعقل ، الابلة، هندية النجف، ثم قبلة البصرة. وفي التسعينات تنقلنا بين القبلة ، أم قصر ، المعقل، ليترك أخوتي أم قصر بعد وفاة والدتنا ويعودوا إلى الفاو، لكنني لم أستطع العودة كوني أعمل في مركز البصرة. لهذا بقيت في المعقل أتنقل بين هذا البيت وذاك ــ بالإيجار طبعاً ــ ولحد هذه اللحظة مازلت أعاني من الإيجارات !
استذكرت رحلتي الايجارية وأنا أسمع وأقرأ عن هذا المسؤول الذي اشترى بيتاً بسعر خيالي ، وذاك الذي بنى عمارة و..وو.. فيها أنا وملايين المتنقلين بين إيجارٍ وآخر كأننا ندفع ضريبة انتمائنا الحقيقي لهذا الوطن !
بعد 2003 ظهرت العشوائيات حيث بنى الناس عششاً وأكواخاً في الساحات العامة وبعض البنايات الحكومية المهجورة والحدائق وأسموها بيوتاً، لضيق ذات اليد وأزمة السكن التي يعانيها المواطنون !!
لم يلتفت أحدٌ لنا أبداً ولم يكلف مسؤول نفسه بالسؤال عن الفقراء وأصحاب الدخل المحدود ، رغم إننا ــ أقصد المستأجرين ــ نعاني الأمرين في كل وقت. ورغم المعاناة والشكاوى التي يعرفها القاصي والداني إلا إننا وكلما ادلهمت الخطوب وتعرض الوطن للعدوان انتخينا نحن الذين لا نمتلك شبراً واحداً فيه للدفاع عنه. وان جولة سريعة بين بيوت الفقراء وذوي الدخل المحدود تكفي لنشاهد آلاف اللافتات السود التي تنعى أبناءنا الشهداء الذين وقفوا بوجه الإرهاب ليمنحوا الوطن أعمارهم، لكنه لم يمنحهم شبراً للسكن فيه!! ولدنا وكبرنا وأنجبنا أولاداً وأحفادا لكننا ما زلنا بلا مساكن، مستأجرين ولا نملك شبراً ،، أيعقل هذا في وطن مساحته مئات آلاف الكيلومترات ؟!
متى تصحو ضمائر من استحوذوا على كل شيء فيلتفتوا إلى أبناء الإيجارات ، أم ان هؤلاء ليسوا من هذا الوطن ؟!
العمل والبناء والجهاد ونزيف الدم وكل الواجبات علينا ..لكننا لم نُمنَح حقنا الانساني في السكن؟!
لنفترض أن الوطن استأجرنا لنقوم نيابة عن السادة المسؤولين بكل الواجبات. أليس من حقنا في هذه الحالة أن نستلم أجور أتعابنا، أم نبقى مواطنين بالإيجار فقط فيما ندفع لهم كل شيء حتى أعمارنا؟!