المنبرالحر

النفط في العراق للحكام نعمة وللشعب نقمة / د. علي الخالدي

لم ينهض العامل الخارجي بإﻹلتزامات الدولية التي تُفرض على المحتل ، ففي الوقت الذي تجاهل فيه عملية إصلاح ما خربته الحقبة الصدامية ، وحروبها العبثية ، أهمل معالجة مخلفات حصاره الجائر الذي عانى منها الشعب العراقي اﻷمرين ، إذ لم يَقدم على أية خطوة من شأنها رفع ثقل مخلفاتهما عن كاهل الشعب والوطن ، بل زادها بله ، بإستطابته تسنم أحزاب اﻷسلام السياسي هيكلية العملية السياسية ، وترحيبها بما اقْتُرح عليها بتبني نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية ، وربط سياسته اﻹقتصادية بشروط الرأسمالية المعولمة عبر إقتصاد السوق .
لقد راهن العامل الخارجي على إن تلك اﻷجراءات بجانب الديمقراطية الهشة التي سُلمت ﻷيدي لا تؤمن بها ، ستقضي على التناقضات والتنافس بين اﻷحزاب الطائفية والقومية التي جاءت لنصرة هذه الطائفة وتلك ، عند تقسيم كعكة الحكم بالتوافق فيما بينهم، وتجيير مردودات إسقاط الصنم لصالح أحزاب اﻹسلام السياسي ، التي عملت على تهييج المشاعر المذهبية والقومية بين مكونات المجتمع العراقي ، واﻹنفراد الكامل بالعملية السياسية ، بعيدا كل البعد عما كانت تطمح اليه الجماهير وقواها الوطنية بعد التغيير ، فإستغل الوضع الجديد لخلق فُرص تُتاح لبعض من جيء بهم من مزدوجي الجنسية من قادة كتل وأحزاب اﻹسلام السياسي ، مزاولة الفساد والرشى والمحسوبية ، وسرقة المال العام ، خصوصا بعد أن وُضِعت الديمقراطية الهشة على بساط مسارهم اﻷحمر ، وبدأوا بتزوير ما أمكن لينفذوا مخططهم بالتحكم بالمستقبل اللاحق للشعب والوطن ، والعمل على كل ما من شأنه ، تهميش وإستصغار دور الجماهير وقواها الوطنية الذي لعبته في عملية التصدي للدكتاتورية ، وعدم اﻷخذ بدرايتها وإمكانياتها في تقويم العملية السياسية ، بإتجاه تحقيق مصالح الشعب والوطن ، والحيلولة دون وقوع مسارها ضمن أطر طائفية وقومية ، تتوائم مع قدرة اﻷحزاب الطائفية لعمل اي شيء يجنبها فقدان نشوة سطوتها السياسية ديمقراطيا عليها ، بتمسكها بنهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية المقيت ، الذي لا زال يخلف المآسي والويلات ، وبتسميات تزويقيه إبتدعت ﻷغراض تخديرية.
فليس سرا على أحد من أن مكونات حكومة المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، ونهجها المقيت قد هيأتا مستلزمات اﻷستفادة ذاتيا وحزبيا من العوائد المالية الضخمة من عائدات النفط ، و إهملتا توفير إمكانية تسخيرها لصالح تطوير البلد المهزوم سياسيا وأقتصاديا وثقافيا منذ الحقبة الصدامية وحروبها العبثية ، فخلال عقدين من الزمن عملت هذه اﻷحزاب ونهجها المحاصصاتي ، كل ما من شأنه إعاقة وضع العراق على سرير اﻷنعاش، بل سيرته وبشكل متعمد على سكة أدت به الى ما هو عليه الآن ، مستفيدة ممن تَشَيعَ وتسنن من رجالات العهد الدكتاتوري ، بحجة اﻹستفادة من خبراتهم ، وعند تعشعشهم في أجهزة الدولة شكلوا مع فاقدي الدراية والكفاءة و الشفافية في مواقع القرار طابورا خامسا ، قادوا به مؤسسات الدولة اﻷدارية واﻷمنية نحو فشل متواصل عمق الفساد والرشوة والمحسوبية ،
لقد فشل نهج المحاصصة في تشخيص تطورات اﻷوضاع في بلادنا والمنطقة ، بتشريعه قوانين وإصْداره قرارات لم تأخذ بالحسبان تطلعات الجماهير وقواها الوطنية ، مستقويا بميليشيات منفلته ومتطرفة ذات هويات متعددة تحمي ظهورهم ، ومصالح الدول المتنفذة في المنطقة ، فتشجع بعض قادة السلطة بإستمرارية نهج المحاصصة بصيغ متعددة ، آخرها ما يجري حاليا تحت مسمى حكومة تكنوقراط من نفس قماشه وبشروط رؤساء الكتل ، تحقيقا لمقولة ما نعطيها.
بعد أن لمست الجماهير عزوف اﻷحزاب اﻹسلامية القائمة على مواقع القرار ، عن اﻹستجابة لمطاليبها ، بالنهوض باﻹصلاح الحقيقي . إزداد زخم المظاهرات التي إندلعت في 25 شباط 2010، (جوبهت بالقوة المفرطة من جندرمة متبني النهج الطائفي ) تصاعد زخمها منذ 31 تموز عام 2015 ، وهي تعبر عن تململها وسخطها على حالة الفساد وتسلط حيتان الفساد على مصادر أموال ثروة البلد من النفط في أجواء ديمومة النهج الطائفي ، مطالبة بنسفه جذريا ، وإسترجاع ما نهب من المال العام ومحاسبة المسؤولين الذين كانوا وراء إحتلال داعش لثلث أرض الوطن وجريمة سبايكر
خلاصة القول إن زيادة واردات تصدير النفط لم تُسستغل بشكل مناسب لتنمية المجتمع وفي تطوير إقتصادنا الوطني ، بإعادة الحياة للمصانع والمعامل ، التي تخلق فرص عمل تقضي على البطالة المتفشية بين الشباب ، بل راكمت بشكل منظور وممنهج اﻷموال المنقولة والثابتة لحيتان الفساد من مسؤولي الكتل واﻷحزاب ومحسوبيهم ، و أهملت تنمية قطاع الزراعة والصناعة ، و أصبحنا نعتاش على ما يستورد من الخارج ، ضمن صفقات تصب في صالحهم وبذلك تحول النفط الى نعمة لهم ، ونقمة على الشعب والوطن.