المنبرالحر

العراق بين انتفاضتين / طه رشيد

تمر هذه الايام الذكرى الخامسة والعشرون لاندلاع اكبر انتفاضة شعبية وطنية ضد اعتى نظام دكتاتوري عرفته المنطقة، تلك الانتفاضة التي دكت قوائم نظام صدام الدموي واستطاعت ان تحرر اربع عشرة محافظة من مجموع ثماني عشرة، لتدخل العراق في اول ربيع ، وسجل الشعب العراقي فيها سابقة لم تشهدها المجتمعات العربية الا بعد ثلاثة عقود!
لقد ساهمت كل اطياف الشعب العراقي في تلك الانتفاضة ، وشارك فيها الشيوعيون والاسلاميون والمستقلون وكل الذين كانوا يشعرون بالحيف وبالظلم، بمن فيهم عناصر كانت محسوبة لوقت قريب على ذلك النظام. ولكن الانتفاضة، وللاسف، فشلت في تحقق اهدافها لأسباب يتعلق قسم منها بعواملها الداخلية، وقسم اخر بالتآمر الدولي والاقليمي لإجهاضها. وكانت نتائج قمعها الدموي كارثية خلفت اكثر من مليوني مهجر وآلافاً من الشهداء سقطوا ضحية آليات قمع غير مسبوقة وبحصار مزدوج على الشعب مارسه النظام الدولي من جهة والنظام ذاته من جهة اخرى.
نعيش ذكرى الانتفاضة بيوبيلها الفضي في هذه الايام التي ينتفض الشعب فيها مجددا. لكن الفرق كبير، فقد ولى النظام الشمولي القمعي دون رجعة وحل نظام برلماني يعتمد بتشكيلته في الدرجة الاولى على الاقتراع السري من خلال صندوق الانتخابات. والفرق الثاني والاهم ان تلك الانتفاضة كانت مسلحة، بينما انتفاضة هذه الايام سلمية بكل ما تعني الكلمة من معنى. وان اهم الاطراف المساهمة في هذه الانتفاضة لها كتلة برلمانية مهمة ولها عدد من الوزراء، الا ان هذا الطرف لم يتردد في دعوة انصاره للاحتجاج ولممارسة ارقى اشكال التظاهر وهو الاعتصام، مع مساهمة واضحة للتيار المدني الذي اوقد شرارة التظاهر قبل ثمانية اشهر. ولم يكل هذا التيار ولم يمل بالخروج كل يوم جمعة الى ساحة التحرير مطالبا بتحقيق دولة مدنية بوسع العراق ، دولة تسع الجميع وللجميع ، وجماهيره لن تتوقف عن هتافها الاثيري « جمعة ورة جمعة والفاسد انطلعه»ّ حتى تطلع روح هذا الفاسد!
وكما تشابكت، في الماضي القريب، ايادي الشيوعيين واليساريين والتقدميين وايادي التنظيمات الاسلامية في الانتفاضة المسلحة الاولى، ها هم مجددا يشبكون اياديهم ونداءاتهم من اجل تصحيح مسار العملية السياسية، التي يجب الحفاظ عليها، ومن اجل كشف كل ملفات الفساد المالي والاداري، وتقديم الفاسدين الى محاكمة عادلة علنية دون النظر لطوائفهم او عشائرهم او انتمائهم، لكي نكون نموذجا يحتذى به للاجيال القادمة.
اما حيتان الفساد فانها لن تقف مكتوفة الايدي، لكن اصابعهم الاخطبوطية سوف تتكسر، حتما، امام اصرار المعتصمين على الاصلاح والتغيير..
.. الذين نريدهما اصلاحا وتغييرا حقيقيين!
كل الاجهزة القمعية للنظام السابق لم تستطع الدفاع عنه والمحافظة عليه، فَلِمَ لا تسارعون في تحقيق الانجاز قبل فوات الاوان؟
وفي فوات الاوان ندامة!