المنبرالحر

السلفية تدعي ورثة اﻹسلام ، وهم لا يؤمنون / د. علي الخالدي

يخبرنا التاريخ وما توالت من أحداث على شعوب وادي الرافدين ، أن حضارة مكوناتها العرقية كانت وراء سر تعطش الشعوب ﻷغناء معرفتها باﻷرث الحضاري ، الذي خلفته شعوب ميسوبوتاميا ( أرض ما بين النهرين) لورثتها . منذ أﻷزل أصبح هذا الإرث القاعدة المادية ﻹنطلاق التطور اللاحق لشعوب العالم على كافة اﻷصعدة . ويذكر لنا التاريخ ، أن من بين صفوف هذه المكونات ، أنطلق باحثون أشغلوا فكرهم بدراسة قوانين حركة الطبيعة العلمية ، باﻹرتباط مع تطور النمو البشري ، فاتحين أبواب البحث العلمي على مختلف اﻷصعدة الذي ﻻ زال بعضه يدرس في جامعات العالم، بينما يشوه في موطنه . ومع هذا أعطي لورثته الشرعيين أحقية اﻹفتخار بما أنجزه أجدادهم ، ومشروعية مطالبة المجتمع الدولي بإدانة ما لحق يهم من أضرار ، ومآسي وويلات حلت بهم ، وأتصفت بأقصى درجات اﻹذلال والتجويع والتجريح النفسي ، والتشريد من مناطقهم وسبي نسائهم ومساعدتهم في الخروج منها ، إذ ما زالت تمارس بحقهم منذ الغزوات اﻹستطانية اﻷولى ، التي توجت مؤخرا بغزو داعش لكل من العراق وسوريا ، حيث قامت بتحطيم وتشويه كنزهم الحضاري تحت أنظار العالم ، على الرغم من أعتباره ملك البشرية جمعاء ، باﻹضافة لمصادرة حقوقهم المدنية والوطنية واﻹنسانية ، بإعتماد مفهوم همجي قائم على سيادة مفاهيم ، حملت لغة مزدوجة ، ساعد في تعضيدها حفنة من الثيوقراط في العالم اﻹسلامي ، والذين إستهواهم تحقيق مصالحهم الذاتية والحزبية والمذهبية وهم ﻻ يؤمنون.
فحيال المثقفين نشروا أفكارهم تلك في ثوب حضاري ، وحيال البسطاء من الناس تحدثوا عن الجنة والنار ، ظانين بذلك لقادرين على طمس التناقضات القائمة بين الفكر الواقعي والوهمي ، اللذين كانا في صراع دائم على مر العصور . فاﻷول كان وراء كشف زيف إدعاءاتهم على أنهم إمتداد سلالة نُشرت شرائعها بحد السيف وإجبرت الآخرين على دفع الجزية ، بينما الثاني أغرى البسطاء بمكاسب أخروية ، عممت هنا وهناك ، على أيدي متبني الفكر السلفي في الدول اﻹسلامية ، بطرق ترهب كل من يتصدى لهم ، ويقف بالضد من غسل عقول بسطاء الناس بأوهام هي من ضغاث أحلام المتزمتين دينيا ، تهدف إلى إعاقة مساعي توفير الحياة الحرة الكريمة للشعوب ، وإشعال حروب طائفة وهم ﻻ يدركون ، أن من يستهين بحقوق اﻹنسان فقد إستهان باﻹنسانية جمعاء.
ففي العراق الذي أجبر على إعتماد نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية المقيت ، إعتبروه كما أكد أحد مقترحيه على أنه ضرورة حتمية أملتها الظروف الموضوعية ، لحل عقدة نصرة هذه الطائفة وتلك ، بتقسيم كعكة الحكم بين قادتها من اﻷحزاب اﻹسلامية ، التي أتسعت قاعدتها اﻹنتخابية بمن تملك القدرة على التلون السريع مع اﻷوضاع المستجدة ، من أنصاف المتعلمين الذين برزوا على المسرح السياسي بعد تهشيم الطبقة الوسطى وما دونها ، ومن لم يطالهم التطهير المفروض النهوض به بعد إسقاط الصنم ، فسارعوا بإسم الدين إلى مليء الفراغ السياسي وخاصة بعد تبنيهم النهج المحاصصاتي المقيت ، فأساءوا الى الدين، وشوهوا تعاليمه وحرفوه عن مساره الصحيح بإحترافهم الفساد ، وسرقة المال العام، وتسابقوا وراء عقود تؤمن الحصول على الكومشن من شركات وهمية ، مراكمين ثرواتهم المتحركة والمنقولة ، وموسعين رقعة الفقر بين الناس ، رغم ما زخه النفط من أموال خيالية خلال العقدين من حكمهم ، مما أدى الى أن ينزع الناس ثقتهم من متبنيه.
وتفاديا من إبقاء الشعب والوطن في آخر الصف من التطور ، هبت الجماهير وهي مصممة على مواصلة حراكها وتنويعه ، حتى يتحقق أﻹصلاح الحقيقي المتماهى مع تعددية تشكيلة مكونات الشعب العراقي العرقية والسياسية وبأيادي كفوءة بيضاء . إلا أن القائمين على مواقع القرار تجاهلوا ذلك الحراك ، وإستعملوا القوة المفرطة ، وعند إنخراط فئات واسعة ، متحولا الى إعتصامات تهدد مواقعهم ، قووا فراملهم وبطرق ملتوية ﻹيقاف تطبيق آليات ضمنت للعبادي توفير إرادة العمل ، بعيدا عن إلتزاماته الحزبية ، التي فرضت عليه التردد ، ومنعته من ضرب الفاسدين بيد من حديد ، فأوصلته مؤخرا الى إعتماد تشكيلة ثالثة لكابينة اﻹصلاح الوزاري، التي سترينا جلسات البرلمان مدى تماهيها لشروط المنتفضين المطالبة بتحقيق اﻹصلاح المنشود.
ومن المضحك المبكي ، أن بعض الوطنيين في مجلس النواب الذين حتمت وطنيتهم تبني مطاليب المتظاهرين ، هو إنخراط حاملي التناقضات في البرلمان بين صفوفهم ، من الذين لديهم أكثر من يد عملت على أستدامة النهج الطائفي المقيت . تعمل حاليا على اﻹلتفاف على اﻹصلاح والزوغ من تحقيقه ، بما يضمن عرقلة تعديل الدستور ، ومحاسبة الفاسدين من كل اﻷطراف ، وإبقاء القضاء يتحكم به البعض من أزلام العهد الدكتاتوري ، وإعاقة إصدار قانون إنتخابات منصف ، وأبقاء نشاط الهيئات المستقلة دون تفعيل ، ليحتفظوا بإمتيازاتهم الخيالية ، وبالتالي تضييع بوصلة مسار اﻹصلاح الحقيقي في متاهات نهجهم المحاصصاتي.