المنبرالحر

ماذا سيقول التاريخ عنهم / د. علي الخالدي

الفيلسوف السياسي هوبز قال ، إن العالم غابة والدولة هي محاولة لفرض قوانين تنظيم هذه الغابة ، من هذا المنطلق ، هل إستطاع صناع دولة ما بعد السقوط تنظيم الغابة الموروثة من الحقبة الدكتاتورية !؟، بقوانين وبرامج تهدف القضاء على ما ورث منها ، وتحقيق ما صبا إليه شعبنا من حياة حرة كريمة ، أم أن بعض الذين دخلوا معترك مقارعتها من بوابة الدين . قد إختاروا السير على الكثير من دروب ثوابتها ، فتحصنوا وبشكل متعالي في قصورها بالمنطقة الخضراء ، مبتعدين عن هموم الشعب ، ومع هذا أجلسوا على كراسي مواقع القرار ، رغم إزدواج جنسيتهم ، وتحولوا بذلك بين ليلة وضحاها الى قادة سياسيين وهم ﻻيُصدقون
في ظل قيادتهم نُهبت موارد البلاد ، وشاع الفساد والمحسوبية في أجهزة الدولة ، وغابت النوايا الحسنة والسليمة في أداء مهامهم ، وعم اﻹستياء وعدم الرضا بين الناس ، خاصة عندما لُمس ، أن همهم هو تجيير مردودات التغيير لصالح أحزابهم وكتلهم ، وتراكم ثرواتهم المنقولة والثابتة ، مستغلين موجة إرتفاع أسعار النفط خلال فترة حكمهم ، التي وجهت ، لنفخ جيوب وكروش أصحاب القرار والشركات المتعددة الجنسية ، ومحسوبيهم من طبقتهم البرجوازية الهجينة . معطلين توجه القاعدة المادية والبشرية التي يملكها العراق ، نحو التنمية ، ﻻ بل أوقفوا تطوير البحث والتعليم وبناء المدارس ، ويُخططوا ﻹلغاء الغاء مجانية التعليم ، على الرغم من أن واردات النفط خلال حكمهم ، فاقت قدرة اﻹحتياجات اﻷقتصادية والعسكرية بما فيه تبذيرهم على اﻹنفاق الحكومي . ومع هذا بخلوا بشيء منها على ما تستحقه عملية إعادة الحياة لعجلة الصناعة والزراعة والقطاعات اﻷخرى التي من شأنها أن تقلل من المعانات المعاشية للمواطنين
لقد أنشغل معظم من تسلط على مواقع القرار ، بوضع قوانين مستمدة من الدين والمذهب وما عداها ، أن ﻻ تكون متعارضة مع الشريعة . وبكيفية تطبيق ما إقترحه بريمر الحاكم اﻷمريكي حينذاك لنهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية (رغم تحذيرات القوى الوطنية من مغبة ذلك) ، ﻹعتقادهم أن هذا النهج المقيت سيكون الشكل المناسب لتقسيم كعكة الحكم ، والعصى السحرية لحل المشكل العراقي ، كما أنه سيشكل عامل تقوية لعقيدتهم ، لذا سارعوا الى بناء مؤسسات الدولة على أساسه . بعناصر غابت من بين صفوف الكثير منهم ، الكفاءة المهنية وقدرة تحمل المسؤولية ، على حساب ذوي الدراية بالمعضلات والمشاكل المتوارثة ، والتي تعايشوا معها ، فكانت النتيجة أن هذا النهج المقيت قد صعد اﻹنفلات الرقابي على المؤسسات وضَيَع هيكلية الدولة في متاهاته
فخلال حكمهم ، إتسعت رقعة الفقر وتزايدت أعداد حيتان الفساد ، وتم تجاهل التركيب المعقد للمجتمع العراقي ، الذي يتطلب إعتماد قوانين تنظم طبيعتة الجغرافية والمجتمعية ، وحضور الحلول المنطقية التي تلبي حاجات الجماهير . فعم اﻹستياء وعدم الرضا بين الناس ، و ﻷكثر من ثلاث عشر عاما ، سادت الفوضى في تطبيق الدستور ، وشوهت بنات أفكارهم تفسير مواده ، بحيث غُيبت السلطة الحقيقية للدولة ومؤسساتها ، وجيروها لتحقيق مآرب أحزاب المحاصصة ورؤساء الكتل السياسية (مستقوون بميليشيات منفلتة) . فقادوا العملية السياسية بعقل قادة مطلقي الصلاحيات على الحق والباطل ، ولم تخرج مسؤلياتهم عن أطر الخطاب والسلوك الطائفي وإنعدام الثقة فيما بينهم ، فإنحرفت العملية السياسية عن سكتها الحقيقية ، كون أغلبيتهم مارسوا سلطة العائلة بعقلية جيلهم وما توارثوه من الحقبة الدكتاتورية ، فتاهت معرفتهم بظلامية سلوك وفكر الحكومات السابقة لتلافي ممارسات أخطائها ، بل زادوا عليها ضرورة تواجد القائد الضرورة ، وصيغة إطاعة أولي اﻷمر ، بجانب هذا إرتفع مستوى تطيرهم من نقد الناس للواقع المرير الذي يعيشه المهجرون في الداخل والخارج وبقية أبناء الشعب ، غاميطين بذلك جرأة حق اﻷعتراض على الخطاء ، الذي أمتاز به شعبنا ، ولم يستمعوا لمطاليب الجماهير بالتغيير واﻹصلاح منذ شباط 2011 ، مما أدى بالجماهير إلى رفع شعار الدولة المدنية الديمقراطية ، بإعتبارها الدولة التي ستنظم الحياة الحرة الكريمة للجميع مكونات شعبنا ، وتحقق السلام المجتمعي بينها ، وترسيخ أوليات الهوية العراقية .
طالما لم تستطع اﻷغلبية العظمى من قادة العملية السياسية أن تتحرر فكريا من معتقدات ثبت خطلها ، فلن يستطيعوا إيجاد حلا و مخرجا لما يعيشه الشعب والوطن من مآسي وويلات ﻻسيما وهو يخوض معركة تحرير أراضيه التي دنستها داعش وأخواتها خلال قيادتهم للعملية السياسية . وإذا لم يتعافوا من نزعة الضغينة والشك ، ويلتزموا بصيغ التسامح الربانية ، وينفكوا عن ربط ما يدور حولهم من أحداث طائفية بتصرفات فردية ، ويتخلوا عن وصفها بالمؤامرات . فبوادر تخلي الناس عنهم واللجوء الى المجتمع الدولي بدأت ظاهرة للعيان ، مع الدعوة ليتحميله جزءا من مسؤوليته ، في المساعدة بإعادة دراسة الواقع العراقي ، الذي يتكون بجانب العرب والكرد من مكونات عرقية ، هي الكلدان والسريان واﻵشوريين والصابئة واﻹيزيديين والشبك أيضا , وصياغة مستلزمات جديدة ، ﻻ تستمد قوتها من الطائفة والمذهب بل من الجامع الوحيد المشترك لكل هذه المكونات ، العراق ، الكفيل بتأمين فرص ممارسة الديمقراطية السياسية واﻹجتماعية ، لجميع مكوناته ، وبدون أستثناء ، بإعتباره السلطة الوحيدة القادرة على إشاعة السلم اﻹجتماعي، و تجميع الجميع تحت سقفه . لبناء الدولة المدنية الديمقراطية . عندها فحسب ، تنتفي مبررات وصف العراق ببلد الرعب والفشل