المنبرالحر

آراء حول التقرير السياسي / د. علي الخالدي

إذا تمعن من يشغل باله الهم العراقي بالتقرير السياسي الذي سيناقشه مندوبو المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي، فسيشده الطرح الموضوعي للمواضيع الملحة اﻹيجابية والسلبية التي مر بها الشعب والوطن منذ المؤتمر التاسع، بأسلوب وترتيب ﻻ تنقصه الرغبة الجامحة للاطلاع على الحلول الناجعة للمعوقات والتثمين للنجاحات التي تحققت، وبصورة خاصة مايتعلق بتحرير أرض الوطن من تدنيس داعش، ومع أن التكرار واﻹسهاب للطروحات في سردها، كما عودنا الحزب شأنه شأن الكتاب العرب، الذين يعشقون اﻹطالة، وﻻ يستحسنون اﻹختصار في الطروحات، إلا أنه لم يخرج عن خطيه المتوازيين اللذين يربطان بين اﻹطار الوطني العام والنهج الماركسي، الذي فرض الجراءة النقدية، عند التعرض للمآسي وللويلات، على يد أحزاب اﻹسلام السياسي، إضافة الى السرد المسهب للتغيرات اﻹقتصادية والفكرية واﻹجتماعية وحتى اﻷخلاقية، والتقيد باﻹصطفاف الطبقي الجديد الذي أحدثته قيادة تلك اﻷحزاب في البنية اﻹجتماعية نتيجة التفاوت الكبير في دخل المحسوبين عليها وبقية الفئات اﻹجتماعية كما يشير الواقع، وخاصة بعد رمي مصالح الشعب والوطن في دهاليز الرأسمالية المعولمة وأزمتها اﻹقتصادية وبإقتصاد السوق المنفلت الذي سبب أزمة إقتصادية خانقة ليس من السهل الخروج منها ستكبل الشعب بالديون، وبالتعطيل المتعمد، لمنح المؤسسات الصناعية الحياة، الذي سيضعف الطبقة العاملة عدديا، المقيدة نشاطاتها أصلا بقوانين موروثة من الدكتاتورية مما يفقدها الدور المتميز الذي كانت تلعبه في تحريك الجماهير الفقيرة نحو النضال المطلبي بشكل جمعي ملموس في الداخل والخارج،
لقد حَمّل التقرير مسؤولية اﻷوضاع بعد اﻹحتلال على الحكومة فحسب، ولم يُحمِّل الجماهير شيئا منها ، فقد جاء في الفقرة 2 :كان من مظاهر الفشل في تحقيق ما تطلع اليه العراقيون بعد التغيير في نيسان 2003 من إقامة بديل مدني ديمقراطي حقيقي للنظام الديمقراطي المقبور
على حد علمي لم يكن هناك برنامج قد اتفقت عليه اﻷحزاب التي قارعت الدكتاتورية في مؤتمراتها المتعددة لإقامة الدولة المدنية حتى تفشل في ذلك، فبرنامجها كان مكرسا للتخلص من الدكتاتورية وبأية وسيلة تحقق نصرة هذه الطائفة وتلك، واﻷحزاب الوطنية ومنها حزبنا، تعمل أي شيء لتتجنب ما تخشاه أكثر مما قد تبذله للحصول على شيء ترغب فيه . خشية إثارة اﻷمزجة المتعددة للأحزاب اﻹسلامية ودول الجوار، ولو كان بود الحزب أن يتم القضاء على الدكتاتورية بأسلوب آخر غير أسلوب الحرب واجتياح الوطن، لكن اﻷحزاب اﻹسلامية، وجدت في ذلك أنسب طريقة تهيئ مستلزمات تحقيق أجنداتها خاصة بعد تبني نهج المحاصصة الطائفية واﻹثنية، بعيدا عن رؤية إستراتيجية لتنمية متوازنة ومستدامه،المفقودة أصلا من أجنداتها . فمشروع الدولة المدنية والتأكيد عليه جاء به التظاهرات على حد علمي ولم أر ما يفيد من طرح ما قامت به اﻷحزاب اﻹسلامية، بعد إسقاط الصنم.
في باب مظاهر اﻷزمة … يشير التقرير أنها جاءت من تباين أزمة علاقات، وثقة بين القوى والكتل المتنفذة، ومن اﻷصح اﻹشارة بين قادة الكتل ومحسوبيهم، إذ لم تكن هناك قوى من خارج اﻹصطفاف الطائفي والمذهبي قُربت الى مواقع القرار، وهذه اﻷزمة يُنعش تواصلها قادة اﻷحزاب والكتل، وتلقى الرعاية من دول الجوار القريبة والبعيدة والعامل الخارجي
فشل نظام المحاصصة ..
لقد تكررت المحاصصة الطائفية واﻹثنية بالتقرير بشكل يصعب حسابه، مع تباين وصفها، فمرة بصفة نظام ومرة بصفة نهج، ومرة حافية من أي وصف، برأيي أنها نهج يلازم الطائفية والقومية كي يستطيعا إيجاد تفاهم بينهما . طبقت ﻷول مرة في العراق بشكلها السياسي، كقاعدة لتقاسم كعكة الحكم بين أطراف البرجوازية الهجينة التي تشكلت، من تخريب الطبقة الوسطى ( أساس قوة العمل) ﻹحداث شق بين اطرافها وسلخها عن المنطلقات الوطنية التي تتصف بها البرجوازية الصغيرة
اشارت الفقرة 30 الى أن منطق المحاصصة واجه اول إنتخابات صعبة أمام حركة الجماهير، فتعرض جداره الى هزة قوية، بينما الشواهد تقول قد تقوى بعد اﻹنتخابات، فالديمقراطية الهشه، و غياب قانون اﻷحزاب، والقواعد الديمقراطية في قانون اﻹنتخابات اختزلها نهج المحاصصة بصندوق اﻷقتراع، فحافظ الفائزون على نمط التفكير بالسيطرة التامة على مواقع القرار، مما شجعها على استعمال القوة المفرطة في نقض الحراك الشعبي المطالب باﻹصلاح، اي من هزها جدار الحراك الجماهيري في التظاهرات. وقد أجابت الفقرة 31 عن تساؤل مسؤولية ذلك، وجاءت الفقرة 32 تطالب بالكفاءة، التي تُريدها المحاصصة تدور في إطار نهجها المقيت.
القوات المسلحة
جرى التطرق لها بإسهاب، كان باﻹمكان اختزاله، وعدم تداخل مكوناته المتعددة في الشأن اﻷمني، برأيي أن أية دولة نامية ﻻ تُبنى إﻻ بالتجنيد اﻹجباري وحصر السلاح بيد الجيش والشرطة فحسب، أما عند تشكيل ملحقات للجيش النظامي فمعنى هذا تعدد لمراكز القوى، سيما وقد غابت الدواعي الخفية عند تشكيلها، والذي هو برايي حماية من يقف وراء دعمها ماليا ولوجيستيا، تشوبها تهم اﻹنتماء الخفي الى مكونات مذهبية، مثيرة خلافات فيما بينها تسعى الى تحقيق أستراتيجية، تتوصل بها الى إضعاف الجيش وتمهد طرق التحول الى حشد لصيانة وﻻية اﻷحزاب اﻹسلامية، ولديها مصادرها الخاصة المالية والتسليحية.
قضايا عقدية في المصالحة الوطنية
لقد فشل المشروع القومي واﻹسلامي، وإنحصرت المصالحة بين مسؤولي اﻷحزاب ورؤساء الكتل وهذا هو منبع خرافة التصور بان الطائفة والقومية يستطيعان بهما التوصل إلى معرفة الحقيقة المطلقة في نزع فتيل الصراع على السلطة . إن من يملك الوسيلة الناجعة لحل معضلتها هو الفكر المدني الذي لم يجرب في العراق والذي يناسب المرحلة الحالية، وما عدا ذلك نكون كمن ينحت في الهواء . سيما وإن الحقل مهيأ ﻹشراك القوى الوطنية في حل عقد المصالحة، خاصة بعد أن نزع الناس ثقتهم باﻷحزاب اﻹسلامية والقومية التي توالت على الحكم، من تجربة عينية عايشت مآسيها وبلائها خلال 13 عاما وما قبلها، وهذه فترة كافية لتبيان وطنية مشكلتي الجيش والقوى اﻷمنية، والتي ﻻ تقبل الترقيع بمن يبدي الوﻻء المذهبي والقومي، وليس للوطن.
اليسار العالمي إنتصارات وتراجعات،
اﻹسهاب في ذلك ليس له مبررات فما فائدة تعداد الدول، وإهمال اﻹشارة الى مرد ذلك ﻹستعمار جديد يقود باقتصاد السوق والعولمة، ﻷن ما طرح بشكل مسهب ﻻيهم عامة الناس، وإنما الباحثون . إن ما يهم الشعب هو السرد في القطاعات الخدمية والتربية والتعليم والصحة والتنمية البشرية، التي أعطتها هذه الدول اﻷولوية في خطط التنمية، وجعلت منها حجر اﻷساس لتطورها وتهيئة نشء يتمسك بالمثل الوطنية العليا ويتتبع مسار التقدم
في الفقرة 57 حول المهجرين لم يجر التطرق الى التهجير القسري وإﻹستيلاء على ممتلكات المهجرين كما لم تكن هناك إشارة الى ضياع اﻷموال المخصصة للمهجرين رغم كونها طائلة، كما لم يشر الى الهجرة عموما سواء في الداخل او خارجه، والتي يقرب حجمها كما أشير أربعة ملايين وكذلك للهجرة من الريف الى المدينة
في الفقرة 198 يُحمل سلطة اﻹحتلال مسؤولية أتباع سياسة السوق، دون تحميل مواصلتها لمن جيء بهم الى دفة الحكم، حيث استمرت تصفية الشركات وأصدروا تشريعات كما تقول الفقرة تُسير تمويل التجارة والحركة كرؤوس اموال للخارج و لدول الجوار
تنامي التفاوت في الدخل والثروة : ذكرت إحصائيات عن الفقر والغني، ولم يشر الى ما ولده ذلك من تصعيد للنضال المطلبي بشكل يتماهى مع إتساع دائرة الصراع الطبقي في المجتمع . إن تحليل الحزب عودنا وﻻ يزال يستند على التعاليم الماركسية باعتبارها ضرورة تأريخية، وكثيرا ما يشير الى أن حتميتها ليست من حتمية الظاهرات الطبيعية . ﻷنها لن تطبق إلا بإرادة البشر وجهادهم المرتبط بوعي الطبقة الكادحة، وبدورها الذي تلعبه في تصعيد الصراع الطبقي، وإنقاذ نفسها والوطن من شرور الرأسمالية
213 حول النازحين أيضا تبلور ملامح الفرز الاجتماعي، كانت تجدر اﻹشارة إليه بشكل مسهب، وخاصة ما يحدث من انقسامات وتناقضات ناشئة من المصالح ذات البعد الطبقي رغم حضور ذلك وتأثيره الدائم بصورة مموهة هنا وهناك.
تطورات في البلدان العربية والمنطقة:
لم يخرج التقرير بصيغ جديدة امام مهام القوى اليسارية والديمقراطية، حتى أن موقف الحزب لن يخرج عن الصيغ السابقة، ففيما يتعلق بالقضية الفسلطينية، لم يشر الى دور القوى اﻹسلامية في تمييع إنتزاع الحقوق المشروعة في إقامة الدولتين، والى ما تقوم به القوى اﻹسلامية السلفية في قطاع غزة، ونهجها اﻹنفصالي المدعوم من دول تضع أولوية للمسائل المذهبية على حساب الوطنية .
تطورات الوضع العالمي جاءت الدراسة موفقة .
اليسار العالمي
الفقرة 344 لم يكن ما تطرق الى ما حدث في المجر في انتخابات شباط عام 2015 موفقا، فان اليمين الوسط قد حقق فيها الثلثين، حكومة فكتور أوربان فقدته أثناء جلسة برلمانية بانسحاب أحد أعضائه وحسم بعد ذلك الموضوع باﻷغلبية البسيطة 50+1، بينما اليمين المتطرف ذو النزعة الفاشية والعنصرية اليوبيك حقق أصوات جعلته يحتل المركز الثالث، وهو حزب يتناغم بعض اﻷحيان مع اليمين الوسط الفيدس (حزب أوربان فكتور) بالمسائل القومية واﻷقليات والهجرة.