المنبرالحر

ﻻ حل لمشاكل الوطن دون تصحيح الخلل/ د.علي الخالدي

لقد طالب حاملو الهم العراقي على أن ﻻ يستغفل رأي القوى واﻷحزاب الوطنية المحركة للحياة السياسية لمكونات شعبنا العرقية ، في عملية معالجة التشظي بين اﻷحزاب القائدة للنهج الطائفي للحكم ،حيث كانت و ﻻ زالت القوى الوطنية ، تطالب بإلغاء إصرار حصر عملية إصلاح ذات البين بين أطراف الكتل واﻷحزاب (المتحاصصة) بهم فحسب ، لما لها من مردود عكسي على عملية اﻹصلاح والتنمية للمجتمع . فطالما بقيت المصالحة الوطنية محصورة بينهم ، ستبقى إستمرارية التحاصص للمناصب لكل اﻷطراف متواصلة كما يُرى حاليا ، فالتاريخ يُشير أنه ما من مصالحة وطنية عامة تمت بتجاهل ووضع معوقات وعراقيل أمام مساهمة أطراف وطنية تقدمية ، في تحمل مسؤولياتها في إنجاز هكذا شأن وطني يهم الجميع ، وبتنازلات بين الفرقاء دون التنازل للشعب ، لتبقى مقيدة بالدور المولى لها لتدور في دائرة مفرغة ، ومرتبطة بأطر تحالفات مذهبية مع دول الجوار بعيدا عن اﻷطر الوطنية القائمة على تنمية البلاد وتطورها مدنيا وحضاريا.
لقد تفاهم العامل الخارجي ودول الجوار على وضع الخلل في العملية السياسية بشكل مدروس منذ إسقاط الصنم بتنصيب اﻷحزاب اﻹسلامية في مواقع القرار ، ﻹستدامة نهجها وفكرها التحاصصي الذي أصاب القيم الوطنية العراقية بالمقتل ، حيث تم إعدام الضوابط والسلوكيات في أجهزة الدولة ، وصارت معالجة قصورها أصعب الغايات ، سيما بعد منع وسائل المعرفة واساليب التحضر ، وإستشراء الجهل المتعمد وإفقار عامة الناس إقتصاديا بالرغم من غناء البلد ، بضوابط النهج الطائفي الذي قيد كافة دوائر الدولة اﻹدارية واﻷمنية وحتى البرلمان بالمصالح الذاتية للأحزاب المتحاصصة ودول الجوار ، التي كانت خلف التجييش الطائفي ، وإستشراء الجهل وترسيخ المفاهيم الغيبية في قوام الشخصية العراقية ، وغيرها من اﻷمور التي وقفت وراء التشنج والتزمت ، وإلى التقاعس عن العمل وإتقانه ، فتحولت اﻷمانة واﻹخلاص للشعب والوطن ﻷمر ﻻ يعني شيئا بالنسبة لبعض القادة وخصوصا مزدوجي الجنسية . حيث إستمر الخلل والسكوت عن بذر التفرقة ومصادرة الحقوق الوطنية لمكونات شعبنا العرقية ، فتحول الوطن الى مرتع تسوده الفوضى وإنعدام سلطة القانون ، مع معاناة مستديمة لجروح عميقة ﻻ يزال بعضها جديد يصعب تضميده ، وخصوصا عند إلزام كافة المكونات العرقية غير المسلمة لمجتمعنا ، بإلتقيد بشريعة اﻷغلبية المسلمة ، دون وضع وزن وإحترام لشريعتها وتقاليدها الموروثة منذ آلاف السنين . مستغلين ما أملته عليهم وطنيتهم بإدراك الأوضاع الحالية للوطن التي تدعو إلى لجم الخلافات وشد اﻷحزمة الذي لم يلتزم بها الكثير من قادة النهج الطائفي.
ان معظم من أوكلت لهم مهام المصالحة الوطنية من كلا المذهبين ، إرتبط بهذا الشكل أو ذاك بالنهج الطائفي للحكومة ، اسوة بقادتهم ، يتحملون مسؤولية إستغلال الدين لشرعنة الفساد حتى في لجان المصالحة ، حيث حولوها لمراكز مراهنات سياسية ، وبابا للإرتزاق وتراكم الثروات فيما بينهم . لذا لم تنطلق المصالحة من أجواء هادئة وحضارية في إطار الروح الوطنية العراقية ، بل بقيت تمارس نشاطات مطلبية تفرضها المصالح المذهبية بعيدا عن مطامح الجماهير القائمة على مناهضة الطائفية، وإتهمت بمسايرة مفاهيم نابعة من عقلية ثأرية تقود بنهاية المطاف الى إفعال كيدية وبرامج ذات أهداف مصلحية مذهبية منذ تشكيل لجانها ، فتحول أخذ الحق باليد ، و أعتمدت قوانين عشائرية في حل النزاعات بين الناس ، مما أدى الى تعظيم أهمية المحسوبية والوساطة ودور العائلة ، وهنا بأن غرض التغييب المتعمد للأحزاب الوطنية ، في تهيئة أجواء حصر المصالحة بين القوى المتحاصصة التي وثقت الخلل بتشريع قوانين ترسخ مفهومها ونهجها خلال ال ١٣ عاما الماضية من حكمها.
مؤخرا خرج علينا السيد سليم شوقي نائب إئتلاف المواطن ليطرح وثيقة دستورية إعتبرتها كتلة المواطن واحدة من العلاجات السياسية للمرحلة الحالية ومحاولة تبديد اﻷزمات وتقريب وجهات النظر بين مختلف الكتل الحاكمة بتجاوز أخطاء الماضي ( دون محاسبة !!! ) * وإيجاد تسوية سياسية بين الكتل (ليبقى هذا لي وذاك لك ) ، وتجاوز أخطاء الماضي بتطبيق مقولة (عفا الله عما سلف ) هذه السياسية التي يتمسك بها البعض من قادة وثيقة التسوية الوطنية جلبت لنا الدمار والويلات و ﻻ زالت تنال التشجع ممن فَعَلَ الخلل وأجهض عملية اﻹصلاح والتغيير ، ليدبر أمر اﻹفلات من المحاسبة القانونية والعقاب.
لقد نوقشت هذه الوثيقة كما قيل من قبل اﻷطراف المعنية ، دون معالجة تردي اﻷوضاع الخدمية والخلل الذي أدى إلى إستشراء الفساد والمحسوبية ، وإلى عدم كبح جماح الميليشيات المنفلتة ، وحصر السلاح بيد الدولة ، وبالتالي تناسوا ضرورة هيكيلية مؤسسات الدولة المترهلة بما فيها المفوضية العليا للإنتخابات ، وحمايتها من التأثيرات الحزبية ، وإعتبار ذلك من اﻷسس التي يجب أن تنطلق منها المصالحة الوطنية المحررة من فكر ونهج قادة الكتل واﻷحزاب اﻹسلامية ، الذين يعرقلون صيرورتها.
*الجمل بين اﻷقواس من وضع الكاتب