المنبرالحر

العلمانية من يخرج الوطن من أزماته / د. علي الخالدي

لقد دلت الوقائع ، بأن إبعاد الدين عن دهاليز الحكم ، وترك تسيير أمور البلاد للعلمانيين ، ستفتح آفاقا واسعة أمام ألشعب والوطن للخروج من أﻷزمات التي صنعتها سيطرة اﻹسلاميين على الحكم ، بتجاهلهم حقيقة ان الدين لله والوطن للجميع ، فعندما ينأى المتدين عن التدخل بالسياسة و ملذات الحكم ، فإن ذلك ، سيبعده بهذا الشكل أوذاك عن التعاطي باﻷمور الدنيوية ويركز إهتمامه بالتعاليم الدينية، التي جهز نفسه كليا للإخلاض لها . لكن بتعاطيه السياسة ، سيفشل في التوفيق بين تدينه ، وتلبية متطلبات كافة مكونات مجتمعه ، خاصة إذا كان متعدد اﻷديان كما هو حاصل في الكثير من أقطار الشرق اﻷوسط اﻹسلامية . فهو بدون قصد او تعمد ، سينحاز لذوي القريى ، ويجنح لنصرة أبناء دينه أو طائفته تطبيقا لمبداْ الأقربون أولى بالمعروف مهما حاول تغطية ذلك بورعه.
أما الحكم الذي يُسَير من قبل رجال سياسة علمانيين أكفاء ، يعطي للحكومة حريـة الحركة في تقديم الخدمات لكافة مكونات المجتمع ، ﻷن سكة أصدار التشريعات تتم بمساهمة جميع المكونات العرقية وبهذا الشكل تكون قوانينهم متماهية مع قوانين الطبيعة المادية ، وبها سيتواجد التوازن في التعامل مع بقية اﻹديان من منطلقات تحاكي الروح الوطنية العامة ، دون أن تخدش الدين ، وتكون قادره على لجم مخاطر تفتيت العلاقات اﻹجتماعية المتداخلة ، والتي حرصت مكونات المجتمع المتعدد اﻹنتماءات الدينية على صيانتها لقرون خلت.
هذا ما فطنت اليه شعوب أوروبا عندما إستشعرت مردود مصيبة سيطرة الكنيسة على الحكم بمعطيات شوهت التعاليم السماوية السمحة القائمة على الحب والغفران ، فاساءت الى الدين والكنيسة معا . مؤخرة تحضر شعوبها وتقدمها العلمي ، بمحاربتها لرواد العلم وﻹبتكاراتهم . فوجدت الكنيسة أن من مصلحة شعوبها وأوطانها ، أيقاف الشد بينهما ، وذلك بالنأي عن نفسها وهي غير مكرهة، من إستغلال أدوات الدولة لصالح الكنيسة ومحسوبيها ، فتخلت عن سيطرتها على أدوات الدولة لصالح قوى مدنية علمانية تُسير أمور الدولة ديمقراطيا ، مما سمح بتوجيه طاقات جميع فئات الشعب نحو التنمية والسير قدما بالثورة الصناعية ، وتشريع قوانين تمنع التزمت الديني ، وتدعو للمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات ، والتي ليومنا هذا ﻻ زالت سارية المفعول . حيث أوصلت شعوبها إلى ما عليه اﻵن من تطور حضاري وتقدم علمي على كافة اﻷصعدة . ففصل الدين عن الحكم وإنسحاب رجال الدين من التدخل بسياسة الحكم ، هو صيانة للدين ولشخوصهم ، ناهيك عن إشاعة المساواة بين جميع المكونات الدينية، بإبعاد مثيري الصراعات المذهبية والطائفية عن مواقع القرار في الحكم إقتصاديا وسياسيا . بينما تتيح وسائل تنشيط فعالياتهم داخل مراكزهم الدينية بما يعضد نشر التعاليم السماوية ، بضرورة التعايش السلمي القائم على المحبة والغفران بين كافة معتنقي الديانات السماوية.
في اﻷزمنة الغابرة كانت شعوب الشرق اﻷوسط على مستوى عال من التقدم العلمي والتحضر أوصلها لعصور ذهبية ، كالعصر اﻷموي والدولة العباسية ( عصر هارون الرشيد )، عندما إحتضن الحكام كافة مكونات مجتمعاتهم من يهود ومسيحيين وصائبة واﻷيزيديين وغيرهم ، في عملية تسيير شؤون البلاد ، فالكل تساوى أمام القانون واﻷعراف الوطنية واﻹجتماعية ، وتعامل رجال السياسة الذين كانوا من مختلف الديانات مع تلك المكونات دون تمييز . عندها إستشعرت المكونات بحقوقهم السياسية واﻹجتماعية ، بما تحقق من أشواط متقدمة من التحضر والتقدم طال الجميع ، في ظل حكومات علمانية.
لم يقتنع ألساعون للحكم من اﻹسلاميين بقوانين ودساتير دولة تحاكي العلمانية وتفرض المساواة بين الرجل والمراءة في الحقوق والواجبات ، فعملوا كل ما من شأنه حصر اﻷمور الدنيوية للحكم بأيديهم فغيروا الدساتير والقوانين بما ينسجم وتراكم ثرواتهم المنقولة وغير المنقولة ، وغيبوا شجاعة من يسأل من اين لك هذا ؟ ، في وقت كانوا يُحسبوا على الطبقة الفقيرة !! ، مما حدى بشعوبها تنظيم تظاهرات متواصلة منذ نشوء أحزابها الوطنية مطالبة رجال الدين باﻹنسحاب من الحكم الى مراكزهم الدينية ، من أجل التغيير واﻹصلاح و تسيير أمور الدولة بما يتماهى ومطامح الناس.
لكنهم بإسم الدين قمعوها بإستعمال القوة المفرطة ، ومع هذا لم يفل عضدهم بمواصلة التظاهر حتى يلمسوا التغيير واﻹصلاح ، ومحاسبة الفاشلين والمروجين ﻹهمال سرقات القائمين على الحكم بإعتماد كما قيل عفا الله عما سلف ، كما نراه حاليا في العراق ورومانيا حيث يتواصل إصرار القابعين على مواقع القرار بفرض نواياهم السياسية ، وتفعيل فعلها الذي أدى إلى سرقة الفرحة بإسقاط الدكتاتوريات ، مضافا اليه في العراق محاوﻻتهم سرقة نشوة أنتصارات جيشنا الباسل على داعش .
فالمشهد السياسي واﻹجتماعي واﻹنساني في الدول التي يحكمها اﻹسلاميون وخصوصا العراق ، يفرض التحرك واﻹنفتاح على كل القوى الوطنية والمدنية الديمقراطية التي تقاسم رأي الجماهير بضرورة إنهاء نهج المحاصصة الطائفية وفصل الدين عن الحكم ، بكونهما الشرطين اللذين يوفران للإسلاميين مواصلة حكمهم ، وبنفس الوجوه . فهل يستطيع العبادي فعل ذلك !!!؟ ليدخل التاريخ من اوسع ابوابه وينقذ العراق من هاوية مشابهه لهاوية القرون الوسطى.