المنبرالحر

تحول الاقتصاد الى اكشاك وتاكسيات وباعة متجولين / حسام الدين الانصاري

لا شك بان عملية التنمية والبناء تتطلب جهوداً مضنية ورؤوس اموال ضخمة وخططا رصينة وتوجها حضاريا متميزا من اجل اختصار الزمن واللحاق بركب التقدم المتسارع في العالم.
وتتخذ مظاهر التنمية مسارات اخطبوطية في كافة الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية التي تنعكس بدورها على تحسين مستوى دخل الفرد وارتفاع القدرة الشرائية نتيجة لإفرازات عملية التنمية التي تجد دلالاتها في النشاط الاقتصادي والزراعي والعمراني والمواصلات والتعليم في ظل ظروف امنية مستقرة بما يؤدي الى حالة الاستخدام الكامل وتقليص ظاهر البطالة نتيجة لاندماج افراد المجتمع بمختلف النشاطات التي تؤدي بمجموعها الى زيادة الانتاج واستغلال الموارد والامكانيات المتوفرة في البلد، بما يساعد على ديمومة حالة النهوض الاقتصادي.
واذا ما نظرنا الى الواقع الحالي في العراق، فانه ورغم الحروب التي خاضها النظام السابق والتي اهدرت فيها الكثير من الطاقات والاموال قبل الاحتلال الامريكي كان لا يزال يمتلك قاعدة اقتصادية تتمثل بالمشاريع الصناعية الحكومية الضخمة التي كانت تلبي احتياجات السوق المحلية، وتقنين استيراد البضائع بهدف السيطرة على تسرب العملة الصعبة الى الخارج، واستخدام عشرات الآلاف من الفنيين والموظفين في مؤسسات الدولة، الامر الذي حقق للاقتصاد العراقي حالة من التوازن، والتي لم تصمد بعد الاحتلال الامريكي الذي حطم مرتكزات البناء التحتاني والصناعة المدنية ومصانع الانتاج العسكري والمباني الحكومية العلمية والخدمية ومشاريع الماء والكهرباء والخدمات التي استنزفت موارد البلد وطاقاته في اعادة ما دمرته الحرب، وتوقف مئات المشاريع الانتاجية، ومشاريع ومعامل القطاع الخاص وتسريح مئات الآلاف من الموظفين والعمال والعسكريين والاجهزة الامنية الذين شكلوا جيشاً من العاطلين اضافة الى الاعداد الهائلة من السكان الذين اضيفوا الى جيش العاطلين خلال السنوات الثلاثة عشرة التي اعقبت الغزو الامريكي.
ويشاهد المراقب بكل وضوح ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية في البلد بتحول مئات الآلاف من العمال والموظفين والمسرّحين من مؤسسات الخدمة المدنية والعسكرية والامنية والاعلام الى اعمال هامشية غير انتاجية تتمثل بالبطالة التي اغرقت سوق العمل والتهافت على بعض المهن التي ارتفع مستوى المنافسة فيها الى الحد الذي اصاب الكساد بعض جوانبها مثل فتح محلات بيع الاحتياجات المنزلية والاكشاك والمطاعم والاقبال على شراء سيارات الاجرة بالتقسيط وازدياد اعداد الباعة المتجولين من الشباب القادرين على العمل في المشاريع الانتاجية.
ويشير هذا الواقع الذي يعاني منه البلد الى حالة التردي الاقتصادي والاجتماعي الذي يعود به الى مراحل من التخلف واتساع الهوّة الحضارية قياسا الى ما وصلت اليه الدول المتقدمة، بل وحتى مع بعض الدول النامية التي حافظت على وتائر النمو والبناء من خلال الحفاظ على المشاريع الانتاجية وتحقيق التوازن في تشغيل القوى العاملة وديمومة الانتاج.
وبغية ايقاف دوّامة التردي الذي يعاني منه اقتصاد البلد فلا بد من وضع الخطط الكفيلة لاعادة الحياة الى المشاريع الصناعية ودعم القطاع الخاص لايجاد فرص عمل لمئات الآلاف وايقاف الهدر في الطاقة البشرية التي اصبحت خارج دائرة الانتاج والعطاء.