المنبرالحر

السياسة النقدية في العراق.. مشاكل وآفاق / د. ماجد الصوري

لقد استطاعت السياسة النقدية في العراق تحقيق أهم أهدافها وهو استقرار سعر الصرف وزيادة الثقة بالدينار العراقي حيث انخفض سعر صرف الدولار من نحو 3000 دينار للدولار قبل التغيير في عام 2003، إلى 1166 دينار للدولار في السنتين الأخيرتين. كما استطاعت السياسة النقدية التخفيف من حدة التضخم حيث انخفضت من 60-70% في الأعوام الأولى من بعد سقوط الصنم إلى 3- 6% في الأعوام الثلاثة الأخيرة. واستطاعت السياسة النقدية أيضا بناء احتياطيات نقدية سيادية بالعملات العالمية والذهب كغطاء للعملة المحلية وضمانا للاستقرار الاقتصادي في حالة انخفاض الواردات النفطية أو ف? حالة تعرض الاقتصاد العراقي إلى هزات أخرى ناجمة عن الكوارث الطبيعية حيث ارتفعت من اقل من 2 مليار دولار في عام 2003 إلى أكثر من70 مليار دولار في السنتين الأخيرتين. وقد توجه البنك المركزي منذ عام 2009 إلى دراسة إمكانية إعادة هيكلة العملة العراقية عن طريق حذف 3 أصفار، وإصدار عملات بقيم اسمية اكبر واصغر من المتداول حاليا وذلك من اجل التوصل إلى:
- تخفيض الكتلة النقدية في التداول من اجل تخفيض تكلفة التداول.
- تسهيل التعامل الحسابي مع أرقام العملة.
- تحسين نظام المدفوعات.
- تسهيل عملية رسم السياسة السعرية والحد من القفزات التضخمية في الأسعار.
إلا أن تدخل السلطات التنفيذية قد أدى إلى تأجيل هذا المشروع الحيوي إلى اجل غير مسمى.
ولكن هل تستطيع السياسة النقدية وحدها الحد من عملية التضخم ودعم وزيادة الثقة بالعملة العراقية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وهل تستطيع عملية إعادة هيكلة العملة العراقية أن تكون وحدها كافية لتعزيز هذا الاستقرار؟
إن قوة أي عملة ينبع من قوة اقتصادها، فلم يأخذ الدولار مكانته العالمية إلا من قوة الاقتصاد الامريكي. ولم تأخذ اليورو والين وأخيرا اليوان مكانتها العالمية الا من قوة اقتصاد معظم بلدان الاتحاد الاوروبي واليابان والصين. ومع ذلك فإن هذه العملات تتوجه صعودا وهبوطا وفقا للتطورات الاقتصادية الداخلية والخارجية ، تحسنا أو تراجعا. إن اعتماد العراق على إنتاج وتصدير النفط الخام والإيرادات الناجمة عن ذلك وهي بالدولار.والتدهور الكبير في القطاعات الإنتاجية الحقيقية ، الصناعة والزراعة ، وضعف جميع النشاطات الاقتصادية عدا ا?تجارة والنشاطات الهامشية ، والتوجه الكبير نحو الاستهلاك الحكومي والفردي لقطاعات غير صغيرة من المجتمع العراقي ، والتشوه الكبير في توزيع وإعادة توزيع الدخل ، والخلل الكبير في العلاقات العراقية الدولية وخصوصا مع دول الجوار والتوجه الكبير نحو الاستيراد ، والتوجه الكبير نحو الشركات الأجنبية لتنفيذ المقاولات المحلية وبالذات الحكومية ، مع غياب المتطلبات اللازمة للإعداد والرقابة على التنفيذ. إضافة إلى ظواهر أخرى عديدة تؤكد على الفوضى الاقتصادية التي يعاني منها العراق والتخبط في وضع الحلول مما جعلها حلولا ارتجالية ?رقيعية غير جذرية. إن استمرار اعتماد العراق على العوائد النفطية وتوجيه معظم موارده نحو استيراد السلع الاستهلاكية تجعل العملة العراقية وعملية التضخم في العراق عرضة إلى العوامل الخارجية ذات التأثير السلبي الكبير على استقرار العملة وأسعار المواد. ووضعت الاقتصاد العراقي في كماشة ضاغطة بذراعيها القويتين. إذ ان أي صعود أو هبوط في أسعار النفط سيؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض إيرادات النفط العراقية وارتفاع أو انخفاض الأسعار العالمية للمواد الاستهلاكية والإنتاجية والخدمية. إن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق ا?استقرار الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مثل هذه السياسات واستخدام وتناغم أدواتها الأساسية كل من السياسة المالية والنقدية.