المنبرالحر

احمد فؤاد نجم..سلاما شاعر الفقراء / أحلام الزيدي

كلنا نعرف أن الموت رهبة يصعب على الكلمات أن تستوفيها، وكلنا ذاق مرارة فراق الأحبة شئنا ذلك أم أبينا، لكن ما يدعو إلى الشعور «بالغصة» هو حين يختطف منا الموت، وعلى حين غفلة عالما جليلا أو مفكرا عبقريا أو شاعرا كبيرا كـ أحمد فؤاد نجم.. ذلك الشاعر الذي ملأت شهرته الآفاق، وكان لشهرته من اسمه نصيب، فهو نجم لامع في عالم الأدب الشعبي العربي، واحتل بعد ذلك مكان الصدارة في قلوب الفقراء المعارضين للسلطة، سيما أن الفقيد لم يغب عنا طويلا. كان يعيش معنا بقصائده التي جاءت معبرة عن أماني الناس التواقة إلى الحياة الكريمة..?كان يعيش بين ظهرانينا وكأنه واحد منا، خاصة في فترة السبعينيات، حيث شكل ثنائيا ناجحا مع الشيخ إمام، الذي نجح في ترجمة قصائده بأسلوب شعبي سلس استساغه الناس وحفظوه. فالشاعر نجم لم يكن شاعرا عاديا، بل كان شاعرا ملفتا ومعبرا حقيقا عن معاناة الشعوب العربية التي ترزح تحت نير الظلم.
هجا الرؤساء والملوك بما يمتلك من أدواته المتمكنة ووضوح رؤيته وقف الشارع السياسي، وعبر بأبسط الكلمات وأوقعها حسا وتأثيرا.. إذ كان يلتزم الموقف السياسي اليساري في الخط الوطني، وهو الشاعر الذي يعد الأكثر التزاما بخطه الأدبي الذي اختطه لنفسه في مصر. ولم يمتدح حاكما على مر زمانه رغم معاناته من شظف العيش ومرارة الفقر الذي كان باديا على جسده الناحل حد الذبول. إلا من فصاحته وعاميته الساخرة وصدق رؤيته.. وقصيدته الشهيرة «جيفارا مات» التي انتقد فيها بشدة «دلوعة السلطة» التي تأتي على أكتاف الفقراء بادعائها الوطنية الم?عومة دون أن يترتب منها أي أثر على ما تدعيه. وقد جاءت «جيفارا مات» إعلانا لهوية الشاعر السيامية الواضحة:
«ما رأيكم دام عزكم يا انتيكات../ يا غرقانين في المأكولات والملبوسات!/ يا دافيانين ومولعين الدفايات/ ما رأيكم طاب عزكم/ يبتاع نضال آخر زمان في العوامات!/ جيفارا مات!».
وفي قصيدته «أنت مصري» كان استياؤه عاليا ومدويا:
«عشان أنت مصري وده للأسف/ لازم تأسي عشان تتعرف/ وكل الأسامي في حياتك ترف/ وتنسى الكرامة وتنسى الشرف/ وتسرق وتنصب أو تنحرف/ ودمعك بيجري وجرحك نزف/ مش انت اللي مصري؟/ جتك القرف!».
لقد كان الشاعر نجم يكتب الشعر منذ نعومة أظفاره وعلى مدى أكثر من ستين عاما. كان ينزف شعرا معارضا وساخرا لاذعا لم يكن يروق للسلطة، لذلك كان نزيلا دائما في سجون السلطات الذين عاصروه، مثل جمال عبد الناصر والسادات. إلا انه كان يستهوي الفقراء اللذين أحبهم وأحبوه وجعل جل اهتمامه بهم ووهبهم كل حياته وكل قصائده، وهم أيضا بدورهم حملوا نعشه في لحظاته الأخيرة على أكتافهم بعيون دامعة وقلوب ملؤها الأسى.. فسلاما شاعر الفقراء.