المنبرالحر

تهشيم الطبقات اﻷجتماعية المحركة للتغيير، أولا الطبقة العاملة / د. علي الخالدي

تعرضت وتتعرض النقابات العمالية، وسائر المنظمات المهنية والديمقراطية الى المحاربة، بقوانين تشرع، وتعليمات تحجب حرية حركتها بين أوساط منتسبيها والمجتمع، ومعها يتعرض منتسبوها وقياديها الى الملاحقة، بما فيها السجن، وقطع أرزاقهم، لتبنيها برامج، تخشاها اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية والثيوقراطية، تلتزم بتحقيقها لصالح قطاعاتها والمجتمع، وفي مقدمتها تحقيق العدالة اﻷجتماعية، وفي كل الحالات لن يخسر العمال في تحركهم، سوى قيودهم كما قال ماركس، بينما يعجز الحكام عن أمكانية إخضاعهم ومنظماتهم الى الامتثال لمشيئتهم وتطبيق أجنداتهم.

لقد أكتسب هذا اﻷسلوب العدائي تجاه العمال ونقاباتهم، تجربة تراكمية في الفشل الذي يحصدوه جراء سياسة التصدي للنشاط النقابي، ومع هذا لم يتعظوا، من عواقب ما يقدموا عليه من أساليب بلت، وذاب مفعولها أمام الصمود المتواصل في الحفاظ على البنية اﻷساسية، لهذه المنظمات، التي تستمد قوتها، وعزمها على مواصلة نضالها من ألتفاف الجماهير حولها.

بعد إسقاط العامل الخارجي للدكتاتورية، وتخليص الشعب العراقي من شرورها، مهد العامل الخارجي ودول الجوار القريبة والبعيدة، سبل صعود اﻷسلام السياسي لتسلم السلطة بغلفة من الشعب مستغلا فرحته بسقوط الصنم، رغم المعرفة المسبقة للعامل الخارجي، بأن الأحزاب اﻷسلامية تحمل في أصولها شحنات المظلومية والتجييش الطائفي، و التهميش، و غياب مبدأ التسامح، علاوة على ما تملكه من نية تأجيج متعمد للنزعة اﻷنتقامية، في المناسبات الدينية، لضفتي الصراع الطائفي، وأغلبها يتستر على مآربه تحت يافطة الشراكة الوطنية، عند تقسيم المناصب الحكومية، موهمين الناس، أنهم لقادرون بتلك الشراكة الغير مباركة من الشعب، بينما واقع الحال يشير الى إمتلاكهم مسندات أولية لقوائم دولة الفوضى، كما صرح بعض أطرافها، إذ سرعان ما إنكشف زور إدعاءاتهم وبطلان وعودهم الهوائية، عبر ما تكتموا عليه من فساد، ونهب المال العام، وإعتماد أطرافها على العشائرية والمحسوبية في إحكام السيطرة الطائفية والفردية، و الكتلوية على اﻷجهزة اﻷدارية واﻷمنية.

لم تسلم، المنظمات الجماهيرية من هذه السياسة أيضا ، إذ وجدت النقابات العمالية نفسها أمام إمتداد فعالية تواصل تطبيق مشروطية القوانين التي سنها مجلس قيادة الثورة الصدامي، حيث وجد القائمون على الحكم بعد السقوط ضالتهم فيها، وعلى رأسها قانون تحويل العمال الى موظفين ذوي ياخات بيضاء لفظيا، ببدلات عمل زرقاء عمليا، كي يواصلوا بتطبيقها لجم النشاط النقابي العمالي المهني ، وهم يذكرونا بإقتراح عبد السلام عارف، بتلبيس ألكورد اليشماغ والعقال ليتحولوا الى عرب كحل ﻷنهاء المسالة الكردية أيام زمان.
يعزو المراقبون، مواصلة تطبيق تلك قوانين الرامية لتشويه الهوية المهنية للعمل النقابي العمالي، الى عامل داخلي قائم على الشكل المتعمد بعدم تأهيل المصانع والمعامل التي دمرتها حروب الدكتاتور العبثية وقوات العامل الخارجي، و إعادة الحياة اﻷنتاجية لها، بكونها ستمتص جزء من البطالة البالغة 25 بالمئة وتقلص رقعة الفقر التي تفوق ال 18 بالمئة . أن خلف هذا الموقف تكمن نية، جَعْل الطبقة العاملة العراقية غير مؤهلة عدديا لتلعب دورها الوطني في عملية البناء و التغيير، و عرقلة إستغلال ثقلها اﻷنتخابي في حسن أختيار ممثلي الشعب، ووضع عراقيل أمام وزنها اﻷجتماعي في عملية اﻹنتاج والتنمية اﻷقتصادية والبشرية ، خاصة في المدن والمؤسسات اﻷنتاجية . تنفيذا ﻷجندات العامل الخارجي، الرامية الى تحويل اﻷسواق العراقية الى حاضنة لتصريف إنتاج دول الجوار الصناعي والزراعي، كما يشير واقع حال أسواقنا اليوم، وملاذا سخيا للعمالة اﻷجنبية، على حساب اﻷيدي العاملة الوطنية التي تنتمي لشعب يحتل شعبها موقع ال 21 في جدول قياس الذكاء في العالم ( آ يو) ، مع إيهام العمال والشعب العراقي على حد سواء بحسن مردود التعامل اﻷيجابي مع دول الجوار، في تعضيد الصداقة والتعاون، بينما يتم ذلك، على حساب سيادة الوطن وتطوير إمكانياته المادية والعلمية، علاوة على حقيقة كون هذا النهج، يصب هذا في صالح الطبقة التي ظهرت على السطح، بعد تهشيم الطبقة الوسطى، مرتدية لباس تدين جديد ومواصفات لم يعهدها شعبنا من قبل، قافزة بواسطته لمصاف الرأسماليين الكبار ، ومحدثة فروقات وتفاوتات طبقية حادة في المجتمع.
لم يخطر ببال القائمين بمثل هذه اﻷعمال المعادية لمصالح الشعب والوطن ، بأن العمل النقابي الحقيقي باق مستقر في عقول وقلوب عمال العراق ، وهو الاداة العملية، التي تضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية مع طلائع شعبنا الوطنية بصيرورة التغيير في إنتخابات الثلاثين من نيسان المقبل.

يتبع