المنبرالحر

يكولون غّني بفرح! / عبد الكريم العبيدي

الليلة الأولى

تم سوقي إلى الجيش عام 1983 بصفة «متخلف»!
الكتاب الرسمي مُرسل بـ «اليَّد» - بيدي، إلى مركز تدريب مشاة الحلة، عنوانه: قائمة بأسماء الجنود المتخلفين عن السوق، ومؤشر فيه على التسلسل رقم: «13»، وهو الرقم الذي يشير إلى اسمي.
لم أعثر، في تلك الليلة، شديدة البؤس، على أيّ مقعد في كل عربات القطار الصاعد إلى بغداد، بسبب جحافل الجنود الذاهبين أو العائدين من والى جبهات القتال، فاضطررت إلى المبيت واقفا مع «مكرود» مثلي في دورة مياه إحدى عربات القطار، طيلة أكثر من سبع ساعات!

ألف عافية!

الليلة الثانية

في أول نهار لي في «المركز» سرقوا «يطقي» – بطانيتان ووسادة، فاضطررت، في تلك الليلة، الأكثر بؤسا، وكانت ليلة شتوية شديدة البرد إلى المبيت في العراء، لصق جدار قاعة منام الجنود.. لم يعطف على حالتي الذليلة أيّ منهم، وكدت أهلك من البرد.
في الصباح اكتشفت أن أحدهم سرق بيريتي، فأصبت بحالة من الفزع، وذهبت إلى ساحة العرضات مع مئات الجنود، وكنت واثقا أنني مقبل على بلاء جديد آخر.
كنت الوحيد بينهم حاسر الرأس فاكتشفني الآمر بسهولة، ضابط برتبة عميد، كان أقرب إلى خنزير، وله قلب أقسى من الجلمود، عاقبني بالزحف على الأرض الرطبة، شديدة البرودة، أمام أنظار الجنود كافة، ثم أمر بحلاقة شعر رأسي (زيان صفر)، مع أربعة أيام سجن!

مبروووك!

الليلة الثالثة

نُقلتُ إلى حجابات قاطع الشيب، في محافظة العمارة، وفي أول ليلة باردة حد الانجماد، سلموني بندقية كلاشنكوف، وجعبة رصاص، وخوذة، وكُلفتُ بالحراسةِ الليليةِ قبالة حجاب إيراني يفصلنا عنه حقل ألغام لا غير.

«أبدْ مَكنِتْ خايف» !!

أنهيت نوبتي في الساعة الثالثة فجرا، واستسلمت للنوم، ولكن الجندي البديل أيقظني بعد نصف ساعة، وأشهد أنه أيقظني بمنتهى الحنان والرقة، ( كأنه أم حنون )! زعق بأعلى صوته:( أكعد، أكعد، هجوووووم)!
رفعت رأسي فشاهدتُ مئات الآلاف من الاطلاقات المذنبة تتقاطع في السماء، مع مئات من مشاعل التنوير، ودوي المدافع وإطلاق الرصاص والتكبير والصراخ والزعيق!

أجمل فيلم رعب

توالت الهجومات المفزعة، والليالي المرعبة حتى نهاية الحرب في 8/8/1988، ولكن قسوة تلك الليالي الثلاث مازالت بطعم الحنظل، أما رعب ذلك الاستيقاظ (الحنوووون) فمازال يلازمني حتى الآن، ولطالما استيقظت فزعا، لأسمع كل من حولي يردد:»اسم الله، اسم الله»!.

و.... (ويكولون غني بفرح)!