بعد مخاض عسير ووعود مختلفة من الكتل السياسية المهيمنة والمتنفذة في مجلس النواب والحكومة أقر مجلس النواب العراقي يوم الاثنين 3 / 2 / 2014 قانون التقاعد الموحد ، ومنه ما ورد في المادة رقم (37) التي منحت (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونوابهم وأعضاء مجلس النواب والوزراء ومن هم بدرجتهم وأعضاء مجلس الحكم ومناوبيهم وأعضاء المجلس الوطني المؤقت ورئيس وأعضاء الجمعية الوطنية ووكلاء الوزارات ومن بدرجتهم ومن يتقاضى راتب وكيل وزارة والمستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة ومن بدرجة مدير عام ومن يتقاضى راتب مدير عام) رواتب تقاعدية مفرطة ومبالغ فيها مقارنة بمختلف الوظائف العامة في الدولة العراقية دونما مراعاة لمشاعر ابناء شعبنا وحركات الاحتجاج الشعبية المتنامية التي تقدمت بطلبات مشروعة برفع الغبن عن الملايين من ابناء شعبنا نتيجة غياب الخدمات وعدم تمتعهم بأبسط شروط الحياة الكريمة، من عمل ودخل وسكن وتوافرهم على حد ادنى من البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، وبإصدار التشريعات واتخاذ الاجراءات اللازمة لإيقاف الهدر في المال العام وسوء التصرف به. وتركز غضبها الشعبي على الفوارق الصارخة في مستويات الرواتب والأجور والرواتب التقاعدية والمنافع بين تلك التي تتمتع بها الرئاسات وأصحاب الدرجات الخاصة وأعضاء مجلس النواب وبين عموم العاملين في مختلف قطاعات الإنتاج (العام ، الخاص ، المختلط) ، وخصوصا الموظفين والعاملين ضمن الدرجات الدنيا من السلم الوظيفي، ناهيك عن المستوى البائس لمبالغ الحماية الإجتماعية, وقد فاقت الفجوة بين الحد الأعلى والحد الأدنى للراتب أكثر من 50 ضعفا، وهي نسبة بين الأعلى في العالم وتمثل مؤشرا خطيرا على عمق الفجوة في المداخيل وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل.
وجاء الغبن للعاملين في القطاعين المختلط والخاص واضحاً لاستثنائهم في سريان احكام هذا القانون حيث شمل فقط (موظفي الدولة في القطاع المختلط) وهم قلة قليلة من العاملين في هذا القطاع ! .
ان الوعود السخية التي كانت لجنة المالية وغيرها في مجلس النواب تعلنها بين وقت وآخر خلال فترات قريبة سابقة قد بشرت هؤلاء العاملين بشمولهم بالقانون الجديد (الموحد!!) وجرت لقاءات عدة معهم للتدارس في ذلك بسبب عدم انصافهم بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم (39) لسنة 1970 حيث تصرف لهم حاليا مخصصات شهرية وليست رواتب دائمية (منحة طوارىء !) وحيث يتقاضون الآن (130 ألف دينار) كحد أدنى و (200) ألف دينار كحد أعلى للذين لديهم خدمة (30 ) سنة فأكثر، وهم بهذا يصنفون تحت خط الفقر المعمول به عالمياً. فأين السادة النواب من هذا الاجحاف غير المبرر وأين نظرت الدستور العراقي الذي يقر بأن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات وإلى متى يستمر صرف رواتبهم (كمنحة طوارىْ) وليس كبقية عباد الله من ابناء شعبنا العراقي وخاصة اعضاء مجلس النواب الذين سيتقاضون الملايين عن خدمة اربع سنوات فقط (علماً انهم كانوا لا يحضرون للمجلس يومياً والكثير منهم دائم التغيب عن جلساته !! ) .
أننا نذكر السادة النواب وجميع الكتل المتنفذة والمهيمنة بمواد الدستور العراقي ومنها المواد (30 و31 و32 و 33 و 34) التي اعطت حقوقا اقتصادية واجتماعية وثقافية وألزمت الدولة بتوفيرها. أين هم منها في استغفال العاملين في قطاعي ألإنتاج المختلط والخاص ؟ الا يكفي الاهمال المتعمد لهذه القطاعات وكذلك القطاع العام والعمل على انهاء وجودها بإجراءات غير اقتصادية لتصفيتها وانهائها؟.
اذا كان تبرير عدم شمولهم بهذا القانون ان هناك قانوناً جديداً "للتأمينات الاجتماعية" سيصدر قريباً ، فهذه وعود جديدة تضاف الى سجل حافل بالوعود التي لم تجد انعكاسا على الواقع, تلك الوعود التي تعود عليها البعض من اقطاب الكتل السياسية والنواب والحكومة ، فهناك العديد من مسودات هذا القانون «الوهمي» لا تعرف الجهة او الجهات التي تعدها لحسابات ضيقة مصلحية اعلانية وتريد ان تتبجح بأنها قريبة الى مصالح الناس وتخدمهم !! .
وإزاء ذلك إلى أي مدى سيستمر تعمق الهوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وبين الذين يتقاضون رواتب فلكية والذين لا يحصلون على مداخيل توفر لهم الحد الادنى من العيش الكريم، لقد بات ملحا الاستجابة الجادة للمطالب الشعبية عبر التحرك السريع لإصدار القرارات والقوانين الهادفة الى معالجة هذا الواقع المختل القائم حاليا، ضمن برنامج متكامل وتصور شامل يتناسب مع الظروف المرحلية الاقتصادية والاجتماعية السائدة، و مراعاة حقوق عمال وموظفي القطاع الخاص والمختلط ورفع الحد الأدنى للإجور ومراقبة الالتزام به. وإصدار التشريعات الضرورية لإنشاء نظام متكامل وشامل للضمان الاجتماعي بما يوفر حياة كريمة لعموم المواطنين، وعيشاً لائقا للشرائح الفقيرة والمهمشة في المجتمع، وعلى وفق ما ينص عليه الدستور.