مجتمع مدني

العمالة والأجور / ابراهيم المشهداني

ان سوق العمل لا يختلف في قوانينه الاقتصادية عن اي سوق في الاقتصاد ونعني به اقتصاد السوق الحر فمستوى الاجور يتحدد موضوعيا من خلال قانون العرض والطلب في النظرية الاقتصادية الكلاسيكية, اي نظرية ادم سمث وريكاردو الا ان النظريات الاقتصادية الرأسمالية اللاحقة ومنها النظرية الكينزية ادخلت عوامل مؤثرة جديدة في تحديد المستوى العام للأجور ومنها الدخل الحقيقي والمستوى العام للأسعار والتأثيرات المتبادلة بينها. وحاولت النظرية الكلاسيكية في فرضياتها بيان العلاقة بين مستوى العمالة والأجور النقدية وأثرهما على مجموع الطلب?على العمل ولكن النظرية الكلاسيكية في بحثها في مستوى الاجور والعمالة انما تتحدث عن سوق فيه المنافسة تامة، لكننا اليوم نتحدث عن سوق عالمية مترابطة لا تفصلها او تحد من تأثيرها الحدود الجغرافية. ففي هذا السوق عندما تصل ارباح الرأسمالي بحسب قول ماركس 200بالمئة يكون على استعداد لارتكاب اية جريمة حتى لو وصل الى حبل المشنقة لكن هذا الحبل القي في كومة القمامة انتصارا للظلم الرأسمالي عندما اصبح الرأسمال هو المهيمن على القرار السياسي. من هذه المقدمة اردت الحديث عن سوق عراقي لم تتحدد ملامحه على ارض الواقع بغض النظر?عما يقال هنا وهناك عن اقتصاد سوق، ولكن التوصيف الثابت للاقتصاد في العراق رغم كل مساحيق التجميل يبقى اقتصادا وحيد الجانب يعتمد في 95بالمئة من موارده على النفط الامر الذي تأخذ الاجور فيه معنى الصدقة في واقع ان القطاع الخاص في الاقتصاد لا يزيد دوره في الانتاج الاجمالي عن 20بالمئة ويقتصر سوق العمل والى حد كبير على القطاع الحكومي الذي وصلت كتلة الموظفين فيه حد التخمة. وفي ظل قطاع انتاجي متعب فان عرض العمل سيكون هو الغالب اذا قيس بالطلب ولم تكن الاجور في ظل وضع متفاقم للعيش، سوى نوع من انواع الهبات ولذلك فان ا?اجور عادة ما تكون في حدها الأدنى. وإذا أخذنا بالحساب ان نسبة البطالة الكلية والنصفية 50بالمئة من الأشخاص القادرين على العمل والراغبين فيه، و اذا استثنينا آلاف الاحداث والأطفال الذين يملأون الأرصفة والساحات تاركين مواقع الدراسة والظاهرة تزداد باضطراد، وضبابية الإحصاءات الرسمية التي تشير الى أن نسبة البطالة 15بالمئة وفي بعض المصادر الرسمية 11بالمئة ، وإذا اخذنا بالاعتبار الدفق الهائل من خريجي الكليات سنويا وهي طاقة بشرية هائلة تشكل ضغطا كبيرا على سوق العمل, فأننا نكون امام مشكلة اجتماعية غاية في الخطورة.
لقد اثبتت احداث السنوات الثماني الماضية ان تعاظم البطالة وقلة الاجور سببان مهمان في انخراط العاطلين في عالم الجريمة السفلي ومصدر اساسي للإرهاب الذي يفتك بأرواح الناس ويدمر البنية التحتية مما يتطلب من الدولة التعجيل بوضع منظومة من السياسات لمواجهة ظاهرة الانحطاط في بنية الموارد البشرية ونقترح التالي:
1__ تمكين القطاع الصناعي الخاص من النهوض بدوره من خلال القروض بفوائد رمزية لتحسين وسائل انتاج المعامل الصناعية، المتوقفة منذ تسعينات القرن الماضي بعد اجراءات الحصار الدولية، بإدخال التكنولوجيا الحديثة، وتفعيل القوانين الحمائية وخاصة قانون حماية المنتج الوطني وقانون التعرفة الكمركية.
2__ الدخول كشريك فاعل مع القطاع الخاص سبيلا لتمكينه من اعادة الحياة في قطاع الانتاج مجددا ووضع التشريعات اللازمة لتنظيم عملية الشراكة وتنشيط مفاعيل هذه العملية. وتفعيل فكرة إنشاء مشاريع صغيرة للعاطلين ودعمهم ماليا عن طريق القروض الميسرة.
3__ تخفيف الاجراءات الروتينية المفرطة في تشددها لاعتبارات في نفس يعقوب على معاملات الاستثمار الوطني والأجنبي ومحاربة المساومات التي يقوم بها موظفون فاسدون تنفر المستثمرين من توظيف رؤوس اموالهم فتتحول الى عوامل طاردة وليست جاذبة.
4__ ربط المناهج الدراسية بعملية التنمية الانتاجية والتركيز على التعليم المهني ليكون متناسبا مع الحاجة الانمائية في الاقتصاد وفي ذات الوقت توفير فرص العمل وتقليص بطالة الخريجين من الشباب وهم الاغلب في سوق البطالة.
5__ التعجيل بإصدار تشريعات العمل والضمان الاجتماعي لتخليص شبابنا من ورطة الانزلاق الى عالم الجريمة المنظمة أو الانتظام في صفوف الارهاب بل بالعكس تحويلهم الى قوة مقاومة للإرهاب.