مجتمع مدني

سلام على ارواح امهاتنا المناضلات / لينا النهر

الفقيدة ام حامد (خيرية خضير الوزني) مع زوجها الراحل (جبر علي الوزني) عرفا الطريق الى صفوف الحزب الشيوعي ومنظماته الديمقراطية منذ ثورة 14 تموز 1958 وساهما كمثلهما من الوطنيين في الأنشطة الديمقراطية من أجل تطوير مسيرة ثورة تموز والدفاع عنها. وبعد انقلاب 1968 وتجدد نشاط الشيوعيين والديمقراطيين أصبحت العائلة معروفة بنشاطها الشيوعي والديمقراطي ، حيث انتمت ابنتهم الكبرى رسمية جبر (الشهيدة ام لينا) الى الحزب الشيوعي وعرفت بنشاطها الحزبي والديمقراطي حيث أصبحت من الكوادر القيادية في المحافظة وعضو سكرتارية رابطة المرأة العراقية ، كما انتسب أفراد العائلة الرجال والنساء الى الحزب الشيوعي أو إحدى منظماته الديمقراطية كالرابطة واتحاد الطلبة والشبيبة الديمقراطية كل حسب عمره ، وكانت الفقيدة ام حامد في هذا النشاط ، ولهذا تحول بيتهم إلى مكان دائم الحركة وخاصة وإنه يقع وسط بستان في وسط المدينة مما وفر إمكانية اقامة النشاطات والفعاليات في المناسبات الحزبية والوطنية ، وقد جلب هذا النشاط مراقبة ومضايقة حزب البعث وأجهزته القمعية .
بعد الهجمة على الحزب الشيوعي وسفر ام لينا وكذلك أخيها وأخواتها بقيت أم حامد على صلاتها التنظيمية وعلاقاتها بالعوائل الشيوعية والتقدمية، ولهذا فإنها لم تسلم من المراقبة وزيارات الأمن للبيت وكذلك الإعتقال وحافظت على بعض الأسرار الخاصة جدا لبعض الكوادر الشيوعية في المحافظة .
عاشت ام حامد في ظروف امنية واقتصادية صعبه ومتعبة، وخصوصا بعد ان اصيب زوجها بجلطة في الدماغ ولازم الفراش. كانت هذه الاعوام في غاية القسوة عليها. فباتت تنعي ابنتيها رسمية وماجدة اللتين فارقا الحياة بشكل غير طبيعي وهن في عز الشباب، وتتقلب شوقاً للآخرين الذين انقطعت اخبارهم عنها، كانت ام حامد تخرج مع الفجرالى السوق تبيع الخضروات لتسد حاجة البيت، ثم تشد العزم لتنطلق الى البستان للزراعة والعمل الشاق وتحصد المحصول لتبيعه في موسمه التالي. هكذا كانت ايامها لمدة طويلة، ماعدا يوم الخميس حيث تتجه الى المقبرة لتزور الشهداء ومن فارق الحياة من المعارف وتنعي ابنتها الشهيدة ام لينا التي ليس لها قبر.
كل هذه الظروف الصعبه والاعتقالات العديدة التي تعرضت لها من قبل اجهزة الامن الذين عملوا على تحطيم انسانيتها الا انها بقيت صامدة ولم يفلحوا في كسر ارادتها. اعتقلت ام حامد اول مرة عام ١٩٨٠ بعد رجوعها من اخر لقاء مع بناتها وابنها الكبير في سوريا، قبل التحاقهم بحركة الأنصار. وبعد الإفراج عنها منعت هي ومن تبقى من العائلة داخل العراق من السفر وسحبت جوازات السفر منهم، ثم اعتقلت مرة اخرى مع زوجها عام ١٩٨٦ في سجن كربلاء بعد أشهر من إعدام ابنتها الشهيدة ام لينا.
شهدت هذه العائلة زيارات يومية لجلاوزة السلطة ولسنين طويلة جداً. ولكن كانت ام حامد انسانه قوية الجسد والشخصية، وكانت ارادتها في تحقيق حلم العراق الحر والشعب السعيد من خلالها وعائلتها قوية جدا، وهذا هو من أقوى أسباب صمودها.
كان لام حامد دور كبير ورئيسي في طريق نضال بناتها. حيث كانت دائما على استعداد لمساعدتهن على الهرب، حيث وضعت خطط الطرق الامنة لهم، من بساتين وطرق وعرة وغير مسكونة وبعيدة عن اعين الناس وفي كل وقت حتى لا يتوصل الأمن لهن. وكانت دائماً على استعداد تام لإمدادهن بما لديها من مال كانت تجمعه بين فترة واُخرى لمثل هذه الظروف الصعبة.
ففي بداية عام ١٩٧٩ اشتدت الهجمة على الحزب الشيوعي وأعضائه من قبل اجهزة الأمن البعثية. وكانت قد بدأت في بغداد والبصرة ومن بعدها وصلت الى كربلاء. وتناقلت اخبار الاعتقالات والتعذيب والإعدامات، والاغتصابات، و بثت هذه الأخبار القلق بين العوائل الشيوعية وخصوصا الأمهات.
فكان لام حامد دور مهم جدا في اخفاء ابنتيها نوال ونضال وانتقالهن الى بغداد بسلام، وعلى الرغم من ان هذه الخيارات قد بدأت بالتأثير على العائلة وزادت عليها الضغوط حتى من قبل الجيران والأقرباء، لكنها ساعدت بناتها على الاختفاء والهروب. وبهذا اختارت ام حامد المواجهة وتحمل مسؤولية هروب بناتها من البيت. وبقيت كلماتها في ذهني الى يومنا هذا (المهم بناتي شدن حيلجن ورفعن راسنا. وديرن بالچن توقعن عند هذولة الچلاب البعثية!).
وفي فترة عودة الشهيدة ام لينا الى الداخل بشكل سري لمواصلة نشاطها الحزبي لقيت كل الدعم والمساندة من والدتها ام حامد سواء عند اختفائها في مدينة الديوانية او عند اختفائها في كربلاء وبغداد ومساعدتها لتحقيق هدفها. ولم تنته خطط إنقاذ ام حامد لمن تبقى من بنات العائلة حتى غادروا العراق عام ١٩٩٢.
وان كانت هذه الاسرة تعيش في كربلاء حيث البيئة الاجتماعية المحافظة، لكن ام حامد وأبو حامد نجحا في التعامل مع الظروف القائمة في كسب محبة الناس وثقتهم، فكانت ام حامد سند لكل العوائل من حولها، وخصوصا النساء منهم، الكل يحبها ويحترمها، وكان بيتها بيت سلام ومحبة لكل امرأة تلجأ اليه، وبستانها مأوى لكل هارب وجائع.
كانت اما وصديقة ورفيقة ومناضلة، ام حامد وغيرها من الامهات المناضلات سوف يخلدهن التاريخ ويحين في قلوب الاجيال بكل هيبة وفخر واعتزاز .