فضاءات

حقائق من سجن "أبو غريب" (1-2)/ كامل صبار جبر

ونحن نعيش ذكرى سقوط الصنم كان واجباً علينا ان نستذكر نضال الشيوعيين العراقيين خاصة ونحن نعيش الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي الذي ارتبط اسمه بنضال الطبقة العاملة العراقية لتحقيق اهدافها بتحررها اقتصاديا واجتماعياً، وكذلك كل احرار الشعب العراقي الذين توفرت لهم فرصة المعرفة والاحساس بالآخر والذي دفعوا بسببه زهرة شبابهم في سجون الانظمة القمعية والفاشية التي حكمت العراق منذ تأسيس الدولة العراقية حتى سقوط الصنم في 9/4/2013 كما يجب علينا كشيوعيين تقييم المرحلة الحالية التي يعيشها وطننا العزيز وشعبنا الكريم والمؤامرات التي تحاك للنيل من كرامة الشعب العراقي ومستقبله وارتباط المؤامرات هذه بتلك الحقبة المؤلمة من تاريخ الشعب العراقي وهي حقبة حكم البعث المجرم للعراق طيلة ثلاثة عقود ونصف والمحاولات الرامية الى اعادتنا لتلك الحقبة والامها وويلاتها على ابناء شعبنا.
ونحن نعيش هذه الايام وملابساتها فأن من الواجب ان نستذكر ونذكر بأعمال النظام المقبور واساليبه القمعبة ضد ابناء شعبنا من خلال ما تعرضت له كوكبة من ابناء الشعب العراقي وبالتحديد من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي الشجعان على ايدي اجهزة النظام القمعية واساليبها غير الشريفة ضد ابنائنا ورفاقنا ونكون بذلك مستذكرين معاناة عوائل مناضلي الحزب واقربائهم والحيف الذي لحق بهم والتآمر الذي حبك ضدهم وغيرها من الاساليب القمعية للبعث المقبور وان تناول اي موضوعة لاية حالة لا تقل عن الموضوعات والحالات الاخرى للاساليب الخبيثة للنظام الفاشي وللتذكير دعتني الضرورة الاخلاقية والانسانية والتاريخية ان ادونها لتأخذ نصيبها للنشر لاطلاع المواطنين عليها لايقاظ الاحساس بهولها وماساتها. وان نقل الواقعة قد تكون فيه اطالة في السرد الاولي لمقدمة الحالة تخرجنا من مضمونها وغرضها لكن لابد من التعريف العمومي لما هو طبيعي من التعامل في حالات التعامل مع السجناء السياسيين كسجناء رأي حيث عندما يحكم السياسي بقضية سياسية قانوناً ثبوت التهمة السياسية ضده بالقضية التي يؤمن بها وكان قد نال الحكم بحقه وهو السجن وهذا طبيعي ليس فيه منة من السياسي على الآخرين حيث انه يعنيه بالدرجة الاولى بأنه تحمل موقفه وارادته الفكرية وبقناعتي لا يؤسف على ما تعرض له، لكن الذي يؤسف ويحب عليه الادانة، وبل وادانة اي نظام حينما يبقى يعنل الاساليب الخبيثة غير الشريفة لتصفية السجين وهو بسجنه ونيل عقابه على موقفه من خلال تناولي لهذه الحالة التي أخص فيها مجموعة من الشيوعيين العراقيين في سجن ابي غريب قسم الاحكام الخاصة عام 1988 من الواجب عليّ وبالامانة الفكرية والعراقية التي تعلمتها من مدرستي الفكرية (الحزب الشيوعي العراقي) ان اشير الى ان تأمر اجهزة النظام البعثي لم يشمل الشيوعيين وحدهم بل هناك الكثير من العراقيين من المؤمنين بالحركات السياسية الاخرى تعرضوا لنفس الاسلوب ودفعوا ثمنه ارواحهم قرباناً لافكارهم بنفس الوقت هم ضحية تآمر لم تكن لهم يد فيه ولا معرفة بماهيته.
ففي يوم صيفي وبالتحديد في يوم الجمعة 13/8/1988 كان يوم مواجهة العوائل لابنائهم في قسم الاحكام الخاصة في سجن ابو غريب بدأت خيوط تنفيذ مؤامرة يقودها المجرم الرائد طارق الهيتي مسؤول قسم الاحكام الخاصة الامني بجريمة محكمة التخطيط بدءاً من لحظة التنفيذ حتى نهايتها وادواتها التنفيذية من الاجهزة الأمنية والخونة الذين انكشف امرهم بعد ذلك، فبعد ان انسحبت عوائل السجناء في الساعة الثانية بعد الظهر وهي لازالت في طريقها للانسحاب واذا بالمذياع الداخلي للسجن، واثناء ضوضاء الانسحاب، يرن بالاسماء حيث كان السجين بين نشوة لقائه بالأصل وثقل ايام السجن ومأساتها عليهم خاصة وان السجناء في حينها كان أغلبهم شباباً ولديهم طموحاتهم في الحياة، وفي السياسة معا وان البعض الآخر لديهم عوائل يعيشون ماساة تحملها للظروف التي كانت تعيشها والمعاناة التي تتعرض لها من ضغط أجهزة النظام القمعي وبدأ عد الأسماء كالآتي (نشأت فرج سموعي، كامل صبار جبر، مهدي حسين مهدي، رياض قاسم مثنى، فرات حسين علي، خضير مطيلج جريو، سمير شمعون، وجيه جبار داغر، مالك سفيح، عبدالرزاق سعد حرج، عبدالستار عبدالجبار حسين، حسين صالح جبر، هادي ناصر جابر، رحيم صبار جبر).
فكان للمناداة هذه وقع كبير في نفوسنا. ماذا حصل؟ لماذا هذه الاسماء حيث ان سماع الاسماء وبهذه الطريقة وبهذا الوقت وبهذا العدد والعوائل لازالت في طريقها للانسحاب اوجسنا شكاً وريبة واية ريبة خاصة ونحن سجناء منذ فترة وبعضنا ليست بقصيرة وقد كان من المعتاد ان تأتي العوائل في المواجهة لابنائها جالبة معها الاطعمة وبعد مغادرة العوائل مباشرة يتم تنظيم الغذاء بحافظات من الفلين ويوضع عليها الثلح لكي يستمر لفترة اطول، ولا زلنا في لحظات التنظيم هذه وتكرر النداء فكان من الواجب والمعتاد لمثل هذه الحالة انه لابد من ان يتم الاعداد للمواجهة فتوجهنا بعد ذلك الى موقع المناداة واحدا تلو الآخر بعد ان اوصى كل منا من كان في المكان القريب من مكانه في السجن بأن يستكمل حفظ الاغذية وتم التوديع وكان حقاً توديعا الى المجهول. وبهذه اللحظات تساور الانسان الكثير من الخلجات خاصة التفكير في العائلة هل تم القاء القبض على عوائلنا. وما السبب؟ هل ان عوائلنا رجعت مطمئنة الى بيوتها؟ وهذا يعني انهم لربما بعد اسبوعين ستكون المواجهة وسوف يصطدمون عندما نقص عليهم قضية استدعائنا، هل نعود مباشرة بعد الاستفسار منا وقد ازدادت التساؤلات بيننا وانفسنا، وكما ذكرت وكان لابد أن ابدأ باسمي لكوني لا اعرف ماذا حصل لغيري في حينها. انت كامل صبار جبر هم يعرفوني كونهم يعرفون الشيوعيين بمصطلح معميل لهم، اي من الناس السجناء الذين تكثر استدعاءاتهم واستخدام الاساليب القمعبة ضدهم من تعذيب وحجز وكلمات نابية تليق بالبعثيين وليس بالشرفاء من ابناء الشعب العراقي فكان الجواب، نعم انا كامل صبار جبر فاذا بأحدهم يكيل لي الضرب دون ان اعرف على اي سبب واية جريمة وماذا حصل فأشار في وقتها المجرم طارق الهيتي الذي كان واقفا ينتظر وصول الآخرين فأقتادني احد منتسبي الأجهزة الى زنزانة لا تسع لاكثر من شخص نظرت اليها فقدرته حينها بأن مساحتها لا تتجاوز 1.5×1.5 فأدخلني اليها وأقفل الباب خلفي فلم ار شيئاً تحولت تلك الزنزانة الى ظلام دامس حيث كما يبدو انها زنزانة داخل زنزانة اخرى رغم ان الوقت كان ظهرا وكما ذكرت في يوم 13/8/1988 فماذا تكون حرارة الصيف في هكذا وقت وهكذا موقع وليس فيه مصدر للضوء ولا للهواء سوى الفراغ بين الارض وحافة الباب الذي لا يتجاوز المسافة (1سم). فبالحقيقة ان تدوين الاحداث واستذكارها لا يستطيع الوصول الى وصف تلك الحالة ومما رافقها من رهبة وتفكير في المصير المجهول وهنا يجب ان اذكر بعد فترة انعدم الوقت بالنسبة لي حيث نفد من جسمي الماء من كثرة التعرق وضيق المكان.