فضاءات

الحب يثقل اعباء باريس/ د. تارا إبراهيم

باريس قبلة العشاق والرومانسيين وملهمة الشعراء والفنانين ومن أجمل مدن العالم قاطبة كونها تتمتع بمؤهلات لجذب السياح من البنايات الجميلة والفن المستخدم في بناء الجسور والاثار التاريخية،الامر الذي يجعلنا نقع في حبها من النظرة الاولى ، هذه المدينة تقع فيها أجمل قصص الحب التي لا تخلو من الاحباط والتعاسة في بعض الأحيان، حيث يتوجه اكثر من 24 بالمائة من العزاب الفرنسيين والاوربيين الى هذه العاصمة للبحث عن قصص الحب ليكونوا أحد ابطالها.
يقال ان فرنسا أشبه بحديقة فيها أجمل الورود وأجمل باقاتها تسمى باريس، لذا من الضروري لزوارها معرفة الأماكن الرومانسية فيها وفي مقدمتها برج ايفل الذي يسمى بالفرنسية " سيدة من حديد" الذي يمنح الزائرين مشاهدة بانورما باريسية مذهلة ولكن البرج ليس المكان الرومانسي الوحيد فهنالك أكثر من منافس له في الجمال والرومانسية منها كنيسة القلب المقدس التي تقع على تل مرتفع في المدينة ويمكن الصعود اليها بإستخدام السلالم أو المصعد وقد كان الحجاج يصعدون التل مشيا على الاقدام في السابق بغية الحصول من الرب على أجرعن تعذيب النفس، يعود بناء هذه الكنيسة الى عام 1875 م غير أن معمارها لا يشبه معمار الكنائس التقليدية من العصور الوسطى بل هى أشبه بضريح" تاج محل" في الهند الذي بناه شاه جهان بلونها الأبيض وقببها الكثيرة وتسمى الكنيسة بالقلب المقدس كناية عن قلب المسيح المحب للبشرية .
اما المكان الرومانسي الثالث هو جدار " احبك" او "جو تيم " وهو على عكس الجدران المقيتة التي تبنى لعزل الشعوب عن بعضها والمعروفة لدي الجميع ، فهذا الجدار قريب من كنيسة القلب المقدس وتقدر مساحته بـ 40 مترا مربعا وهو ملتقى العشاق ومكان مواعيدهم، وكتب عليه كلمة احبك بـ 300 لغة ليكون مزارا للقادمين إليه من كافة ارجاء العالم تجمعهم المحبة والسلام والتصالح، وواضع هذه الفكرة فنان إسمه "فردريك بارون" كان يحلم برحلة طويلة حول العالم لجمع ثمانين كلمة "احبك" وبلغات الشعوب القاطنة على كوكبنا هذا، على غرار رحلة حول العالم في ثمانين يوما "لجول فيرن"، لكنه ولأسباب عديدة لم يستطع إتمام الرحلة فكان أول ما قام به هو طرق أبواب جيرانه الذين كان احدهم روسيا والآخر عربيا وثالثهم برتغالي الجنسية لجمع كلمة احبك بلغاتهم، وبدأت القصة هكذا ومن اجل ذلك تم تخصيص الارض وبناء الجدار. ولحسن حظ الفنان فقد تعددت اللغات حتى بلغت اكثر من ثمانين لغة .
باريس هي مدينة العشاق جمعت عشاقا فرنسيين واجانب معروفين في العالم عاشوا فيها لانها سحرتهم بحياتها الفنية و الثقافية ومعالمها التأريخية، اذكر هنا متحفا يسمى" الحياة الرومانسية" يضم مجموعة كبيرة من لوحات وتماثيل وامتعة شخصية للفنانين والادباء الكبار الذين ساهموا في خلق عصر الرومانسية في البلاد مثل (جورج ساند وشوبان وتيوفيليا برا) وغيرهم ولاننسى منزل بلزاك الكاتب الرومانسي المشهور.
لكن الحب أصبح يثقل أعباء باريس بل ويتعبه ويقضي على قسما من جماليتها واناقتها ، فقد تعالت أصوات الباريسيين وتذمرهم مؤخرا بسبب بعض الممارسات التي يقوم بها العشاق والمحبون في مقدمتها ظاهرة ما يسمى بـ (أقفال الحب) التي باتت غريبة وبعيدة عن تقاليد المدينة و روحيتها، وصل عدد تلك الاقفال الى 700000 قفل معلق على سياج جسر الفنون (بونت دي ار) فوق نهر السين الذي يخترق المدينة، والعادة تقتضي ان يكتب المحبين أسماءهم على القفل يعلقونه وعلى شرفة الجسر ومن ثم رمي المفتاح في النهر متمنين دوام الحب لسنين طويلة الأمر بدأ يطال الجسور الأخرى أيضا مما أدى الى إحتجاج الحزب الأخضر الذي لاينفك ويرسل الرسائل الى عمدة البلدية لإزالة هذه الاقفال ومن ثم التلوث الذي تسببه المفاتيح التي تلقى في الماء ، يبدو ان ثقل الحب وعمقه سيؤدي قريبا بالعشاق الذين يمارسون طقوسهم هذه الى دفع غرامة مالية لمن تسول له نفسه تعليق قفل جديد .