فضاءات

في وداع د. رعد جبار الناشىء/ سعيد غازي الاميري

كنا طلاب في ثانوية العزيزية وبامتياز كان رعد الناشيء الفنان الأول بالمدرسة يجيد الأدوار كافة الكوميدية والدرامية؛ دمعته بطرف عينه إذا لزم المشهد ذلك لا أحد يجاريه من اقرانه بعذوبة غنائه بصوته المحمل بكل لوعات الحزن العراقي النبيل..
ذات يوم وفي حفلة مدرسية؛ وحفلات المدارس في منتصف السبعينات وما قبلها كان لها قيمة وفعل وحضور اجتماعي لافت فالقاعة كانت تغص بالحضور حين غنى اغنية" سبتني الحلوة الّبنيّه "للفنان حسين نعمة والذائعة آنذاك؛ وعند مقطع قداح والقداح يذبل من تريد تجيسه يا بوسة العريس ليلة زفته لعروسه وقعت الصدمة للحاضرين أغلبهن طالبات وذويهن وخاصة الصف الأول والثاني للحضور، إضافة الى الضيوف فخيم الحرج على الجو العام للقاعة كون أداء الناشيء قد زاد شحنة العاطفة فزاد تفاعل الجمهور بطريقة عبرت حدود الحشمة السائدة في مدينتنا الصغيرة ناحية العزيزية " العزيزية قضاء الان" رعد جبار تصبب عرقاً لفرط حرجه فاقنع الجميع بصدق ردة فعله.
دخل اكاديمية الفنون الجميلة "جامعة بغداد" بامتياز مستحق! أيام كانت معقلا للمثقفين؛ وحين تخرج الممثل الأكاديمي رعد الناشيء كان للفنان هيبة يحسد عليها من الجميع. واصل مشواره الفني بصمت والتزام ما بين المسرح والتلفزيون فَعُدَ بجدارة رقماً لامعاً مضاف لحلقة فنية مندائية كانت حاضرة بالمشهد الثقافي العراقي أمينة بخياراتها المنتقاة رغم الصعوبات الجاثمة على الفن ورسالته الغالية للتعبير عما يخدم الناس.
وفي الوقت الذي بان واضحاً هبوط سهم الخط البياني لقيمة فعل الفن وتجلياته الإنسانية بعد ان حل بنا زمن التردي لحقبة التسعينات المدمرة والمسرح بالذات قد نال حصة الأسد بالتسويف والتهريج الرخيص والذي دفع بطيف واسع من الفنانين الولوج به تحت طائلة العوز المادي المهين.
رعد جبار لم يستسلم لهذا الخراب بل طل علينا بتحصيل رفيع بنيله شهادة الدكتوراه بمجال عمله المسرحي، ليوثق لمنجز أكاديمي رفيع في مضماره وربما سبق لطائفتنا ناهلاً به من ارث حقي الشبلي وإبراهيم جلال ومن تلاهم من رواد الفن العراقي ليوصله امانة ثمينة لطلابه.
ولم يبخل على طائفته بل اجاد بحرص مندائي واندفاع مستثمر حضوره الوظيفي ليوثق بفلم حرفي الصنعة مع فريق عمل سينمائي فرنسي محترف عبر احدى مؤسسات التلفزيون العراقية " الفلم عرض بشريط فديو باحتفالية بقاعة المندي ببغداد أواخر التسعينات" سيناريو مادته غنية لقوم سكنوا و لازالوا بارض الرافدين بذات الوصايا؛ أرشفَ بشكل مبهر العلاقة ما بين ماء نهريه وبياض المندائيين في زمن شحت به المادة الإعلامية النقية .. وبصورة لم تبرح الذاكرة للترميذا الراحل رعد كباشي وهو يرسم بماء دجلة وقطرات الماء تتطاير امامه يتلقفها الهواء كحبات لؤلؤ منثورة آثرَ المخرج ان يختم بها فلمه الأمين.
ترى اية صدفة ان يرحلا كلاهما قبل الأوان، رعد جبار ظل من المرابطين بارض العراق كما رابطَ مثله شيخنا الراحل رعد كباشي ..
عزائي الوحيد أقول تشبث يا رعد بأكليل الاس المغمس بماء دجلة فهو حصتك من ارض تيبل وهو البوصلة صوب ربوات النور
واترك لنا القلق والريبة والحزن؛ فالمشهد معلن اليوم ولا حاجة بنا لستارة مسرح فعرس الدم مسرحه المفخخات بالساحات والطرقات وصدى ازيز الرصاص يحصد بدون تمييز !!