فضاءات

لوحة الابداع من روائع الانصار / ألفريد سمعان

كانت مجموعة من الرفاق مشحونة بالامل والوعي والاعتزاز بما يمكن ان تقوم به، وهي تشق طريقها في الوديان وتتسلق الجبال وتضع خطاها على ممرات خطرة، يتغلغل البرد في اجسادها ويكبل ظلام الليل خطواتها، وتردد الاصداء همساتها.. تحوم حول الصخور وتدعو الغيوم ان ترفق بها وتسمح للنجوم بأن تلقي ابتساماتها في العتمة الضارية.
اصوات من كل جانب لا يدرون ان كانت تلك نغمات الريح الهادئة، او خطى قطار الليل الجبلي (البغال) الذكية العنيدة، او اوامر القطعات العسكرية المنتشرة والموزعة على السفوح.. المختبئة بين الكهوف الخائفة من رصاصات قد ترسلها بندقية متأهبة للصراع ومقاومة حراس الدكتاتورية، تنطلق مع صرخة لأحد الثواّر.. تعلن ان إرادة المقاتلين اعداء الظلم انصار الكادحين لن تنطفىء حتى النصر النهائي.
لقد تحرك قلمي ليكتب هذه الكلمات بعد ان قرأت المقال الذي نشر في "طريق الشعب" تحت عنوان " لوحة للعبور" بقلم الكاتب المبدع داود امين، والذي تناول فيه بشفافية عالية وحروف متألقة، مسيرة مفرزة شيوعية عبرت الحدود المتعرجة وتجاوزت الانهار والجداول وتسلقت القمم وكتمت انفاسها خشية الغدر والمطاردة ولم تتوقف بالرغم من المسافات البعيدة والعطش والانهاك والتعب الذي لا يرحم الانفاس اللاهثة، يزرع كوارثه في الاقدام والصدور ويمتد الى الضلوع التي لا تعرف كيف تتخلص منه، بالرغم من كل الجهود المبذولة والصبر الاسطوري وتخطي حدود الاحتمال.
لقد كانت لوحة حقيقية لما كان يعانيه الانصار الابطال الذين عقدوا العزم على مقاومة الدكتاتورية وتحدي كل الظروف الصعبة وارتقاء اعلى قمم الرجولة والشجاعة وبذل اروع ما يعتز به الانسان وهو الحياة من اجل القضية التي لم تعد شعاراً براقاً وحروفاً تصدح بها الشفاه، بل قضية تلهم المناضلين وترفع الاصوات جريئة طافحة بالامل مجبولة بسنابل الوعي، محمولة على الاكتاف باعتزاز، بالرغم من جسامة التضحيات والمتاعب التي لا تتوقف في مسيرة النضال الثوري العتيد.
ان ما جاء في " لوحة العبور " يذكرنا بالامجاد التي صنعها الرفاق والآلام التي تحملتها قوافل النضال في صورة تختلف عن الصور الاخرى، عن الاعتقال والسجن والاضراب، ومقارعة الظلم والاضطهاد والاصطدام بقوى الشر في مواجهات عنيفة تعرفها ساحات المدن وشوارعها وتومىء الوان شعاراتها وترتفع صرخات الحق في عيون الباطل وتتجاوز كل الاسوار التي تجيد قوى الظلام صنعها لكتم الاصوات الشريفة النبيلة المناهضة للطغيان والعبودية.
ان لوحة العبور التي تألقت حروفها، تدعو اقطاب الفن المسرحي والسينمائي الى تسجيل هذه البطولات إكراماً للمقاتلين، وتسجيلا لتاريخ الحركة الوطنية التي سارت، تعثرت، وكانت تنهض بعد كل كبوة، ولم تترك وسيلة يمكن التعبير بواسطتها عن الاوجاع المرعبة، والاساليب الرهيبة التي مارستها الدكتاتوريات من بطش وتعذيب ودناءات لا حدود لها.. في محاولاتها اليائسة لارغام الشعب على الركوع والتخلي عن مطالبه العادلة.
ان استعادة الذكريات تشكل صورة حية للمعاناة وللمواقف الباسلة التي واجهها الشيوعيون بالذات مع المناضلين الآخرين من شتى الاحزاب والمنظمات الثورية.
وجدير بنا ان نسهم في تحويل تلك الصور الرائعة الى ملاحم فنية بطولية، لانها تمثل جزءاً مهماً من تاريخنا وتشيد بالقرابين التي غادرت الحياة ولم تهادن او تنحن امام سطوة وسياط الدكتاتوريات المتلاحقة ضد الحزب الشيوعي وتاريخه المضيء.
ان المبدعين من السينمائيين والمسرحيين مسؤولون عن تحويل تلك الاحداث المثيرة والشجاعة الى لوحات وافلام ومسلسلات، تعرّف الاجيال الجديدة بما قدمه رفاق الجبال والاهوال، وتسجل للفن العراقي امجاداً جديدة وانتصارات في عالم الابداع.