- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 01 كانون1/ديسمبر 2015 09:49
لم تكن ألينا تبلغ من العمر أكثر من 10 أيام عندما أحتلت الدولة الإسلامية مدينة سنجار وارتكبت أبشع الجرائم بحق أبناء الشمس بما فيهم أطفالا بعمرها ، وعندما بلغت 16 يوما نزح الأيزيديون والمسيحيون في سهل نينوى من كل قراهم وبلداتهم وتوجهوا إلى الحدود التركية هربا من تقدم داعش نحوهم ، وكانت ألينا لا زالت حبيسة القماط ، انتقلت هاربة نازحة في حضن جدتها مع الجموع بين القرى الحدودية المحاذية لتركيا ومدينة دهوك والمجمعات القريبة منها ، وعندما تعبت الجدة ووالدا ألينا بعد أيام طويلة ومرهقة من التنقل بين هذه الأماكن وعاد بعض أهالي ختارة إلى قريتهم التي أصبحت من المواقع الأمامية لقوات البيشمه ركه في مواجهة داعش التي تموضعت على بعد عدة كيلومترات منها مهددة بمدفعيتها وعرباتها المفخخة أمن القرية والمنطقة كلها، عادت ألينا مع جدتها ووالداها إلى هناك لتكون في حضن والدها وهو يحرس البيت ويراقب تحركات داعش من فوق سطح داره .
لم تكن جدة ألينا ولا والداها ولا بقية العائدين إلى القرية بما فيهم عدد من أقاربها واثقين من القوات المدافعة عن الحدود الجديدة بينها وبين داعش التي استقرت في المدن والبلدات الأيزيدية والمسيحية القريبة من ختارة وإمكانية التصدي لأي هجوم لها، فقد كانت الشكوك وعدم الثقة هي السائدة لدى غالبية الناس وكانوا يعتقدون جازما إنها ستتركهم لقمة سائغة بيد داعش كما فعلت في سنجار، ولكنهم رغم ذلك لم يطيقوا حياة التشرد والتنقل تحت قيض الصيف في خيم متهرئة وفي ظل انعدام الخدمات ، ولذلك جهزت عائلة ألينا سيارتها باحتياجات الهروب تحسبا لأي طارئ وأي تقدم لقوات داعش والهجوم على القرية ، وكانت معدة للانطلاق في الدقائق الأولى ، باتجاه دهوك أو أبعد من هناك عندما تبدأ ساعة الصفر ، وهكذا كان حال الجميع .
هكذا قضت ألينا أيامها وشهورها في القرية حتى أصبحت تملأ وقت جدتها ووالداها فرحا بحركاتها الطفولية الجميلة ، دون أن تعلم ما يجري حولها من مخاطر واحتمالات الوقوع في يد داعش الذي كان أمرا واردا ... ولأجل درء هذه المخاطر وتجنب القلق ولكي تكبر ألينا بعيدا عن الخوف والتشرد قررت عائلتها بالاتفاق مع بقية أفرادها في ألمانيا تصفية مصالحها وبيع ما يمكن بيعه من ممتلكات وشد الرحال نحو اوروبا "ألمانيا" التي أكدت إمكانية توفير الحماية والحياة الأمنة للأقليات عند وصولها إلى أراضيها .
لم تكن عائلة ألينا هي الوحيدة التي تستعد لهجرة موطنها ، فقد وجدت أعداد كبيرة من الأيزيديين أنفسهم على جميع الطرق المؤدية إلى أوروبا وكان هناك وما يزال من يسقط منهم موتا بسبب البرد أو الجوع والعطش والتيه في البراري والجبال أو غرقا في البحار ، استعدادات عائلة ألينا لم تأخذ كثيرا من الوقت ، فقد جرى تصفية الممتلكات في أيام قليلة وسرعان ما وجدوا أنفسهم يودعون القرية ومزاراتها من حكيم الفارس إلى بابا شهيد وبابا نوح علاوة على أقاربهم الذين أكدوا عزمهم على الرحيل ولكن في وقت لاحق .
طريق الوصول إلى ألمانيا لم يكن معبدا أو سهلا أمام عائلة ألينا .. ففي احدى المرات وعلى حدود دولتين افترقت ألينا مع جدتها من والداها، وعندما دخلت أراضي الدولة الثانية ألقت الشرطة القبض عليها وعلى جدتها وأخرين معهما ، فعانت في السجن من شحة الحليب ومن عدم وجود وسائل النظافة وأماكن اللعب كما في حديقة منزلهم الكبيرة التي تعلمت فيها السير على رجليها قبل سفرهم بفترة قصيرة، وعندما استطاع والداها عبور الحدود ، اعتقلا أيضا وزج بهما في نفس سجن ألينا وجدتها وهناك ألتم شمل العائلة ، ولكن بعد أيام قليلة افترقا مرة أخرى بعدما أطلق سراح ألينا مع الجدة والإبقاء على والداها ...
تعددت محطات لم شمل هذه العائلة وافتراقها في الطريق ، حتى عند وصولهم إلى ألمانيا ، فقد حدث ذلك على دفعتين ، وألينا كانت مريضة بنزلة برد وتعاني تقلبات شديدة في درجات حرارة جسمها .. حتى كاد عمها الذي يعيش في ألمانيا يخشى عليها من المضاعفات ، لذلك أسرع إلى إيصالها مع جدتها بعد وصول والداها بوقت قصير إلى أحد ملاجئ اللاجئين .
ألينا مع عائلتها وعددا آخرا من أقاربها ، انتقلت بين أكثر من 5 ملاجئ خاصة باللاجئين وفي عدة مدن خلال الأشهر الـ 3 الماضية ، وآخر هذه الملاجئ عبارة عن كونتينرات ، مساحة الواحدة منها 5x 4 أمتار مربعة ، موضوعة في مساحة كبيرة من الأرض ، مسيجة بحيث لا يستطيع المرء الخروج والدخول منها وإليها إلا عبر مدخلين محروسين مشددا .
كل هذا لا يهم ألينا ، ولكن ما يهمها إنها تعيش في واحدة من هذه الكونتينرات دون أن تستطيع الخروج منها إلا على كتف جدتها أو والدتها أو والدها أو أحد أقرباءها بسبب الوحل الذي حولها ، ولا تستطيع اللعب في داخلها لأن كل المساحة الداخلية مشغولة تماما ، ففيها 8 أسرة من طابقين للنوم ويعيش فيها 14 لاجئا من العراق وسوريا وأفغانستان والمساحة التي تستطيع اللعب فيها هي المسافة الواقعة بين قريولتين والتي لا تتعدى الـ 40 سنتمترا على طولهما ، دون وجود أية لعب ، ولذلك تقضي غالبية وقتها بالبكاء والصراخ ..
وأخيرا من حقنا أن نسأل ، من يتحمل مسؤولية بؤس الطفولة العراقية ..؟؟؟