فضاءات

ذكريات مع الشهيد سلام عادل / صاحب جليل الحكيم

في مهرجان سلام عادل الذي اقامته اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في النجف لاحياء الذكرى العطرة لسكرتير اللجنة المركزية للحزب الذي استشهد في عام 1963 على ايدي عصابات حزب البعث الفاشية المجرمة ,واعطى مثلا لصمود الابطال الميامين .
استعدنا بعض الذكريات عن الشهيد سلام عادل، ولمحات من لقاءاتي مع هذا القائد الشيوعي الفذ ودوره القيادي. فخلال قيادة الرفيق سلام عادل لمنطقة الفرات الاوسط في سنة 1954، وبنشاط رائع وخاصة بالريف حيث امتدت الجمعيات الفلاحية في غالبية مناطق الفرات الاوسط، كما برزت حركة انصار السلام في مدنها وبصورة علنية, ونشطت المنظمات الجماهيرية الاخرى والحركات المطلبية الشعبية، والتفّت الجماهير حول الحزب الشيوعي وساهمت بفعالياته المختلفة.
في تلك الفترة حدث انشقاق منظمة راية الشغيلة بسبب الخلافات التنظيمية والسياسية داخل الحزب الشيوعي. ودام هذا الانشقاق من سنة 53 الى سنة 1956 ، واثناءه بدأ الرفيق سلام عادل اتصالاته مع كوادر منظمة راية الشغيلة، وكانت اراؤه وافكاره مؤثرة على الرفاق المفاوضين منهم. ومن تلك الآراء المبدئية ضرورة ان يبقى الحزب الشيوعي موحدا في الصواب والخطأ وان تصحح الاخطاء خلال المسيرة النضالية وبروح شيوعية مبدئية عالية.
كان الرفيق سلام عادل حيويا في المفاوضات وحاول مد الجسور مع راية الشغيلة وجماعة النضال (وحدة نضال الشيوعيين) لتحقيق وحدة مبدئية للحزب، وعندما تصطدم المفاوضات بامور معينة،كان الرفيق سلام عادل وبحرص شديد يؤكد على مواصلة المفاوضات.
وخلال هذه الفترة برزت اخطاء سياسية وتنظيمية لقيادة حميد عثمان الذي كان يقود الحزب الشيوعي العراقي. وكانت كثير من الانتقادات قد ظهرت لسلوك حميد عثمان. وعندما شعر بانه محاصر وان خططه باتت غير مقبولة, آثر التوجه الى راية الشغيلة وانتقل ليسكن مؤقتا في بيت تابع لقيادتها وابدى استعداده لحل الحزب والالتحاق بتنظيمات راية الشغيلة.
وفي احدى جلسات المفاوضات، انفرد الرفيق جمال الحيدري الذي كان يقود منظمة راية الشغيلة بالرفيق سلام عادل واخبره بنية حميد عثمان حل الحزب والالتحاق براية الشغيلة. وهنا تجسدت الروح الشيوعية المبدئية لدى الرفيق جمال الحيدري الذي ابدى استعداده للتعاون مع الرفيق سلام عادل في مواصلة مسيرة المفاوضات حتى نجاحها بصورة تؤدي الى وحدة الشيوعيين العراقيين. وفي هذه اللحظة التاريخية طلب الرفيق سلام عادل تأجيل جلسة المفاوضات لأسباب طارئة. وخلال ذلك غادر حميد عثمان المكان وسافر الى الموصل او كركوك، وهنا طلب الحاضرون من الرفيق ناصر عبود عضو اللجنة المركزية البحث عن حميد عثمان والطلب منه الحضور لعقد اجتماع طارئ للجنة المركزية. وفعلا استطاع الرفيق ناصر معرفة مكان حميد عثمان وجلبه معه لاجتماع اللجنة المركزية. وفي هذا الاجتماع قررت اللجنة المركزية نزع الثقة عن حميد عثمان، وانتخاب الرفيق سلام عادل سكرتيرا للجنة المركزية وكان ذلك في حزيران 1955. ومنذ تلك اللحظات حدثت التغييرات الجوهرية في قيادة الحزب الشيوعي العراقي وقد اصبح الرفيق البطل سلام عادل على رأسها.
اعادة توحيد الحزب
وبقيادته توحد الحزب الشيوعي في حزيران 1956 بحل راية الشغيلة والتحاقها بالحزب الشيوعي العراقي، وقبل ذلك حلت "وحدة النضال" تنظيماتها وهي بقيادة الرفيقين عزيز شريف وعبد الرحيم شريف وانضمت تنظيماتها الى الحزب.
عمل الرفيقان سلام عادل وجمال الحيدري رفيقين منسجمين في الفكر والسياسة والعمل، واستشهدا بطلين واصبحا وبقية شهداء الحزب نبراسا للشيوعيين العراقيين.
كان دور الرفيق سلام عادل مشهودا في تصحيح الخط السياسي للحزب خاصة في الكونفرنس الثاني عام1956 ورسم السياسة التحالفية الصائبة بين الحزب الشيوعي والاحزاب السياسية الاخرى، والتوجه لاقامة جبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت في شباط 1957 واعلنت في اذار 1957, وضمت الحزب الوطني الديمقراطي،وحزب الاستقلال، وحزب البعث والحزب الشيوعي، كما كان للحزب الشيوعي تحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لم يكن عضوا في جبهة الاتحاد الوطني.
وكان الرفيق سلام عادل على صلة عبر صديق مشترك مع عبد الكريم قاسم واللجنة العليا للضباط الاحرار في ايام التحضير للثورة.
الرفيق سلام عادل يتميز بملاحقته للاحداث السياسية وتعديل تكتيكات الحزب السياسية والامنية، فمن تكتيك وخطط العمل الجماهيري السلمي الى تكتيكات وخطط العمل العنفي بعد انتفاضة 1956، الى تعديل التكتيك بتجميد العمل العنفي والتهيئة للثورة بالعمل العسكري الكبير وتغيير الوجه السياسي للعراق.
ان بيان الحزب الشيوعي في 12 تموز – 1958 الذي يؤكد على التغييرات السياسية المقبلة وتوجيهات الحزب بهذا الصدد، خير دليل على مساهمة الحزب في انضاج الثورة المقبلة والتي انفجرت صبيحة 14 – تموز – 1958.
ومن افكار الرفيق سلام عادل الصائبة ان الخط السياسي الصائب للحزب كفيل بتصحيح اية اخطاء تنظيمية قد تحصل، ومن خلال مسيرة العمل الحزبي وتطبيق السياسة الصحيحة تصحح الاخطاء بالمعالجات والانتقادات الايجابية البناءة. ومن افكاره مقاومة الخط اليميني بالحزب بعد ثورة تموز – 1958 واستطاع استبدال شعار الحزب من (تضامن – كفاح – تضامن) الى شعار (كفاح – تضامن – كفاح)، ولكن الظروف لم تسعف وحدث الذي حدث.
وعودة لما بعد ثورة تموز - 1958 بحوالي الشهر, قد عقد كونفرنس لكوادر منظمات الفرات الاوسط وحضره الرفيق سلام عادل كما حضره اعضاء لجنة منطقة الفرات واعضاء المحليات وبعض الكوادر, وكان الحضور حوالي ثلاثين رفيقا وكنت من بين الحاضرين. بدأ الرفيق سلام عادل بشرح القرارات السياسية وكيفية اندلاع ثورة 14 تموز واكد على ضرورة مساندتها والدفاع عنها وعلى اهمية الاستفادة من المدّ الجماهيري وتعزيز وتوسيع عضوية الحزب واعتبار مؤيدي الحزب المرتبطين بشكل وثيق قبل الثورة كمرشحين للحزب اوحتى اعضاء في الحزب بعد فترة اختبار قصيرة وتوفر تزكية لهم، وتحدث عن اهمية العمل الجماهيري والعمل في المنظمات الديمقراطية والنقابات والاتحادات واعتبارها سياجا جماهيريا للحزب، وقال ان بعض الكوادر والرفاق يعملون وكأنهم لا يزالون في العمل السري وهذه القولبة تكون عقبة امام تطور الحزب ونموه، وتحدث عن الاعداء من الاستعماريين وعملائهم من الرجعيين والاقطاعيين الذين تضررت مصالحهم وسوف لا يهدأ لهم بال وسيعملون للاطاحة بالثورة ومكتسباتها،ولذا يتطلب الوقوف بحزم ضد اعداء الثورة والشعب.
ومن الاسئلة التي طرحت من قبل الرفاق،حول كيفية الحفاظ على الجبهة الوطنية والعمل الوطني الموحد؟ وسؤال حول عدم اشراك التنظيم العسكري للحزب الشيوعي في تنفيذ مخطط الثورة في ساعاتها الاولى؟ واسئلة اخرى لا اتذكرها
واجاب الرفيق سلام عادل بخصوص الحفاظ على العمل الجبهوي، ان الامر متوقف على الاخرين،وان الحزب شديد الحرص على العمل الجبهوي واشاد بتجربة جبهة الاتحاد الوطني التي مهدت لقيام الثورة.وبالنسبة لانفراد عبد الكريم قاسم بتنفيذ مخطط الثورة، اجاب باقتضاب ونوّه بان هذا الانفراد بالعمل هو من طبيعة العسكر والعمل العسكري وقادته وهم لا يرغبون باشراك الاخرين معهم خشية فشل العمل المخطط له من جهة وحب السيطرة من جهة اخرى.
اللقاء الاول
ومن بعض الذكريات مع الرفيق سلام عادل، كان اللقاء الاول امام وزارة الدفاع في بغداد في الشهر الاول من ثورة 14 – تموز – 1958، اثناء زيارة جماهير النجف للقاء الزعيم عبد الكريم قاسم، وتأييد الجماهير للثورة المباركة، وكنت بمعية الرفيقين الراحل محمد حسن مبارك والشهيد حسن عوينه،وكنا نؤلف مكتب محلية النجف ومهمتنا توجيه هذه الجماهير والالتزام بالشعارات المقررة من الحزب، واثناء ذلك انفرد الرفيق حسن عوينه بشاب طويل القامة اسمر البشرة لدقائق معدودة, وتوجهت للرفيق حسن وطلبت منه اللحاق بنا وقلت له " هسا مو وقت التحيات بين الاصدقاء " وابتسم الرفيقان وتواعدا للقاء لاحقا، ولم اعرف من هو هذا الرفيق، وعند عقد الكونفرنس لكوادر منظمات الفرات الاوسط، وعندما دخل الرفيقان حسن عوينه ومعه الرفيق الذي التقاه في باب وزارة الدفاع وكنت بانتظارهما في باب البيت،وكنا نعلم ان سكرتير الحزب سيحضر الاجتماع، فبادر هذا الرفيق لتحيتي بحرارة وقبلني واراد ازالة حرجي من موقفي في باب وزارة الدفاع وقال لي قمت بواجبك الحزبي، وكان لهذا الموقف اثر طيب في النفس.
وفي لقاء آخر مع الرفيق سلام عادل،عندما كنت بزيارة الى جريدة طريق الشعب, وكنت جالسا في الاستعلامات منتظرا الرفيق الذ ي كنت على موعد معه، وفي هذا الانتظار دخل الرفيق سلام عادل ومعه بعض الرفاق وبعد صعوده الدرج الاولى رجع الى الوراء وجاء لتحيتي ويبدو انه لمحني عندما كنت في الاستعلامات،وسألني ان كنت بحاجة لشيء ما او كنت قادما لمسألة حزبية،ثم سألني عن اخبار النجف وتبادلنا بعض الاخبار السريعة لدقائق ثم غادرني مستأذنا، وهذا موقف آخر يدخل في اعماق النفس.
ولقاء آخر مع الرفيق سلام عادل،كان في عام 1961 عندما ارسلت قيادة الحزب على مسؤول منطقة الفرات الاوسط الرفيق الراحل حسين سلطان، وعلى مسؤول محلية النجف انذاك صاحب الحكيم، وذلك لدراسة وضع الحركات الدينية في النجف، وكان الاجتماع في بيت الرفيق عزيز محمد في الكاظمية، وحضر الاجتماع الرفيق سلام عادل والرفاق عزيز محمد بصفته مسؤول لجنة التنظيم والرقابة المركزية (لترم) وحضر ايضا الرفيق نافع يونس عضو اللجنة المركزية، والرفيق ابراهيم الحكاك عضو لترم، وبدأ الحديث الرفيق سلام عادل عن اهمية مدينة النجف الدينية والسياسية، وضرورة الحفاظ على هدوئها وعدم استفزاز القوى الدينية،بل محاولة كسب بعض الاوساط من هذه القوى، وتحييد البعض الاخر، والرفيق سلام يدرك هذه الاهمية لمدينة النجف وهو ابنها البار، وطلب من الرفيق مسؤول منطقة الفرات الاوسط ان يتحدث عن معلوماته حول القوى الدينية في النجف، ثم توجه الرفيق حسين سلطان نحوي وطلب مني التحدث بما لدينا من معلومات او تنظيمات في الوسط الديني في النجف. وتحدثت بما هو متوفر لدينا واوضحت باننا مهتمون وحسب توجيهات الحزب بهدوء مدينة النجف باعتبارها المرجعية العليا للشيعة كافة، وبالنسبة لعملنا في الوسط الديني،فان المنظمة الحزبية لديها لجنة حزبية مؤلفة من خمسة اعضاء كلهم من الوسط الديني ويتبع هذه اللجنة ثلاث خلايا من الوسط الديني والخطباء ومرشدي الروضة الحيدرية، ويحيط باللجنة والخلايا حوالي عشرون صديقا من الوسط الديني ويعملون في حركة انصار السلام، كما يوجد عدد من المراجع والمجتهدين غير معادين للحزب الشيوعي ولنا صلات متباعدة معهم بواسطة رفاقنا من الوسط الديني، واوضحت ان العديد من كوادر المنظمة الحزبية المتقدمة وهم اعضاء لجان منطقية ومحلية وما تحتها هم من عوائل دينية ولهم صلات شخصية مؤثرة في البعض من الوسط الديني.
وبعد ان اوضحت ما لدينا في هذا الوسط بارك الرفاق المسؤولون جهودنا وطلبوا المزيد من العمل في هذا الميدان المهم.