من الحزب

على طريق الشعب ...مكافحة الفساد.. في مستوى محاربة الإرهاب

لا يقل خطر الفساد المالي والإداري والسياسي في بلادنا، عن خطر إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية - داعش وأعوانه، والذي يشكل تهديدا مباشرا للعراق ، شعبا ووطنا ، بل انه حليف وسند له ، ومحفزا لنشوئه .
فالفساد تفشى بشكل مخيف في مؤسسات الدولة ، المدنية والعسكرية ، وعلى صعيد المركز والمحافظات ، ووجد انعكاساته في المجتمع، بعد الفشل الذريع في التصدي له منذ 2003.
وأمام هذه الحقيقة الماثلة اليوم، بات التشديد على موضوعة مكافحة الفساد أمراً في غاية الأهمية، خاصة مع تقلص الواردات المالية للبلد، جراء ما كان من سوء في ادارة البلد على مختلف المستويات ، ومن انخفاض حاد اخيرا في أسعار النفط في السوق العالمية ، وهو الذي يؤمّن النسبة الأعظم من ورادات الموازنة الاتحادية.
ولم يعد خافيا، أن الفساد يلتهم جانبا كبيراً من أموال الدولة التي اتسمت في السنوات الماضية بوفرة لا سابق لها، إلا أنها لم تستثمر في تحقيق شيء على مستوى الأعمار، أو تحسين معيشة المواطنين، وتنويع مصادر الانتاج الوطني، خاصة في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات .
ذلك ان الفاسدين والمفسدين لم يعودوا افرادا معدودين، وإنما أصبحوا شبكات تتغلغل في عمق مؤسسات الدولة، كذلك في المجتمع، وتتمتع بمواقع ذات نفوذ وتأثير وحماية، والفضل في ذلك يرجع الى نظام المحاصصة الطائفية والاثنية ، اس البلايا وولاد الازمات .
ورغم أن وثيقة الاتفاق السياسي، التي تشكلت على أساسها حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، تنص على "محاربة الفساد الإداري والمالي ومحاسبة المفسدين، واعتماد إستراتيجيات جديدة بما في ذلك مراجعة منظومة مكافحة الفساد، وتجاوز الثغرات القائمة"، فان هذا لم ينعكس في البرنامج الحكومي، الذي اكتفى بالإشارة إلى "تطبيق خطة مكافحة الفساد 2014-2017" !
ولا بد هنا من التشديد على أن عملية مكافحة الفساد، كي تكون ذات فاعلية وجدوى، وتخرج عن سياق الشعارات المجردة، يجب أن تكون وراءها إرادة سياسية صادقة وحازمة، وإصلاح سياسي حقيقي يكون منطلقا لاصلاح اداري في مؤسسات الدولة .
كما أن المحاربة الجذرية للفساد، تتطلب القضاء على عوامل اعادة إنتاجه، ومنح العملية بعداً مجتمعيا، عبر إشراك قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني ورموز وشخصيات وطنية ثقافية واجتماعية.
ومن جانب آخر ان على هذه القوى ان تُفعّل دورها وتستنهض طاقاتها وطاقات المواطنين، أصحاب المصلحة الحقيقة في القضاء على الفساد، في هذا النشاط الوطني.
ان التوسع السرطاني للفساد خلال السنوات العشر الماضية، يستلزم تحويل مكافحته إلى حرب متواصلة على مستويات عدة، من دون غض الطرف عن أي من ممارساته مهما صغر حجمها وشأنها . وفي هذا السياق لا بد من ايلاء اهتمام خاص لمكافحة الفساد السياسي، الذي يتجلى في تغطية الكتل والاحزاب المتنفذة على ما يقوم به اتباعها ومريدوها .
وفي الحملة ضد الفساد يتوجب توفير الحماية الكاملة لمن يدق جرس الانذار ويكشف المخربين للدولة والعملية السياسية، وتبني مبدأ الثواب والتقدير له.
ان الإجراءات التي اتخذها رئيس الحكومة وعدد من الوزراء في هذا الصدد، خلال الشهرين المنصرمين، ومنها إبعاد بعض المسؤولين الذين تحوم حولهم شبهات فساد عن مواقعهم الوظيفية، والكشف عن "الفضائيين" في المؤسسة العسكرية، ان هذه الإجراءات، التي تحظى بمقبولية لدى أوساط الرأي العام، ستبقى منقوصة وغير واضحة الوجهة، ما لم يتم بجانبها تفعيل الحساب والعقاب، واعتماد مبدأ الشفافية في الإعلان عن التفاصيل والنتائج، وممارسة ذلك ضمن استراتيجية متكاملة .
انه اختبار جدي ينتظر رئيس الوزراء وأعضاء حكومته، فان لم ينجحوا فيه فان أي مسعى للتقدم بالبلد نحو الاستقرار والأعمار، لن يفضي إلى النتيجة المرجوة ويبقى معرضا للتراجع والنكوص.
كما ان لمجلس النواب مسؤولية كبيرة في هذا الشأن. فالدور الرقابي الذي منحه إياه الدستور، لم يفعّل بالشكل السليم طيلة السنوات الماضية ، وبقي خاضعاً للمصالح السياسية ومزاج هيئة الرئاسة وقادة الكتل، فضلاً عن تأثير الصراعات على أداء المجلس.
فلم تكن هناك جلسات استجواب لمسؤولين في الدولة، رغم ملفات الفساد الكبيرة التي تم الكشف عنها، باستثناء جلستين أو ثلاث، لم يرتقِ فيها المجلس الى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه، ولا الى حجم الفساد في البلد .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عملية تصحيح وضع الهيئات المستقلة وارتباطها، لا سيما هيئة النزاهة، وإبعادها عن المحاصصة الطائفية والاثنية، وإصلاح السلطة القضائية بما يضمن استقلالها، كل هذا سيشكل عامل قوة لأي مسعى جاد يريد مواجهة الفساد والمفسدين. وبجانب ذلك ثمة حاجة إلى تفعيل التشريعات والأنظمة والأجهزة والآليات ذات الصلة، وتحقيق الإصلاحات الإدارية والمالية الضرورية على هذا الصعيد.
كذلك يحتم الواجب على البرلمان والحكومة، العمل على تحقيق قوانين العدالة الاجتماعية عملياً في مختلف مناطق البلاد، وإيلاء اهتمام فائق لقضايا الناس المعيشية ولضمان انسيابية الخدمات، بما يبعد الناس عن العوز والسقوط في الفقر، وبما يصعب بالتالي مهمة الارهابيين والفاسدين في تنفيذ مآربهم الدنيئة .
ان العراقيين يدركون اليوم حجم الفساد في مؤسسات الدولة، وما يقترف من نهب لثروات البلد، التي هي ثرواتهم. لذا فانهم اكثر استعدادا للوقوف في صف من تثبت نزاهته أولاً، وتتأكد جديته في معالجة هذه الآفة اللعينة .