ادب وفن

160 عاما على ولادته ، الموصلي.. فقد بصره فابصر الموسيقى والحياة

بغداد – ماتع 18/ 8:الاصوات التي ملأت المكان أثناء تفجير تمثاله الشاخص، لاتمت للموسيقى بشيء، فبعد ان تناثرت اشلاء هذا التمثال، نزل هو من على تلك القاعدة التي وقف عليها طويلا، واتجه الى محطة قطار الموصل التي انتظرته، ليعيد تشغيل عرباتها في رحلة جديدة، مثلما فعل في السابق.
هو الملا عثمان الموصلي، الذي ازال تنظيم داعش الارهابي تمثاله الواقع في دورة المحطة أواخر حزيران الفائت، لكنه لم يستطع ازالة تراثه الذي يفخر به العراقيون دوما، هذا التنظيم الخارج عن سياق التأريخ سيمضي بعيدا مع اول زخة لامطار الحياة، ويبقى الملا عثمان يشرب من ماء دجلته.

الموصلي في بغداد

في منتصف آب من العام 1854 ولد الموصلي، مسجلا 160 عاما على هذه الذكرى النفيسة.. كان العراق وقتها تحت الاحتلال العثماني، وكان والده سقاءً يجلب الماء العذب من نهر دجلة. وسط البؤس والفقر المدقع، فعندما كان عثمان في السابعة من عمره أصيب والده بمرض لم يمهله سوى بضعة أيام حتى توفي تاركا أولاده برعاية أمهم المعدمة التي عملت خادمة لدى محمود أفندي العمري سليل عائلة العمري أعرق عوائل الموصل وشقيق عبد الباقي العمري الشاعر الشهير في القرن التاسع عشر. ولم تكن هذه نهاية اوجاع عثمان فقد غزا وباء الجدري مدينة الموصل في العام نفسه، طاحنا الكثير من سكانها، ولم يرحم عثمان فقد أصابه ليشوه وجهه ويفقده بصره.
تعد بغداد نقطة التحول البارزة في مسيرة عثمان، ففيها تتلمذ على يد رحمة الله شلتاغ، سيد المقام العراقي آنذاك ومبتكر مقام التفليس، وفيها خاض أول تجربة سياسية له فقد انتقد الدولة العثمانية في خطبة له أدت إلى نفيه إلى سيواس في تركيا عام 1886 لفترة قصيرة ليعود بعدها إلى الموصل وفيها تابع دراسة قراءة القرآن وانضم إلى الطريقة القادرية الصوفية، التي تخرج على يدها الكثير من القراء المعروفين في الموصل وانضم بعد ذلك إلى الطرق الصوفية الرفاعية والمولوية.

فوكَ النخل.. ترنيمة الشعوب

يذكر المرواتي د. عمار احمد انه "يصح وصف (المأزق اللطيف) على محاولة الكتابة عن الملا عثمان بن عبدالله السقاء الطحان الحافظ الشاعر المتصوف الموسيقار الموهوب بقدرات غير طبيعية أخرى، والمأزق يتجلى صعبا من كثرة ما كُتب عن هذا الرجل من مؤلفات انقطعت للترجمة لحياته، او مقالات وبحوث وندوات ومؤتمرات. الملا عثمان رجل أصابه العمى ليبصر كما لم يبصر غيره".
ويقول المرواتي لـ"ماتع" ان "الملا عثمان هو الذي رأى الأنغام واضحة ونسج منها ألحانا ظلت خالدة على الرغم من مرور أكثر من قرن على إنشائها، وكلنا نعرف أن فرقا موسيقية سمفونية عالمية كثيرة عرفت (فوق إلنا خل) التي نغينها (فوك النخل) تلك الأغنية الصوفية التي ترنم بها الملا الموصلي عثمان يوما ما ولم يدرْ بخلده أنها ستكون ترنيمة أجيال وشعوب من بعده"، مبينا انه "وما كانت أغنية (زوروا قبر النبي مرة) بأقل منها.. تلك التي صارت (زوروني كل سنة مرة.. حرام)..!!".

الذي انطفأت عيناه فتوهج كل شيء فيه إبداعا

ويرى المرواتي ان "شدائد كثيرة اجتمعت على هذا الرجل، عركته وفجرت طاقاته جمالا وإبداعا وقدرات فذة، إذا أردنا إسقاط ألقاب أيامنا هذه التي نلقب بها النجوم، نجوم الفن حصرا فإن لقب السفير لا يليق بغيره، سواء على مستوى الألحان التي لاقت قبولا من الذائقتتين الشعبية والنخبوية أو على مستوى تتلمذ الموسيقار العربي الخالد سيد درويش على يديه عندما التقاه في حلب (وهذه المعلومة يؤكدها حفيد سيد درويش في كتاب عن جده وعلاقته بالملا عثمان)".
ويبين المرواتي انه "من زاوية أخرى من زوايا هذا الرجل نرى أنه كان شاعرا كتب العديد من القصائد والمدائح النبوية التي كانت تتردد في جلسات الذكر، ولعل جمال صوته كان سببا مهما من اسباب انتشارها، إذ تنقل عنه المصادر الموثقة أنه كان ذا صوت جهور رخيم وعازفا على آلة العود (وتذكر المصادر أنه كان عازفا على آلة القانون أيضا ولكني شخصيا أشك في ذلك لأن آلة القانون تحتاج إلى إمكانات بصرية بسبب كثرة المفاتيح وتنوعها)، وهو الموصوف بأنه أحد أعمدة القراءات السبع والإنشاد".

تشطير القصائد وتخميسها
ويلفت المرواتي احمد ان "للملا عثمان الموصلي مؤلفات عدة في الأدب، ومن دواوينه الشعرية (الأبكار الحسان في مدح سيد الأكوان) و(المراثي الموصلية في العلماء المصرية)، فضلا عن اجادته لغتين هما التركية والفارسية ولغته الام العربية، اضافة الى تأليف الموشحات، وتشطير القصائد وتخميسها، وهو من القراء المعدودين في تلاوة القرآن. وله مذهب اختص به، في إنشاد قصائد المديح، وطرائق المولد النبوي والأذكار".
ويقول ايضا انه "يذكر عنه أنه كان ذا طاقات باراسايكولوجية خارقة فقد استطاع أن يميز ماء دجلة عندما وضعوه له في كأس مع خمس عشرة كأس أخرى ملؤوها بماء من استنبول".