ادب وفن

المتعة البصرية عند الفنان قاسم الساعدي / أسامة عبد الكريم

استقر الفنان التشكيلي قاسم الساعدي في هولندا، لكي يمارس حالة الاحتماء في احدى المدن الهولندية بعد ترحال في المنافي والغربة، بعيدا عن وطنه نتيجة عوامل عدة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، وهذه المحطة ما بعد الاخيرة وهي العراق.. هذا الاستقرار شكل عند الساعدي ـ شئنا ام ابيناـ وعيه الفني والجمالي خاصة في أعماله الخزفية التي تظهر خصائص أسلوبه الفني بوضوح، فقد جمع جماليات موروث وادي الرافدين من حيث انسيابية توزيع الألوان المزججة ونعومة السطح محوّلاً قطعة الخزف الى شكل اللوحة المسندية ـ سيراميكية، فهو يعلي من شأن التجربة المباشرة بالخبرة الملموسة لخلق أسلوب بطريقة مبتكرة في صناعة الخزف المزجج منذ بداية السبعينات، فهو يستطيع ان يعايشها معايشة الحواس، وتحويل قطع السيراميك المزجج على شكل مربعات ومستطيلات، أضافت لها دلالات "اشارات ورموز" ورصها جنبا الى جنب لتشكل لوحة سيراميكية خارج المألوف حيث تعودنا ان تكون قطع سراميكية ملونة بابعاد ثلاثة، كما طغى على أعماله جانب البساطة وشفافية الألوان، وقوة التكوين والبناء المكتمل عبر قوة تجريدية صافية كدلالة في صياغة مفهوم الاختزال ضمن التفاصيل الموجزة في تناسق وانسجام الخطوط، وبلغة تشكيلية عالية تعتمد على ديناميكية الخط وبلاغة الكتل ممزوجة بترنيمة السطوح التجريدية و توازن محوب بين الكتلة والفراغ. عندما نستعرض فن الساعدي من خلال عناوين معارضه: صباح الخير بغداد، ارتحال: أن تتبع الفراشة، عشتار، العودة الى بابل، مع لوحات ورسوم وقطع الخزفي وطرق على النحاس، والتراكيب الفنية، إنها لا تكاد تنفصل عن شخصيته، وهي معدة على مختلف المستويات، فلوحاته كثيفة ومبسطة ورسوماته تملأ الكم الهائل بعد انتشار الوسائل والعمليات الخاصة في استخدام الورق لتشمل التشابه بفن الكولاج، ويساور الأشكال والصور مع انماط غير مألوفة فاللوحة تصور مجموعة من الهياكل شبه الهندسية مملوءة بالرموز والإشارات التي يمكن ان تكون متكررة الشكل أو عدم الانتظام، كما نلاحظ أكاسيده اللونية غير متسرعة، معمولة بقوة ذاتية، وبثقة وبساطة، كما انه يتخلص من تفاصيل الخطوط ويحسب حساب الفراغ دون تراكم اجزاء اللون ومشتقاته، فاللون الترابي يطغي على قطع الخزف بأبعاد ثلاثة ان كانت مربعات او مستطيلات مع بروز نتوءات او ثقوب صغيرة متكررة ـ لا تشبه ثقوب الفنان اركان دبدوب ـ على سطوح دائخة، غث، الفراغات تختفي او تظهر مع أشكال محصورة ومتشابكة، ويصبح لون السطح الطيني هم الساعدي لخلق اللوحات التي هي أساسا ثلاثية الأبعاد من الألوان والتركيب، كلها بعنوان أو بدون عنوان بطريقة او بأخرى، وهذه القطع الخزفية او بناء اللوحة بألفة جمالية مجهولة المصدر، تبدو أنها تنطوي على أكثر حرية، وطريقة أكثر ارتجالية، انه يبني نماذج متقنة ان كان قطع الخزفي او النحاس المطروق والرسوم على القماش او الورق، حيث يستخدم الطلاء ويلتقط جذور الأشكال والعلامات والرموز فيمنحها توهجاً مكثفاً لتلك الاشكال الغريبة التي تمس الألفة أو التعاطف، مع إعادة استكشاف اللون كقوة جمالية عبر الوسائل التعبيرية، بحكم عمله في الألوان المزججة الفخارية، وأيضا عمل مشروع فني في ليبيا للرسم على جدران البيوت مثلما عمل ضياء العزاوي في المدن المغربية.
ويمكن ان تبرز في أعمال الساعدي كآثار مترتبة على شكل خطوط قصيرة ضيقة بدون تنظيم متداخل بعد ان تم ابراز النتوء والثقب والأخدود، وهذا له دلالات من طيات وثنيات ، غالبتها مرسومة على خلفية اللون الأصفر المخضر او الأزرق الباهت والأحمر ومشتقاته، والارجواني، حيث تصبح أشكال شبه معمارية وثلاثية الابعاد، فهو يعمل فتحات تشبه الفراغ باسم بوابات أو نوافذ تستحضر ببساطتها، والفراغ الغامض هو في شكل مكعب مقذوف غامق متأكسد بشرائح اللون الاصفر، هذه الفراغات تصبح أكثر حسية ووضوحاً، مع لمسة من التوتر النفسي. في هذه التكوينات نلاحظ ضربات الرسم في الجزء السفلي المحرز مع فضاء قرمزي باهت يشبه السماء، والبعض الاخر يخمد اللون الابيض ويشطح في جلال اللون القاتم، وهذا يشير الى وجود مساحة مختلفة تماما، في بعد مختلف. في الواقع، ليس فقط طمس الساعدي الحدود بين الحرفية والنحت، بل هناك تناقض غير واضح الحدود بين الرسم والنحت، مما جعل رسومه المنحوته "لوحة ـ نحت الخزفي" ان تصبح طليعة المنشئ - الانساني - باسم مبدأ المتعة الجمالية البصرية، كونه جعل على اختزال الأشكال المجردة اي التجريدات الصافية التي حققها بتركيباته الفنية عن طريق تقنية متعددة الأجزاء بحكم تعامله بمواد مختلفة… ممكن ان نقول ان الساعدي بنى أسلوبه الفني كضرورة موضوعية ومحدداً رؤيته المعاصرة.