ادب وفن

«موسيقى الصباح».. الارتقاء من الحسي الى الذهني / علوان السلمان

النص الشعري ذاكرة مقترنة بالإدراك لمظاهر الحياة والوجود باعتماد الاختزال في المعنى وتكثيفه بمنظور شعري، يحمل دلالاته بلغة مشحونة بشحنة تثويرية في خلق صورها الحالمة..
و"موسيقى الصباح" المجموعة الشعرية التي نسجت عوالمها أنامل الشاعرة رسمية محيبس تحمل نصوصا مكتظة بالأسئلة الموجعة الحاملة لواقعها، وهي تشتغل على بنية الغياب المؤطر بالموحيات الحسية المكتنزة بالمواصفات الجمالية، تمثلت في العنوان الذي احتضنه المؤلف، أما الغلاف الاخير فقد حمل صورة الشاعرة التي اعتلت العنوان المؤكد للواجهة الأولى وهي تتكئ على نص تم اختاره بقصدية تكشف عن اسئلة موجعة...
في الغرفة نافذة
تفتحها الريح وتغلقها
المح منها سنواتي تتسرب
مثل طيور يتعقبها صياد ماهر
ما أنا الا جسد فان
صوت كمان
روح في قبضة سجان
لم أطلب منك السير على الماء
لست مسيحا أعرف هذا
لكن هذا محتمل جدا
ما دمت معي
فالنص يعتمد رؤية شعرية ترتقي من المحسوس الى الذهني بالتقاط الجزئيات وتوظيف تقنية التضمين لكسر السياق الدلالي الذي يندفع نحو الطبيعة فيغدق في تفاصيلها ويغفو في أحضانها، مما أضفى عليه ثراء بنائيا وتشكيليا، فضلا عن الاشتغال بعمق معرفي، شكل نصا صوريا مقطعيا منسجما والحالة النفسية للشاعرة التي مزجت بين الوجود الطبيعي والخيال لا عادة تشكيل الواقع من خلال امساكها بمعطيات الادراك الحسي والواقعي فقدمت نصا يكتسب أبعادا فنية وجمالية عبر معطيات التحول الدلالي والانزياحي النصي، مع استثمار آليات اسلوبية وتركيبية "واقعية/ ذاكراتية/ شعبية تراثية"، تنتمي الى نسق البناء المشهدي الموضوعي، اضافة الى اعتماد مرتكزات دلالية وملامح اسلوبية تنبثق عن البؤرة المركزية المتكئة على ثنائية ضدية "الذات والموضوع" و"الانكسار/ الحزن" والتي تكشف عن الحضور والغياب..
لو استعير قلبك يا كازيمودو الأحدب/ وأزرعه في هذه المتاهة حياة
لفاض العالم بالعطر وغصت الحدائق بالياسمين
لو استعير مصباحك يا علاء الدين/ ليوم واحد فقط
سوف لن أنادي المارد/ ليطهر العالم من الطغاة
ولكن ليقتلع قلوبهم/ ويزرع مكانها وردة بحجم الحلم
تدعى المحبة
فالشاعرة توظف عددا من الدلائل والأصوات والرؤى وهي تحاول التحليق في أفق الصورة الشعرية التي تعج بالحركة والحيوية باعتماد التضادات اللفظية وتداخل الذاتي والموضوعي تاركة لخيالها عنان الوجد عبر الرموز والشواهد واعتماد بنية تقترب من والايجاز بلغة رامزة محلقة في فضاءات الخيال، فضلا عن اشتغالها على مواصفات جمالية اعتمدت على مستوى التركيب والدلالة والصورة المكتظة بالوجع الذي تالفه الذات الشاعرة والايقاع الداخلي المنبعث من ثنايا الألفاظ ، بغورها في العمق التعبيري واعتماد اللغة اليومية، مع استثمار الرموز والشخصيات "الحسين/ باراسكولينكوف/ دون كيشوت/ المعتصم/ كازيمودو الأحدب/ علاء الدين"، التي تؤكد ارتكاز تجربتها الشعرية على الماضي واستثمار ما يلائم الحاضر كي تقدم نصا منفتحا على كل الأزمان، متماهيا والذات "الأنا النصي" والشخصية..
قد يمر أحدهم مرور الكرام
الا هنااااااااااا
فتصبح واحدا من المؤلفين
ينافس رامبو او بودلير
أنت ولا أحد سواك من يملك الحق في أن يقول: أنا وبعدي الطوفان
واحدة تقول "أووووووووووووف"
فتسمع تصفيقا عبر الاثير
آخر يلفظ آخخخخخخخخخ
فيحصد ملايين القبل عبر الاثير
ف ي س ب و ك
فالشاعرة توظف تقانة الكتلة في نصوصها لتحقيق ما يقتضيه نسق التكثيف والايجاز ونثر تفاصيل الصور والتشظي الكلمي الذي هو دلالة الانكسار المعبر عن تشظي الذات بفعل الزمن خلال مشاهد، فضلا عن أنها تعمل على تداخل بعض الاجناس الادبية داخل نسجها الشعري بتفعيل السرد والحوار الذاتي مع تنوع ايقاعي ينسجم وما تمليه الحالة النفسية مع توظيف للمكان الذي شكل حيزا فاعلا كونه يتداخل والبعد النفسي والذاتي فيشكل معراج الفكر..
وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا برؤية معبرة عن المرتكزات الدلالية بوصفها معادلات موضوعية للذات الشاعرة في خلق نسيج شعري متميز بلغته المتجاوزة والمكتظة بالشحنات الدلالية التي امتلكت القدرة على التأثير في المستهلك "المتلقي".