ادب وفن

سرديات الثقافة والتأريخ.. ذاكرة متجددة / ناجح المعموري

كثيراً ما تابعت البرامج الثقافية الأسبوعية بمواعيدها المعروفة لنا، ومازلت مهتماً بهذه الفعالية التي أتعامل معها بوصفها محطة مغايرة لبرنامجي الثقافي بالقراءة والكتابة والتي أشعر فيها بحاجة الى ما يساعدني على كسر المألوف والثابت وهذا يوفر لي أحياناً فرصة للاستراحة الهادئة.
ووجدت من بين كل البرامج الثقافية والفنية ـ وللأسف تعطل البعض منها ـ بأن برنامج " هذا أبي " الذي يعده الصديق الأديب توفيق التميمي ويخرجه الصديق طالب السيد، مختلف تماماً عن كل البرامج، لأنه يعتمد على عدد من الأسماء القريبة جداً من اهتمامات الشخص المكرسة له حلقة خاصة، وعلى الرغم من أنني أجد تنوعات المشاركين مقيدة أحياناً، ولا تحقق هذا الغرض أحياناً أخرى بسبب الوجود الهامشي في التاريخ ممثلاً لذلك يضعف المعلومات، أو زحمة المشاركات التي لا تمنحه فرصة للظهور، مع معرفتي من الفرصة الممنوحة له للحديث والتسجيل.
برنامج " هذا أبي " يستحق منا الإشارة له والإشادة به لأنه تجربة جديدة، مختلفة عن غيرها وهي كثيرة للغاية وسط انتشار الفضائيات وأهم ما يميزه هو غياب البنوة، لكن ما يشبع هذا الغياب هو البنوة الاستعارية الواسعة والقادرة على سد النقص. وهذا أبي، حيوي ينفتح على الجدل وحضور التباين والاختلاف، مع سيادة الحرية في إدارة البرنامج وتوجيه الحوار، بحيث تتوفر جدلية بين الموضوع والحوار الطويل . وأجد من الضروري الإشارة الى أن هذا البرنامج قد ابتدأ يوم الأربعاء 14 تشرين الثاني 2012 بحلقة خاصة بالدكتور عناد غزوان، وبلغ عدد الذين تناولتهم هذه الذاكرة 47 شخصية أدبية ورمزاً وطنياً وسياسياً وكذلك العديد من الشخصيات الإصلاحية والتنويرية التي عرفها تاريخ العراق المعاصر. والمثير للانتباه والإعلان ـ في الآن نفسه ـ التعبير عن الإعجاب والثناء هو مبادرة توفيق التميمي والفنان طالب السيد في فتح نافذة لم تألفها البرامج الثقافية وأعني به، الالتفات لتاريخ مهم وجوهري صاغ جزءاً حياً من حياتنا الثقافية والسياسيةوالإصلاحية. ونحن نعرف بأن الماضي اليقظ والحيوي برموزه نادراً ما تعاد سردياته. والتذكير بها والاعلان عنها ضمن نطاقات واسعة، وتوسيع فضاءات الاعلان وتعريف أكثر عدد من المشاهدين بالنماذج التي اختارها الصديق التميمي، والذي كثيراً ما تحمل المتاعب والصعوبات، لكنها تبدو يسيرة كما قال لي لأسباب عديدة، منها مشاركة صديقه الفنان طالب السيد واستجابة الشخوص المطلوبة للحوار بروح حية وعالية، كذلك ردود أفعال الاستجابة بعد مشاهدة البرنامج.
برنامج "هذا أبي" خارج النمطية والتقليد وغير ملتزم بالمألوف والمعروف للبرامج الأخرى. ومثال ذلك خروجه على الثابت وتقديم حلقة خاصة عن الصديق د. عبد الجبار الرفاعي الحي والذي ما زال يمتلك حضوراً ثقافياً وإصلاحياً وتنويرياً، وهو الوحيد المختلف عن كل الشخوص التي غلبها الموت.
وبالإضافة لذلك، استطاع البرنامج توسيع شبكة علاقته مع الجماعات ليست الثقافية والفنية، بل مع جماعات خارج هذه الاهتمامات وأنا أعرف ذلك عبر علاقتي في الحياة الاجتماعية ويتبادل الأصدقاء الاخبارات لبعضهم بواسطة الاتصال.
وأرى بأن ما يستحق التنبيه في هذا المجال هو استدعاء الماضي عبر أسماء لامعة ومهمة، لأنها عاشت مرحلة وصعبة وأعلنت عن رؤاها النقدية/ التنويرية، وعلينا الإبقاء على هذه الاضاءات الحيّة التي يجب أن نجدد حضورها البهي باستمرار، لذا برز اهتمام البرنامج بكثير من شخصيات التاريخ الوطني البارز ومنهم على سبيل المثال: جعفر أبو التمن/ عبد الكريم قاسم/ سعد صالح جريو/ صالح جبر/ جلال الاوقاتي/ فاضل عباس المهداوي/ عبد الوهاب مرجان.
أما تاريخ الإصلاح والتنوير فقد حاز رموزاً وطنية ومنها محمد رضا المظفر/ عبد الكريم الماشطة/ أحمد الوائلي/ جلال الحنفي/ جعفر الكرباسي ومن الشخصيات الثقافية والأدبية صلاح خالص/ شمران الياسري/ محمد جواد الغبان/ فائق بطي/ علي جواد الطاهر/ نوري جعفر/ مسعود محمد.
على الرغم من اهتمامي بالبرنامج ومتابعتي له عبر علاقتي مع الصديقين توفيق التميمي وطالب السيد ، ظلت بعض الملاحظات حتى الآن ويبدو بأن الأمر يتعلق بإدارة فضائية الاتجاه ومنها ضرورة الانتباه لحقوق المشاركين المادية وهذا من الحقوق الشخصية وجزء من معطيات العلاقة مع الفضائيات. كما أرى ـ على سبيل المثال ـ غياب التخصص العلمي الدقيق المماثل للشخصية المحتفى بها ، مثل الأستاذ طه باقر ولأني مشارك فيها وأيضاً الحلقة الخاصة بالشيخ عبد الكريم الماشطة . فمن الضروري مشاركة التخصصات الآثارية في الحديث عن طه باقر والاكتفاء بعدد مناسب وعدم حشر تلك الكثرة غير معنية به، وما دار من حديث هو عام تماماً وبالإمكان أن يقوله أي شخص آخر.
وأعتقد بأن أهم ملاحظة تنهض أمام كل البرامج الثقافية والفنية أسبوعياً هي عائدية المعلومات التي يقولها الراوي في البرنامج/ الصوت الداخلي، من هو الذي قالها وسط مشاركة العديد من الأسماء؟ هل هي من توصلات البرنامج أم لا؟ هذا الأمر في غاية الأهمية كان وما زال مغيباً . مع ضرورة ملاحظة هذه العائدية بالنسبة للشخصيات وإصداراتها تظهر مكتوبة على الشاشة مع ذكر المصدر. فلماذا لا يحصل هذا مع المعلومات التي يقولها أحد الأشخاص المشاركين، وظهورها على الشاشة تزامناً مع صوت الراوي موقعة باسم الشخص الذي قالها، لأن المشاركين أكثر من واحد . ولا يجوز بقاء الأمر غفلاً من الاسم ، مثلما من غير الممكن الإيحاء بأنها من عنديات البرنامج.
أخيراً سيظل برنامج "هذا أبي" حاضراً ومثيراً للمتابعة والدهشة وتوسع فضاءات الجماعات المتابعة له والانشغال به. وأتمنى الانتباه للذاكرة النسوية وإعداد حلقات حافظة للأسماء الكثيرة والشهيرة في مجال الثقافة/ العلم/ الفن/ السياسة لأني لا أتذكر وجود حلقة خاصة بإحدى العناصر النسوية.
تحيتي للقناة الراعية لهذا البرنامج وتقديري العالي للجهود المبذولة من قبل الصديقين توفيق التميمي وطالب السيد والكادر المشارك معهما، وأتمنى على "الاتجاه" إعداد مكتبة خاصة بكل حلقات البرنامج وعرضها في الأسواق/ والمكتبات وبأسعار مناسبة ليقتنيها المواطن... انها فكرة وربما ستكون مثيرة ومحفزة.