ادب وفن

قاسم حول: سأشاهد وحدي فيلمي الجديد «حياتي» / حاوره: مجيد إبراهيم خليل

للسينمائي والكاتب قاسم حول حضوره المتميز في المشهد الثقافي وغير الثقافي العراقي وهو يواصل اليوم نشاطه الفني والثقافي عموماً بأشكال شتى.
توجهنا إليه بعدد من الأسئلة حول جديده، وعن رؤيته لواقع السينما والثقافة العراقيتين، وسبل تنشيطها، كما عن دور المثقف في الظروف الصعبة التي يمر بها العراق اليوم، ننشرها في أدناه مع ردوده عليها:
آخرعمل أنجزته في السينما، متى وأين أنجزته؟
آخر عمل سينمائي أنجزته هو الفيلم الروائي "بغداد خارج بغداد". تحدثت من خلاله عن غربة المثقف عبر حكايات للمثقفين وشعورهم بالغربة الوجودية والمكانية في وطنهم. والدافع الفكري لهذا الموضوع هو الغربة الحالية المتجسدة في وجدان المثقف.
ما الجديد الذي تقدمه في هذا الفيلم؟ أو ما الإضافة التي قدمها الفيلم للسينما العراقية؟
الفيلم في رؤيتي ينتمي لسينما غير تقليدية، إنه تجربة مختلفة اختفت منها الحدوتة بشكلها التقليدي. فهو تجربة ذات بعد جمالي وفكري تجاوزت فيه الشكل المألوف للسينما. أنا لست بصدد إنتاج فيلم بطولة عماد حمدي ومديحة يسري مع احترامي لتاريخ السينما العربية، فتلك الأفلام تمثل مرحلتها ومستوى العاملين فيها. لقد وافقت على العمل بميزانية مخفضة جدا، حيث أخبرت من قبل وزير الثقافة ووكيله بأن ميزانية بغداد عاصمة الثقافة قد "نفدت!" ولم يعد بحوزتهم ما يكفي من المال لكي أنفذ فيلما طويلا. وطلبوا مني أن أعمل فيلما قصيرا فأعطيت ميزانية لفيلم متوسط الطول وهي ميزانية لا تتناسب وطبيعة الفيلم وموضوعه وعدد ممثليه وتنوع مواقع تصويره، لكنني أردت أن أثبت للجميع بأن العمل المنظم والنظيف يمكن أن يحقق أجمل فيلم بأقل كلفة. ميزانية الفيلم نصف ميزانيات الأفلام الأخرى وقد أكملت الفيلم بنصف هذا النصف، والفائض وهو كبير بقي بحوزة الجهة المنتجة دائرة السينما والمسرح، فأنا مخرج للفيلم ولست منتجا منفذا كما الآخرين!
لم تكن الميزانية المخفضة جدا على حساب النوع بل أنني أردت أن أثبت بأن التصرف الذي ساد تجربة إنجاز الأفلام العراقية في أفلام بغداد عاصمة الثقافة يندرج في باب "الهدر" وقد عمدت الى إنتاج الفيلم في كل مراحل العمل بشكل حرفي عالي المستوى بدءا من نوع الكاميرا مرورا بالممثلين والمونتاج وانتهاء بصيغة اللون التي أنجزتها في اليونان وكذا تجربة الصوت. لقد أنجزت الفيلم في 21 موقع تصوير بدءا من أزقة بغداد وانتهاء بالأهوار العراقية. وهذه الميزانية المخفضة هي لفيلم تدور أحداثه في بداية تأسيس الدولة العراقية وحتى قبل تأسيسها ما يعني أنني أمام واقع مختلف في المكان والملابس وثمة مشاهد في بداية الفيلم تعرض غربة كلكامش في الأسطورة السومرية. وعندي في الفيلم سبعة وثلاثون ممثلة وممثلا بين أدوار طويلة وأخرى ثانية وثالثة. ولقد لعبت في الفيلم شخصية "جعفر لقلق زاده".
كيف ترى واقع الحركة السينمائية، والمشهد الثقافي العراقي الحالي في عموم الوطن؟
تعبير "الحركة السينمائية" هو تعبير دقيق، إذ أن مفهوم "السينما العراقية" غائب بسبب عدم توفر القاعدة المادية للإنتاج السينمائي. ثمة أمية متفشية بسبب غياب أغلب السينمائيين عن وطنهم، وتلامذة الدكتاتور لايزالون يعبثون في مؤسسات الوطن الثقافية والإعلامية وهو أمر مؤسف، وبالضرورة فإن ثقافة التلقي متفشية بسبب الواقع العراقي الملتبس منذ حقبة الدكتاتورية ونهجها التدميري وحتى حقبة ما بعد سقوط نظام الدكتاتور. المشهد الثقافي العراقي في عموم الوطن ملتبس وغامض.الرسام قد يمارس نشاطه التشكيلي في غرفته على قماش الكونفاس والشاعر هو وحاسوبه وبعضهم لا يزال يكتب بالقلم قصائد ذات طابع سوريالي، ولكن الثقافة السينمائية تحتاج إلى شوارع ومدن وبلاتوهات وصوت وممثلين وبروجكتورات في غياب الكهرباء وكذا حال المسرح والمسرحيين. الثقافة تحتاج إلى مثقفين، والمثقفون يحتاجون إلى وطن!
ما السبيل لتنشيط، وتفعيل المشهد السينمائي الفني والمشهد الثقافي بشكل عام؟
بدون قوننة الثقافة في وزارة للثقافة وبشكل معاصر وحضاري، يصعب تفعيل المشهد السينمائي وستبقى السينما مجرد محاولات شخصية. ستنتج أفلام ولكن لن تكون ثمة سينما عراقية لها ملامحها المكانية وهويتها الفكرية والجمالية، فالأمر صعب.
تشهد البلاد أوضاعا أمنية مضطربة وأزمات سياسية متلاحقة. ما هو دور المثقف في هذا الظرف الصعب؟
هذا سؤال يحتاج إلى كتاب من مئات الصفحات. دور المثقف هو قراءة الواقع بعين الوعي وبعيدا عن الفوتوغرافية، ولكن أي مثقف وضمن أيّ أداة تعبيرية؟!، لقد تم تفجير المطعم الذي كنا نتناول فيه طعامنا في منطقة الزعفرانية. ويوما كان المصور على الرافعة تتحرك مع الزورق القديم "القفة" وهو ينقل الرصافي في نهر دجلة من صوب الكرخ إلى صوب الرصافة فشاهده موقع عسكري كامن بين النخيل فأطلق عليه زخات من الرصاص وكدنا نفقده! فهل دور المثقف أن يموت، لكي يصهر له النحاتون تمثالا يتم تهشيمه في غد غامض لا أحد يعرف ملامحه؟
تواصل أبداعك بعيدا عن ساحة الوطن، ما السبب؟
آخر فيلمين لي وهما فيلمان روائيان، الأول فيلم "المغني" وصوّرته في مدينة البصرة، وحاز الجائزة الذهبية في الملتقى الدولي للسينما العربية في مدينة نابل في تونس، والثاني فيلم "بغداد خارج بغداد" وصورته بين بغداد والناصرية وأهوار الجبايش. أنا أعيش خارج وطني منذ العام 1969 لأسباب تتعلق بمقارعة نظام الدكتاتورية وقد قدت حركة المثقفين الديمقراطيين في بيروت وكنت من كوادر العمل الثقافي المعارض في عموم العالم. هذا في المجال العراقي. أما في المجال الثقافي غير العراقي فنشاطاتي في الإنتاج السينمائي والكتابة والمؤلفات السينمائية والأدبية تشمل ساحات عربية وغيرعربية.
الأسباب التي أوصلتني إلى هولندا بعيدا عن الوطن بعد حقبة لبنانية وأخرى يونانية وثالثة ليبية، لا تزال قائمة بل وتزداد تعقيداً. عشت عاما في العراق هو العام 2013. فوجدت الإنتاج السينمائي شيئا يشبه المستحيل. وجدت تاريخ العراق المصور مدفونا تحت الأنقاض فأنقذته وأخرجته من تحت الأنقاض "وهذا تنبيه لرئاسة الوزراء العراقية ووزير ثقافتها"، الوطن يفتقر لكل مقومات الإنتاج السينمائي وفي المقدمة منها "الحرفية"! والأصعب غياب الضمير!
هل تفكر بإنتاج سينمائي جديد، وأين؟
في سيناريو كتبته بعد مغادرتي العراق عام 1969 وهو سيناريو منير ذات ليلة" كتبت على لسان البطل وهو يقف أمام المرآة "إنني أملك أطنانا من عظمة القوة والصمود ولكني لست عازما على تغيير وجه العالم. إنني عازم على تغيير وجهي!" سوف أطفئ بروجكتورات إضاءة التصوير وأطفئ أضواء الصالة وأشاهد وحدي فيلمي الجديد "حياتي"!