ادب وفن

المنحى الحداثوي المعتدل للشاعر «مؤيد خليل العطار» / سفاح عبدالكريم

بعد اصداره الاول والجميل "جرح وملح" ومن بعده "منبر وراية وعلي" استعاد الشاعر مؤيد خليل العطار وبتوجه اكثر عطاءً وفاعلية في "خيط البريسم" وهو الاصدار الثالث له واذ أتوقف عنده في بياني عنه وعن حبكته الشعرية وبما هو مواكب للحدث الشعري يكون قد عرف خط لونه البياني وانتمائه اليه وصولاً الينا يكون قد وضع النقاط على الحروف والبحث عن وجه يتلقى ما يكتبه اولاً في زخرفة لفظية معقولة واعترافه لصف التوجه الشعري المنتقى من صومعة الانفعالات والتقلبات النفسية نتيجة لمؤثرات وطنية واجتماعية وانسانية وعاطفية أحس بها فعلاً ونطق بها شعراً وقراءته لواقع فرض عليه وأحسه عن قرب وعن بعد ليضع نفسه في مسار جديد أرتضاه وأحبه أهل الشعر بعيداً عن التهويلات والصيحات التي لم تضف شيئاً الى مسار الشعر الشعبي.
وما الشهادات التي اعتمدها في مطلع مجموعته الشعرية "خيط البريسم" الا اعتزازاً بالمشورات والملاحظات التي أهتم بها الآخرون عنه وعن تجربته الشعرية.. وما زال يدعونا قراءته لنستبشر به إن صح التعبير وكان أحق في ذلك ومن خلال غنائياته وآهاته التي عزفها نايه فوق تعرجات جروحه والتي يدعونا بعدم ريافتها بابرة غشيم أو شلها.. ليجعل من اهميتها فرصة للظهور بما يليق به أن يكون شاعراً جميلاً.. ومعاصراً وكونه المتعافى من شط كوفته. فهو في عشرينيات عمره قد القى بظلاله وما زال يرنو الى حالته وهو في عمرلا يحسد عليه مثلنا. والشاعر مؤيد العطار في الاختيار والتوظيف والاستقراء كان متبحراً ومتحرراً من قيود قد كان يحسب لها حساباً من حيث إدراكه للمفهوم المبتغى من حداثة واصالة الشعر.. والشعر الشعبي خصوصاً. فدعوته المباشرة بالاصغاء والتحسس كانت مهمته في الوصول الينا مبكراً وهو يتذوق حلاوة الشعر الاصيل وبوعي متحضر أجاز له التأسيس بهذا المنجز الرائع وباختصار.. قرأته في العطاء الاول "جرح وملح" وجدته شاعراً وانساناً.. ومن قبل كنت أتصفحه واعداً.. ينهل من الفرات ويصحو على ترانيم الأمهات.. يستمد عافيته من التراث ويترجم الاشياء في صحوته وهو وإن ماثل غيره في الاسلوب والهيكلية المعروفة لشكل القصيدة المتوجهة بمصداقيتها صوب الحداثة بحدود لا يمكن أن تحسبها بلا جدوى من المعاصرة والتجديد.. ففي رؤياه أجد تفاصيل معاناة ترجمها في اسلوب إن جاز لي التعبير انها تدعونا الى الانتظار في النهاية ذات مغزى وحلاوة صادقة. وقاعدته الشعرية متينة يفكر بالتأثيث والبناء الهرمي وهذا ما تنأى به القصيدة الهادفة.
ان الشاعر مؤيد خليل العطار منطقي في طروحاته لا تزاحمه التراكيب اللغوية بل يقنص الاشياء الاكثر تعبيراً وتداولاً ليصل بالمعلومة الينا بيسر ومتخلصاً من القشور الزائدة التي يحاول البعض تواجدها في قصائدهم لغرض ابراز قدراتهم على المطاولة. بل اختصر الموضوع في ابجديات كان القصد منها هادفاً دون الانتظار الى ما يحدث فيما بعد. وإذ انتصر تواجده في صف لغته الواقعية والهروب من صيحات لا داعي لتواجدها ان كانت حالة سردية او استهلالية او غيرها وبعد قراءتي لبعض من لوحات قصائده أدركت ما قلته سلفاً منطقياً وصائباً وهاك مثلاً..
(اشبعد من العمر واتريد أتانيك
خلص بين الزعل ما بين أراضيك
سگيتك ماي العيون
اوگلت كل الحچي ايهون
او مشيت اوياك لآخر حد أباريك)
ان هذا النص الغنائي المكتوب بمنطق الشعر والموسيقى معاً هي حالة تخترق حضور الشاعر لقصر المسافة للوصول الى سمع المتلقي وبتذوق المرارة التي تزيد الحلاوة من شعره مع التعفف والتألق معاً. ان التفات الشاعر للمنطق السبعيني كان واضحاً في الانتماء لنهج القصيدة المتوقدة كما لاحظت ذلك في قصيدة "البريسم" والتي توج اسم هذه المجموعة الشعرية بها.
( إو صرت كلي اجروح وآلامي سچاچين او ملح يچويني
او صرت كومة اهموم... لملمني الصبر وإحبال غيظه ايچتفني
او چنت ألويهن لوي امشابچ إچفوف او ما لوني
إو هسه تيهني القطار... إو صارت السچه بعيده
او بعد ما بيهن بصيص... إمن التمني)
ان اعلى التوجه الذي وصل اليه الشاعر مؤيد خليل العطار من عطائه للشعر هو اصراره في التواصل والاشعاع مع الاحتفاظ بشاعريته التي تنتمي بمنطقها الى الوجه السبعيني والمنطوق الشعري التعبيري او التصويري المعروف مع اختلاف الحالة التي يمر بها الشاعر مغايراً لحالات قصائد الشعراء الاخرى آملاً في اكتشاف المواقع التي تنتاب او تصادف الكاتب في سبر أغوار الشعر الذي يتوجه اليها الشاعر مؤيد خليل العطار.
(زحمه من تبچي القصيده، ابكل بچاهه
ومن تشگ اثيابها... او بالذل تكابر
او زحمه من تجتر هظمها... او تندب المغسول حظه أبخت عاثر
او زحمه من تبقه القوافي امكدره او تمسح خجلها ابفعل سافر)
أن تأني الشاعر والانتظار في سرد او طرح معاناته التضامنية لنا وصبره كانت علامة ظاهرة في نتاجه دون التغاضي عن صيحات الألم في داخله وهذا ما جاء في توصيته لنبتته الطاهرة في البناء والتأسيس والتوجه لحالة انسانية وهي من المهام التي كونت الشاعر نفسه.
(إتهده بالرحمن يبني،
او كُف حچي الگال او گلت واگرص السانك
خل يموت الفات، ما دامك الكل الفات اكبر..)
ان جزع الشاعر ورغبته صنوان لا يفترقان واذ تغنى به ليست حالة تكرارية او تشبيهية لمثيلاتها بل هي سمة مشروعة لسفر ملاح لم تغرق سفنه او زوارق عبوره الى المرفأ الآخر الذي ينهض بتجربته او ينتشلها من الضياع في زورقه بحر اجتاحه الهيجان المؤثر لمسيرته. وبشجاعته تمكن من مسك حبال اشرعته من أجل حب ناسه ووطنه وعاطفته مع الاحتفاظ بنكهة عزلته المعقولة التي ننتمي اليها جميعاً كما جاء ذلك في بعض من قصائده مثلاً..
( احچي باليرضيك وحدك يللي ما تعرف حقيقتنه او وضعنه
إو گول مرخوص اشتگول... البينه بيك... او هذا من خالص طبعنه"
ان عدم تواجد الصور الفنية في اغلب قصائد الشاعر هو حالة مشروعة وذلك بفعل وتواجد الضغط والانهيال الشعري الذي حاول به الشاعر مؤيد العطار في الوصول بسرعة الى المتلقي معتمداً على تواجد الدلالة التي فرضت نفسها عليه. ان القاعدة الشعرية التي وقف عليها الشاعر أهلته الى الظهور بالمنطق المعروف اللغوي الاسهل في الادراك والتعبير والترفيه عن ضروريات إجتاحت الشاعر في لحظة كتابة النص الشعري باعتماده على النطق المتعارف في الوسط الشعبي والجماهيري الذي يصطف مع تجربته ووعيه الشعريين معاً.
ان المصداقية التي أفصح فيها الشاعر عن حبه واخلاصه لطفولته وترانيمها التي تغنى بها منفتحاً ومتصارحاً مع من أحب شعره وانتمى اليها كان واضحاً.
(حبينه وكت الزغر... حبينه واحنه اكبار
شفنه الفرق مو فرق.. ما بين نار او نار
إلعبنه كلشي سوه... وابمستحه الخطار
يجمعنه لون الثلج... ايطشرنه طبع الحار
مشكوله بينه الذمم... جار إعله ذمة جار
مفضوح سر الحچي... سكتته تحچي اسرار)
هذه حالة تعبيرية كبيرة ببساطة لغتها الكبيرة التي تحوي دلالات همسية وروحية استقر عندها الشاعر دون انفعال او اسقاطات خيالية استفززته او ذهب اليها الشاعر مرغماً بل اعتمد لصيحات نهجوية حداثوية تواصل بها الشاعر مع المتلقي وباحتفاظه في السلوك الشعري السبعيني الذي استقر عنده الشاعر الوديع مؤيد خليل العطار.