ادب وفن

القراءة المتسرعة / ياسين النصير

1
يحدثني صديقي الاديب عن قراءاته للكتب الفلسفية، ويجيب عن نفسه إنها قراءات متسرعة، لاني اقرأها دون ان اجد شرط تحققها واقعيا، فاية قراءة هذه ؟لا شك انها قراءة منقوصة عندما لا تجد شيئا او حتى ظلا مما تقرأ وقد تحقق على ارض الواقع، حتى لو كان التحقق معلومات يقولها مدرس الفلسفة في الجامعة.
والحديث عن القراءة المتسرعة، قد يكون اهون من الحديث عن التطبيق المتسرع للافكار التي نقرأها ونؤمن بها. خذ التشويه الذي اضفته القراءات المتسرعة من قبل السياسيين للفلسفات العلمية الحديثة، وحتى للفلسفات الدينية، فما نشاهده اليوم من اضطراب في القيم والتطبيق للدين الإسلامي الحنيف وفلسفته لا يمت بصلة للدين ولا للفلسفة الإسلامية، لان ما يحدث من تشوبه يتم وتم عبر القراءة المتسرعة وغير الدقيقة للكثير من المفاهيم الفكرية والتطبيقية للايات القرآنية. وترانا مبتلين بمثل هؤلاء القراء وقد مسك بعضهم برقاب السلطة ومراكز التنفيذ، واصبح سيفا على الآراء والافكار الاخرى، بعد ما مهد لنفسه السلطة على مريديه ومن تبعهم، وهؤلاء في ازدياد.
2
ليس مستبعدا أن الذين قرأوا ماركس والفلسفة الماركسية في اوروبا الاشتراكية كانوا على بينة من فلسفة ماركس. لكنهم قرأوه قراءة متسرعة و ناقصة وتلبي اغراضهم الذاتية، وجعلوا منها فلسفة معادية للاديان وللرأسمالية، في حين ان فكرها انصب على الكشف المنهجي والدقيق لازمات الرأسمالية التي لا يمكنها أن تعيش بدون ازمة، ولذلك فهم انصار الراسمالية هذه الفلسفة وحولوها إلى منهجية درسوا في ضوئها الكيفية التي يواجهون بها أزمات الراسمالية. فيما خسرنا اهم مفكر كان ينتصر للقوى الاجتماعية ضد مستغليها، ولن يجد العالم صورة أكثر وضوحا من استغلال الطبقات والفئات الرأسمالية العربية والاسيوية للناس الفقراء. ولم يقف الامر على جهلنا بماركس وثقافته، بل شمل الجهل اهم اربعة فلاسفة كبار غيروا التاريخ البشري : ماركس وانشتاين وفرويد وداروين، وهؤلاء الاربعة هم اليوم في صدارة فهم حركية العالم والشعوب..
3
ينصب اهتمامي هنا على الادباء الذين يكتبون أدبا بدون فلسفة، فالادب مهما كان لا يجد صداه المعرفي دون ان يُشبّع بالفلسفة. ولا بأس من ان نجد نثار هذه الرغبة في الفلسفة العربية الاسلامية ابتداء من الكندي وانتهاء بالمرزوقي، ولكن علينا ان نكون حذرين ونحن نكتب الرواية والقصيدة والمقالة، حتى لا يخلو توجهنا من رؤية فلسفية جديدة فيها شيء من طعم الرؤية النقدية وافقها المستقبلي. وقراء الادب من غير النقاد متمسكون بحرفيات النصوص كأنهم اصحاب علوات للوزن الكمي، لا يرون الادب خارج الاطر الفلسفية، بل يجدونه مشبعاً بها حتى في ابسط تراكيب جمله. وهذه مهمة النقاد المفكرين الذين لم يفكروا ببيوت فيها ابواب ولم يضعوا نافذة لغرفهم تطل على الحدائق.
4
دعوة واضحة الاهداف،ان نقرأ دون تسرع، وان نمعن بما نقرأ، وعلى مستوى الذات وجدت العودة لكتب سبق وان قرأتها في السبعينيات والثمانينيات، فائدة اكبر مما قرأتها يومذاك. فالقراءة الجديدة اكتشافاً لثقافة ما كانت معلوماتنا متوفرة عن حقولها يوم نشرت. ولن اتحدث عن فعل الامر"اقرأ" ؟.ففي الفعل"اقرأ" تكمن كل حقول المعرفة المستقبلية.