ادب وفن

أصدقائي يقرأون قراطيس حي بن يقظان / علي حسن الفواز

منذ أنْ خرجتُ إلى الغابةِ حتى أدركتُ حيَّ بن يقظان،
اقرأ مخطوطَتَهُ في سرِّ الخلق.
علّمني أتهجّى الأسماءَ،
وأمسكُ الترابَ والهواءَ والماءَ والنارَ،
لأعرِفَ روحَ الأشياءِ، وطلاسمَ الكلامِ..
أصدقائي الشعراءُ يشبهونَ الخيميائيين جدا،
يقرأونَ المخطوطاتِ،
يبتكرونَ لها حيلاً شتى،
يختصرونَ الطرقَ الى اللهِ بالكلامِ،
لهم التآويلُ ، والقرابينُ، وهُمْ يشدّون الكلماتِ كالفرائسِ..
يُعلّقونَ الأمنياتِ والتعاويذَ واللقى على القراطيس..
جاسم بديوي يعرفُ جيدا أنّ بنَ يقظان أدركَ المعنى متأخرا،
وأنّه أغوى الكلامَ بالترجمانِ،
دونما طقوسٍ أو وصايا..
قاسم سعودي شغوفٌ كالأطفالِ بالغابةِ
التي تشبه الحلوى،
وبالحكاياتِ البليلةِ بالنعاسِ،
يتشهّى السؤالَ القديمَ، سؤالَ القصيدةِ والمرأةِ
والبحرِ، إذْ تتبدى أمامَه وكأنها راقصةُ البولشوي..
شيركو بيكس رحلَ دونما جبلٍ أبيض،
ودونما قصائدَ مسكونةٍ بالجنياتِ،
ظلَّ قريباً من الكرسيِّ، ومن سردمَ وحدائقَ الشهداءِ،
ربتما كانتْ الحياةُ هناك أبهى!!
آوات حسن أمين يشبهُ نجمةَ كلاويز
قريبٌ من القلبِ، وبعيدٌ عن أخطاءِ الحروب،
لا شأنَ له بالجغرافيا،
هو يعرفُ أنَّ إبنَ يقظان اشترى الكلامَ والقراطيسَ كلَّها...
مروان عادل يرفعُ القبعةَ للأنثى
يراودُها على العطرِ والقميصِ،
يتركُ لها الكثيرَ من الجذاذاتِ والمعاني
كي لاتتوهَ عنِ الحكمةِ..
رعد فاضل آخرُ الشعراءِ الفلاسفةِ،
يملكُ هِبَةَ المُدنِ الضائعة،
ومراثي السلالةِ،
لامخطوطةَ لهُ سوى المِحنةِ،
ولا مقبرةَ لهُ سوى صحائفِ الغابرين، العابرين الى العويلِ..
حسين السلطاني الخارجُ من ترويضةِ الأخطاءِ
الى أعراسِ الموتى،
يبكي بلاداً تؤجل أسفارَه دائما، وتتركُهُ للحروبِ الصغيرةِ..
زهير بهنام بردى يفتحُ للمزامير أبجديتَه،
يكتبُ عنها أسفارَه وهجراتِه وخساراتِه،
يدوّن للحربِ طقوساً،
يبكي موتاها وحيدا، يشتري لهم نبيذا، خبزاً
وأناجيلَ كي يسكنوا الريح مثل أغاني الرعاة...
شاكر مجيد سيفو الولدُ الأبيضُ، الواقفُ عند العتبةِ
يناوشُ الشعراءَ أحلامَهم،
يتذكّر الطرقَ الى بغديدا، والكوابيسَ الطاعنةَ بالأخطاءِ،
هو وحيدٌ مثل ملكٍ شرقي، يهتفُ للحجرِ، وللشجرِ،
يشاطرُ حي بن يقظان السُكْرةَ، ولعبة الدومينو، والذكريات،
فكلاهما خارج الغابة، والقراطيس، والمارثون..
كمال سبتي الصاخبُ مثل مُعسكرٍ للجندِ،
والطيبِ مثل مجنون العائلة،
كان يعرفُ أنَّ الطريقَ الى المنفى، يشبهُ طريقَ بن يقظان،
الغابةُ بلادٌ،
والكلامُ طلاسمُ،
مابين الغابةِ والكلامِ ثمةَ الكثيرُ من الموتى..
كاظم الحجاج يرقّش الأسماءَ دائما بالألوان،
يستعيدُها،
يتخلّصُ من حُرّاسِها،
يهِبُها عطاياه وصحائفَه، ويتركها لنقائِضهِ الفادحة..
رعد عبد القادر يقفلُ الكلامَ، ويدسُّ أصابعه في
الطرسِ،
يكتبُ تعاويذه و رُقاه، يكرهُ فقهَ الوضوحِ،
لاينطقُ عن العتمةِ، ولا يبادلُها الدسائسَ،
هو الشاهدُ الحيُّ، الشاهدُ الميتُ على
أخطاءِ الفقهاءِ والسحرةِ والعرّافين...
أديب كمال الدين، الباحثُ في كُنهِ الحرفِ،
عن سرائرِ الخلقِ،
اشترى الكثيرَ من الكلامِ،
للسنواتِ العجافِ، أوللعمرِ الراكضِ كالثعالبِ كما قال أودن!
أو ربتما لقراطيسهِ المعطوبةِ كالمراكبِ..
خالد البابلي يرسمُ للسنواتِ هجراتٍ ضالّة،
يُكبّل روحه بالكلامِ الغامرِ كالصوفي،
يبكي وطنا مُضاعاّ
وعُمراً مُهرّباً كالأسلحة الصدئة..
سلمان داود محمد يحملُ وجعَ الحربِ، وذاكرةَ الجسدِ،
يلملمُ أوصالَ الكلامِ، يزجّها في لعبةِ الأخطاء،
لا طروسَ له سوى الجسدِ،
كلما تذكّر بن يقظان حملَ الواحَهُ، وتصفّحَ الجسدَ،
ليشتري المزيدَ من المراثي..
عدنان الفضلي الباكي والحاكي والواقفُ
عند مقبرةِ السلامِ،
يبكي طائرَه الأبيضَ، أو يبكي روحَه المسكونةَ بالخساراتِ،
يعرفُ أنَّ بن يقظان لا جغرافيا له،
لكنه الجنوبيُّ المتورطُ بالحربِ والهجراتِ دائما
يشاطرهُ حكايةَ الخلقِ والسيرةِ وحراسةِ
السراديب..
ركن الدين يونس يحملُ الكثيرَ من(تاريخِ الرمل)
لا هوامشَ له سوى حكايةِ الريحِ،
إذ يدوّن معها أسفارَ الغبارِ،
وأسرارِ الجماعاتِ،
هو يقرأُ الطُلّسم، ويستكنهُ المعنى، لكنَّه الوحيدُ أبداً
عند خائنةِ الحربِ..
حيدر عبد الخضر الطائر مثل قشةِ،
والعالق بإرث الاساطير، يبحث عن ساقٍ ثالثة للطيران،
وعن أغنيةٍ جنوبيةٍ للبكاء..
طفلٌ يمشي على قلبهِ،
إذْ كثيرا ماتخونُهُ الأصابعُ...
جبار الكواز الحليُّ الواقفُ في سوقِ القمّاشين،
يبحثُ عن مخطوطاتٍ دوَّنها الكوازُ الأولُ،
العارفُ في أسرارِ الطينِ،
وأسفارِ بن يقظان..
حامد الراوي الحطّابُ القديمُ، يشتري الكثيرَ من المطرِ،
والكثيرَ من الفوانيس،
يلمُّ وقتَنا (العاطلَ عن الوردة) ليبادلَنا
الفصولَ بالحكاياتِ،
والتعازيمَ بالأغنياتِ،
يدركُ سرائرَ المعنى، وعرفانَ اللذة،
وحلولَ الرؤيا، لذا ظلّ يرحلُ كثيرا في
أوديسات المدنِ بحثاً عن عُشبةِ الكلام..
زعيم النصار يشاغبُ الذاكرةَ، ويسطو على
صندوقِها العائلي،
يقرأُ اسرارِ الموتى،
وحكاياتِ الاولاد المنفيين،
وليعرّف أنّ الطينّ هناك، مشبوكٌ بالمعنى،
وأنّ الجنوبيين مثل بن يقظان، يبحثون دائما
عن أسئلةِ الخلقِ ..