ادب وفن

مظفر النواب بشارة الماء وإنشاد الثورة / كاظم غيلان

"رد الماي للهوره
ورجع حمريهه يتلاعب لعب
والتفگ خزامة ذهب بخشومهه
وگمره وصهلة خيل"
كأن مظفر النواب وبحدسه الدقيق ايقن من عودة الحياة الى الاهوار قبل التفاتة اليونسكو الخجولة المتأخرة.
من أين اتى بهذا الحدس.. لربما ثمة من يسأل؟
خرج النواب من رحم تاريخ لاهب بالنضال، محاط بمياه وفلاحين وبنادق، ادار ظهره للبيوت الفارهة الشاهقة بطوابقها، ايمانا منه بحتمية انسلاخه الطبقي ليقتحم عالم الماء واسراره. وقدسيته.. الماء الذي لا تجده على سطح النهر ولا حتى في قعره لانه خلاصة الصفاء
يا ماي العروس
اتوكح اسواليف
والگمره خذوهه ابعيد الغراريف
غرابة ومغايرة تجربة النواب في شعر العامية حملت خصائصها منذ خطاها الاولى لريادته حركة التجديد الشعري، حتى يحس متتبعها بانها لا تشبه الا الربيع بمجمل دلالاته. فقد ازاح ربيع النواب كل ما علق من أتربة وغبار طارئ ليكشف لنا السماء الاولى المشتعلة بنجوم الابدية، اذ اختلطت النقائض التوحدات وراح يبهر انسان الهور بمفاتيح لهجته الساحرة غير المستساغة من قبل:
أجزي امضايف الطيبين شيمة وهيل وافناجين
كل دله ابسماهه اهلال
تشرگ بالمضيف اسنين
ونته هناك بالدخان
تعلگ لهبة ارياحين
گمرية وزبونك طيف
طرز نومة الغافين
سيلن يا غتر واسگن فججنه اطيور وابساتين
وراح يعانق (غيلان ازيرج) في انتفاضة الميمونة بذات اللحظة التي يهم فيها بدخول (مضايف هيل) صاحب الملا خصاف:
اصويحب ع العگل صندوك عرس اجبير
حزمة من الحصاد يلفهه طيب اجثير
وين اللي يكلي افلان وين ايصير
لوصله وادگ اشراعه بشراعي
لم ترتد (عشاير سعود) ولم يغمض جفن لكهاوي العبره حين يطل عليها النواب صائحا ومحرضا:
لو ننسه عرج ثوار
گوموا انگوم نفنيها
نشاگيهه ابخناجرنه
انتلاعبلك لعب بيهه
انها (عشاير سعود) التي تصطف لجانب الكثيرات (ما مش مايل، ايام المزبن، حرز، ابن ديرتنه حمد، حجام البريس..الخ) من كنوز خارج المعاجم والقواميس فليس ثمة ما هو صارم ومشروط في اللهجات العامية، لكن خصائص العامية العراقية شعرا لم تتهذب وتأخذ شكلها الجمالي ومضمونها المشبع بالوعي الذي اجتاز حواجز التقليد والراكد، الا على يد مظفر النواب. وهذه علامته الفارقة دون شك كابن مدينة امسك بمفردات العامية قبل ان يمسك بجمالياتها ابن الاهوار نفسها ليجيد توظيفها.. لا حشرها:
لا تتجفل – فاله ومنجل
والماي ازرگ
او:
إمروز الريحان اتهلهل
لذيالك حتى الذبلانه
حته المكسور بخاطرهه
وعطشانه اتگلك عطشانه
ولربما يصل الى ما يوحي بالموروث الكربلائي:
خنجر
وجفية غوه
وكل گذله ريحانة طف
چني مشيت لدخلتي
ويدفعني رمشك لو رف
لم تتعرض الاهوار الى سياسة القمع الفاشي بوصفها مسطحات مائية ومستنقعات قصبية، انما تعرضت لتلك الوحشية بوصفها ثقافة وانسان تماهى مع بيئته وتاريخها وطقوسها، واعلن انسجامه مع تمرداتها وغضبها وحزنها الثقيل
دعن الربعات كلهن
والحمامات الحمر گالن: عبر
وحمد المغضب عبر
مغضب عبر
طفر الغراف بالمهرة الحليبيه
اللي شوفتهه سفر
بلل اجروحه ومسح بهداي
گصة الثار بمية النهر
ومظفر بطبيعة ما ارادته له عبقريته لم تكن سارداً لما يحصل على سطح الحدث، بل رائياً كاشفا ذلك الما ورائي المسيطر، بوصفه مقاتلا من هذا العراق ونتاجه الانساني. ولذا مارس الادانة المباشرة مستعينا بمجمل اسلحته، ولعل الشعر في مقدمتها، مجابهة واحتجاجاً.. نابهاً منذراً محذراً:
لا وين گصدك
شايل ابهليل ركّد روحك
خذني أذلّ الدوله
لو رادت تذل اجروحك
ولأن الهمجية مارست بكل ما لديها من طاقة البذيء في الفعل المعادي للانسان وجد المجابهة بكل ما فيها من نقاء سريرة ونبل سلاح كشف ادانة:
عمت عين الگاع ضمتهم زلم چانوا خميره
گول ادير العين عنهم
گلبي الملسوع شگله اشلون اديره
شلون والقايد صدك بينه نفس منه وبصيره
شلون هذا الشعب للعفنين يتسلم مصيره
رد على اهلك يا حمدنه
رد على اهلك وازرع الزينات واتفيّه بشجرهه
الواحد امن اهلك عدل طيبات
والثورة اظن گرّب شهرهه
كأني بمظفر النواب الآن واقفاً على ضفة الهور متأملاً شمس بلاده عند مغيبها وهو على بعد منها مناجياً احبته:
ولك ردوا
حنيني ايكعد الميت
وحشتي اتطلع ابليل الشته
شمس الربيع ايام
ما أنذل الشمس ان لم تستجب لما اردت يا مظفرنا النواب.. الشمس التي نهبت خيوطها اصابع (الحاكمين البغايا)..
شاعر انت تشرق في اوراحنه دوماً
اما الحكومات ففي حكم الغياب والتلاشي والسقوط دوماً.