ادب وفن

المواصلة والمثابرة عنوان للمقهى الثقافي و" رجم ثريا " فيلم يثير الشجون

المواصلة والمثابرة عنوان للمقهى الثقافي و" رجم ثريا " فيلم يثير الشجون
"طريق الشعب "
الأعلان عن الأمسية بالفيديو أسلوب مبتكر عودنا المقهى الثقافي في لندن على ترقبه لأنه يساعد رواد المقهى على ان يصل لهم ويشاهدوه بسهولة كونه يلقي بسلاسة ضوءا تعريفيا بماهية الأمسية ويحفزهم للحوار بشأن مادتها الثقافية ، وهذا النهج يسجل لحساب المقهى الأيجابي حيث توجه منذ البدء لترسيخ فكرة تبادل الآراء وأغناء الموضوعة ممن يطرح المادة (المحاضر) من جانب ومن متلقيها من جانب آخر ، وأثمر هذا التوجه عن أماس حيوية ذات نفع وفائدة وتفتح نوافذ مشرعة على فضاء أسئلة جديرة تدعوا الجميع للبحث عن حلول لها ،ليس بالضرورة في وقت الأمسية ، وانما في أمكنة وأزمنة أخرى .

الأعلان الفيديوي لأمسية المقهى لشهر شباط 2017 الماضي والتي قدمت في الـ 26 منه كان صادما ، لتضمنه لمشاهد قاسية ، معمولة عبر حلول أخراجية ، للزيادة في تبشيع ممارسة معينة ضد أمرأة بريئة ، وضحية مؤامرة خبيثة.. وهذا على ما يبدو ما يفسر عدم حضور البعض لمشاهدة الفيلم الذي تضمن تلك الصور المؤذية حقا .. وهذا حق لهم.
الفيلم الذي قدمه المقهى كان "رجم ثريا " وقدم تمهيدا له السينمائي علي رفيق معتبرا اياه نموذجا لمداخلة سريعة أنطوت على استعراض للسينما النقدية الأيرانية ، وبمرور عاجل على ابرز محطات شهدها تاريخ تلك السينما .
"رجم ثريا"هو فيلم سينمائي إيراني إنتاج 2008. مأخوذ عن رواية "رجم ثريا " - قصة حقيقية يحكيها لنا الصحفى الفرنسي الايراني الاصل فريدون صاحب جم والتي كتبها عن رجم سيدة ايرانية اسمها ثريا منوتشهري حكم عليها بالرجم ونفذ فعلا في 1980.
كيريوس نورستيه. Cyrus Nowrasteh الفيلم أخرجه واشترك في كتابة السيناريو له المخرج الأمريكي .حيث نقل الحكاية بمعالجة سينمائية متميزة على لسان زهرة خالة الشابة ثريا، التي رجمت حتى الموت بتهمة زنا باطلة، لفقها لها زوجها بالتواطؤ مع شيخ القرية وآخرين.
ويحتوي الفيلم على مشاهد صعبة، لاسيما عندما ينتهي الحال بثريا في مشهد الرجم حتى الموت، والذي قدمه المخرج للمشاهد بأدق تفاصيله بداية من الشروط الواجبة في الحجارة التي يجب أن تكون صغيرة حتى لا تتسبب في الوفاة بسهولة وسرعة ليستمر العذاب لساعات، ونهاية بنقل كل مشاعر الألم التي يمثلها هذا العقاب.
ودراما الفيلم استخدمت الأسلوب الهوليوودي الذي يتوفر عادة على عناصر شد المشاهد وتشويقه وبحبكة سردية – بصرية أنتقدت المجتمع الذي يمعن في ايذاء الضحية ، على الرغم من معرفة الجميع براءتها ، وبطرح نقدي (سينمائي بامتياز) وذكي ، عبر تقديم مشاهد خاطفة - صامتة لمهرجين ،يظهرون على الشاشة لثوان معدودات، هم الوحيدون الذين يعربون عن تعاطفهم معها.
وفي استعراضه السريع لتاريخ السينما الأيرانية ذكر علي رفيق انها أبتدأت عام 1900 حينما زار شاه ايران مظفر الدين شاه اوربا وشاهد الأختراع الجديد فأعجب به وجلب الى بلاده كاميرا وآلة عرض سينمائيتين ثم شهدت طهران عام اول عرض سينمائي لجمهور عام1904اذ تم تأسيس اول دار عرض. لكن السينما الأيرانية انتظرت حتى حلول عام 1930 لتنتج أول فيلم ايراني ، الذي أخرجه الايراني الأرمني أفانيس أوهانيان بعد عودته من موسكو حيث اكمل دراسته في معهد السينما فيها وكان فيلما صامتا بعنوان :" آبي ورابي ".. واصلت الأفلام المنتجة منذاك صمتها الى أن نطقت لأول مرة عام 1940 .لكن الحرب العالمية الثانية أوقفت عجلة تطور السينما وقل انتاجها واتجهت نحو الوثائقية وحين اعتلى العرش محمد رضا بهلوي أراد تحديث البلاد ،لكن على الطريقة الآوربية ، وأهتم بقشور حضارتها،واراد من السينما تجميل الحياة ، كما يفعل الأنتاج الامريكي او الهندي .. لكن بعض السينمائيين الأيرانيين كانوا يتابعون ما انجزته الواقعية الأيطالية الجديدة والموجة الفرنسية ، واهتمامهما بحياة الفقراء ومشاكلهم وكشفهما الأستغلال والمعاناة وفضحمها لمن يقف وراء ذلك ، اثرا على الانتاج السينمائي الأيراني منذ الستينات .
وتحدث السينمائي علي رفيق عن محاولات السينما الأيرانية في توجيه النقد لممارسات النظام القمعية سواء بشكل مباشر او ايحائي – رمزي وأورد بعض الشواهد على ذلك قائلا:
"أحدث فيلم «جنوب المدينة» للمخرج الإيراني فرخ جعفاري ضجة ، عندما منع الشاه عرضه. واعتبر هذا الفيلم الأول من نوعه في السينما الإيرانية، اذ جرى تصويره في أحد الأحياء الفقيرة في طهران، وكان يستعرض الحياة التي تعيشها الطبقة الإيرانية المعدمة، والذي يُعتبر مخرجه هو أحد مؤسسي «الموجة الجديدة» في إيران".
وواصل رفيق حديثه ، بعد ذكره لأمثلة عديدة، الا انه ركز على التوجهات الجديدة ووضح انها: " طرحت عدة موضوعات تعنى بحياة عامة الناس، كالاغتراب، والتمدن في المجتمعات الريفية، وكُللت جهود المخرجين الإيرانيين في هذا الوقت بإنشاء معهد التنمية الفكرية للأطفال والشباب عام 1965، فكان له أثره الجلي على السينما الإيرانية لاحقًا، فمنه تخرج أمير نادري وعلي أكبر صادقي، وأيقونة السينما الإيرانية عباس كيارستمي".
واضاف علي رفيق انه :" في فترة الستينات ظهرت مجموعة من المخرجين الإيرانيين الذين ابتدعوا تقنيات جديدة في السينما ولم يخشوا من النقد الاجتماعي. ومن أهم أفلام هذه الفترة، فيلم "البقرة" 1969 ،الذي أخرجه داريوش ميهرجيو. فقد رسخ هذا الفيلم، الذي صور بأكمله في قرية إيرانية لمنهج الواقعية الجديدة الذي نادت به السينما الايطالية، وهي المدرسة التي سيتبعها أهم مخرجي إيران في ما بعد.
من أهم صفات المدرسة الواقعية الجديدة كما بدأت في ايطاليا عام 1943 ،وانتهت عام 1961 ،أن أفلامها تتناول حياة الفقراء والطبقة العاملة، وتتميز باللقطات الطويلة في مواقع التصوير الحية، وغالباً ما تعتمد على ممثلين غير محترفين في الأدوار المساعدة واحيانا حتى في الأدوار الرئيسية. وتركز أفلام هذه المدرسة، بشكل خاص ، على التغيرات التي تعتمل في النفسية، وأوضاع الحياة اليومية. منع فيلم "البقرة" من العرض أيام الشاه، لأنه ـ على حد زعم الرقابة ـ يتعارض مع صورة إيران العصرية، لكنه هرب إلى الخارج،عام 1971 وعرض في مهرجان البندقية ولقي احتفاء واسعا من النقاد.
ظلت السينما الإيرانية حتى منتصف السبعينات تنتج أفلاماً ذات مستوى فني عالي، ربما كان من أهمها فيلم بهرام بايزائي "أكثر غربة من الضباب" 1975 ،لكنها بدأت بعد ذلك في التراجع حتى قيام الثورة الإيرانية.
بقدوم الثورة اعتبرت السينما رمزا من رموز نظام الشاه والتأثير الغربي ونتيجة لذلك تم إحراق أكثر من 180 دار سينما، كما أن 400 شخص قد ماتوا في حادث إحراق إحدى دور السينما(سينما ريكس في طهران) .
وعلى الرغم من هذا، فقد إنتجت بعض الأفلام المتميزة في بداية الثمانينات كفيلمي بهران بايزائي "نشيد من تارا" 1980 ،و"موت يازديجيرد" 1982 ،وفيلم أمير نادري "البحث" 1982 ،وإن كانت هذه الأفلام قد حظر عرضها داخل إيران.
وفي منتصف الثمانينات، تغيرت سياسة الدولة تجاه الفنون فقد مرت عدة سنوات قبل أن تأخذ الجمهورية الإسلامية على عاتقها إعادة صناعة السينما الإيرانية من جديد، لكنها سينما تعكس القيم والتقاليد الإسلامية الإيرانية، فأُنشئ «معهد الأفلام الإيرانية» وهو مؤسسة تخضع مباشرة لسلطة الحكومة الإيرانية، وتتولى الرقابة على الأعمال السينمائية التي يتم إنتاجها وإخراجها داخل إيران كاملة. وتفرض هذه المؤسسة رقابة صارمة على المحتوى المُقدم من خلالها، وتُمنع المشاهد الجنسية والعنف غير المبرر وغيرها من القيود التي أثقلت كاهل صناع السينما، وتسببت في هروب الغالبية العظمى من السينمائيين خارج إيران
في نفس الوقت، ورغم القيود التي فرضها معهد الأفلام الإيرانية، إلا أنه المؤسسة الوحيدة التي سُمح من خلالها للمخرجين وصناع السينما بالعمل. ورغم القيود الصارمة التي فرضتها المؤسسة إلا أن مخرجين كعباس كيارستمي، ومحسن مخملباف وهما اللذان حصدا جوائز عالمية للسينما الإيرانية فيما بعد، وكانا مع مجموعة من زملائهما، قد قرروا البقاء في إيران رغم القيود المفروضة عليهم، إلا أنهم قد وجدوا طريقتهم الخاصة خلال تلك القيود لإخراج ما لديهم للعالم في أفلامهم.وكان فيلم «طرقات جليدية» للمخرج مسعود جعفري هو الفيلم الإيراني الأول الذي يحصد جوائز عالمية في مهرجان برلين الدولي الـ37. لحق به عباس كيارستمي عام 1997 عندما نال جائزة السعفة الدولية في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه «طعم الكرز»، وتوالت الجوائز العالمية على الأفلام الإيرانية فيما بعد ليكون آخرها حصول فيلم «انفصال» للمخرج أصغر فرهادي، على أوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام2012.".
لاحظت " طريق الشعب" قلة في حضور الفيلم على عكس اماسي البقية الأخرى للمقهى الثقافي في لندن فتوجهت بالسؤال لأحد القائمين على المقهى فاجابنا مشكورا: " نعم نحن لاحظنا ذلك ايضا، وتعليل ذلك ان جمهورنا من المتابعين للشأن الثقافي وهم يعرفون الفيلم ،وربما قد شاهده الكثير منهم ، اضافة الى ان بعضهم لا يريد مشاهدة العنف المفرط الذي عالج فيه المخرج احداث قصة الفيلم الحقيقية .. ولابد لنا ان ننوه ان المقهى يريد ان يقدم مختلف الاتجاهات والاساليب الثقافية .. وسيواصل توجهه ".
لكننا لاحظنا اهتمام الحضور بالفيلم واعجابهم به وبالمادة والتمهيد الذي تم تقديمه به قبل عرضه .