ادب وفن

فاروق مصطفى ... وأطراس المدائن / إبراهيم قوريالي

الشاعر الغنائي التركي أحمد سلجوق القاي يقولُ في أحد أشعارهِ
هئيناً لكَ النصر
هنيئاً لكَ القدرُ
أمَامُك رجلُ يبكي
آما البير كامو فيقول
الرجال يبكون، لان العالم كلهُ على خطأ ص78 .
أطراس المدينة، كتاب آخر أضافهُ فاروق مصطفى لمكتبة كركوك الزاخرة بكتبهِ التي ستكون بمثابة كنز للباحثين مستقبلاُ.
"كَاوورباغي، مار يوسف، تعليم تبّة، الدفلى، سيّد علاوي"، أسماء تعتبر من القواسم المشتركة في معظم كُتُب فاروق مصطفى ربما لارتباطه الوثيق بهذه المناطق أو هي مستلهمة أفكارهِ أو مصدر ثقافته الراقية، نعود للكتاب
سنان سعيد، صاحب الصوت الهادئ يُطْربُ قائلاُ..
هر كَون أخشام أولو داللام،
ئة لمدة باغلاما جاللام،
عشرة تيووة خبر صاللام،
من سنى سيومشة م اللام، اللام}
وقد ترجمها فاروق مصطفى إلى اللغة العربية في الصفحة17 والغرض منها دندنته المستمرّة لهذه الترنيمة على ما يبدو عندما يمر من شاطرلو خصوصاُ ولا نعلم السبب الرئيسي.
من أقوال ناظم حكمت:
كلّ حي من أحياء اسطنبول تذكّرني بأغنية ما، ربما لمصطفى هذا الرأي أيضا.
تطرّق فاروق إلى سركون بولص في شعره "حلم حمّال على جسر القلعة"، موضوع الشعر لايهمنا، المهم هو وفاء فاروق لأدباء كركوك ولا يخلو كتبه من الإشارة إلى عدة أدباء من مدينته ولمَ لا؟ فهو ابن هذه المدينة البار ووجه من وجوهها الثقافية ويتصف بنكران الذات فيا كثرة الأدباء الذين لايتطرقون بكبيرة ولا بصغيرة إلى أي أديب من أدباء مدينتهم ولو بإشارة خفية، لا لسببِ سوى الحسد المُبينْ.
جان دموطلبَ قرضاً قدره عشرين ديناراً ص 25 مالحكاية يا ترى.
هل كُتِبَ الفقر علينا نحن معشر الأدباء؟ وهل ضنك العيشِ جعلنا أدباء؟ وهل البطالة المُقْنِعة وفْرَتْ لنا حيّزاً للقراءة؟ وهل احتجنا الى الكرّاسِ لتفريغ همومنا؟
أعتقدُ كلّ هذه قد أجتمعتْ في مخيلة معظم الأدباء، وكانَ أشجعهم وأشجعُنا { جان دمو}، لأنه تخلّص من عقدة الخجلِ بالتمردِ والصعلكةِ ,الأعتراف الصريح "طردني صاحب الفندق عندما سطوتُ على برتقالة" ولم يجمّل نفسهُ بماكياج الغرورِ. ربما فاروق أيضاُ تعجبهُ هذه الصفةِ الجريئة لدى جان دمو.
فاروق مصطفى أصدر حوالي عشرين كتاباً تجمعُ بين المقالةِ والنقدِ والخاطرةِ والنثرِ وغيرها.... والمثير بالأمر إن 14 كتاباُ يحمل اسم كركوك عنواناً له وتجد في طياته كل مايخص هذه المدينة من الأزقة والحِرفِ والمعالم الشاخصة، وقد تطرق في "أطراس المدائن" الى مَعْلم من معالم كركوك "دار القاضي".ص 121
بعد انْ نضبَ الوقود في سيارتي على حين غرّة، هاتفتُ شقيقي طالباً إسعافي، سألني عن مكان تواجدي؟
ـ مقابل بيت القاضي، بداية شارع رحيم آوا.
ـ وأين يقع بيت القاضي.
نعم كثيرُ من الشباب لا يعرفون شيئاً عن هذا البيت،
ـ دائرة المرور القديمة ثم مركز للشرطة وأخيراً مقر لأحد الأحزاب.
وحسناُ فعل فاروق عندما جعلَ من بيت القاضي مَعْلماً من معالم كركوك الحبيبة.
الخبّازون فقط يبدأون العمل في ساعات باكرة جداً، وقد أخبرني والدي بأن المرحوم سرتيب الخباز كان يطلبُ من عماله حمل سلة كاملة من الخبز قبل بيعهِ وإلقائهِ في نهر الخاصة رزقاً للأسماك والحيوانات السائبة،وقد كتبها فاروق بصيغة جميلة وبأسلوبِ شيّق في "خباز يبكر في منادمة الصباح" ص 10.
"قورية" "وجرت ميدان" ورأس الساقية" "آرخ باشي" ، مناطق يرفض فاروق نسيانها مطلقاً بل يصرّ على نقشها في كتاباتهِ، في منتصف سوق القورية تجد زقاقين متقابلين أحدهما ياخذك الى سوق "الصائغة القديم"ومنه تجد أثار رأس الساقية وهي تقطع الأزقة الخلفية لشارع القورية وصولا الى جامع "ملاقاوون"،وقد رأيت أنا شخصياً بائعي الخبز وهم يفترشون الأرض أمام سِلالهم أمام محلات الحمداني سابقا، أعادنا مصطفى الى زمانُ نتحسّر عليه الان للأسف في "البحث عن موضوع ملقى في طرقات كركوك" ص 125،
ذكريات جميلة عن تلك الطرقات أبدعَ فيها فاروق كما أبدع الشاعر محمود درويش
ليتني بائع خبز في الجزائر
لاغني مع ثائر
وفاروق يقول..
أتدحرج نحو الأزقة المغمورة
ببذخ النسيان.
سيطول انتظارك يا فاروق لشيء لا يأتي
وأنت تعلمُ جيداً بأنه لا يأتي.
درويش ومصطفى يتفقان على التمني فقط.
مشكلتنا الأساسية في الشرقِ هي الموت من أجل الحب وليس من أجل الحب أحيانا بل من اجل الوصول الى لذة الجنس أليس هذا المراد، وأحياناً الضياعِ في الوديان والبراري،أما في الغربِ وبأفكار فرويد وغيرهم فقد أصبح من اليسرِ جداُ الحصول على هذا الطلب ربما من شخصٍ لا يعرف اسمكَ ص60 لتكن الروحان متباعدتان ، لايهم، المهم يتفرغ كل طرف الى شأنه.
كتاب "أطراس المدائن" من الكُتب التوثيقية، لان القارئ يطلعُ حتماً على نخبة متميزة من أدباء كركوك بداً من جماعة كركوك الأولى والثانية والجديدة، حيث تجد فيهِ أسماءً لعبت دوراً أدبياً وثقافياً مهماً في إغناء الثقافة الكركوكية منهم زهدي الداودي وجان دمو وجليل القيسي وزهير احمد القيسي والدكتور فائق مصطفى مرورا بالمهندس الطيب وكذلك الأدباء الحاليين محمد خضر وعدنان أبو أندلس والكاتب ذو الضمّات والشّدّاد والفَتْحات طيّب الذكر موشي بولص والى جمهورية البرتقال حيث رئيسها إبراهيم الخيّاط وبعدها الى مدينة السليمانية و ?هندسها الأديب طيّب جبار والشاعر الجبلي القوي لطيف هلمت، وبرأيي الشخصي يمكن الاستفادة من هذا الكتاب حاضراً ومستقبلاَ ويا حبذا لو اطّلعَ أدباء العراق على هذا الإنجاز ليتأكدوا من جذور الثقافة الكركوكية.
يقول فاروق مصطفى أنني أحلم :ص 26
ـ بأدب كركوكي جيد وفريد ثم يقول:
ـ ولِمَ لا؟ وأدباؤنا الستينيون قد مهدوا السبيل لذلك الحلم،ثم يقول:
ـ كيف سيكون الأدب الكركوكي في قادمات أيام هذا العقد واعقد القادم؟
ـ أحلمُ بأدب كركوكي فريد.
ـ احلم بأدب كركوكي مليء بالسحر
ـ أحلم بأدب كركوكي بعيد عن التيبّس!
أقول له هناك منْ يحلم بالبُهرج الكذاب والجاه الزائل ولا تتعدى أحلامكَ سوى رفعة شأن وسموّ أدب وثقافة كركوك، كم أنت كبير يا أبن جرت ميدان.
هنا سحبتُ يدي من لوحة مفاتيح جهازي لأنني أمام قلعة شامخة مزينة بنقوش زخرفيه لم أستطع الولوج الى أقبيتها المليئة بالكنوز الأدبية، فقط تجرأت بالّتسكع في أطرافها وشمّ نسيمها، أوصيكم بقرأة هذا الكتاب.