ادب وفن

عن كلكامش ومسرحيات أخرى / منتهى عمران

قال البرت شوت بعد ترجمته لـ "ملحمة كلكامش" إلى الالمانية:"ان سعيك للحصول على معنى الملحمة هو كسعيك لفهم العالم".
هذه الملحمة العظيمة تعتبر الرمز الأهم والباب الأوسع للدخول إلى حضارة وادي الرافدين وادراك قيمتها وأثرها في الإنسانية. إذن لا بد من تعريف الأطفال وخصوصاً العراقيين منهم بهذه الملحمة.. ولكن كيف يمكننا فعل ذلك وقد احتوت هذه الملحمة على ما يفوق ادراكهم العقلي وتقبلهم الحسي في وقتنا الحالي؟ لا بد من صياغة مبسطة تتيح توصيل المعنى حتى وإن تم تحريك أو التصرف ببعض الأحداث والمقولات دون الذهاب بعيداً عن الإطار العام لهذه الملحمة.. وهنا تأتي مهمة الكاتب الذي سيقوم بإعادة الصياغة لتقريبها الى مستوى ادراك الطفل. وكانت هناك محاولات عديدة قديما وحديثا ولعدد من الكتاب.. ومنهم الكاتب المسرحي الراحل جبار صبري العطية حيث استطاع أن يقدم هذه الملحمة بشكل مبسط لكنه لا يخلو من الحكمة والفكرة العظيمة بشكل نص مسرحي كتبه عام 1995 بواقع 125 صفحة.. قامت جماعة المسرح المعاصر في البصرة وبجهود ابن المؤلف هلال العطية بطباعة هذا العمل المسرحي مع مجموعة من المسرحيات الخاصة للأطفال بناء على وصية المؤلف رحمه الله فكانت المجموعة إضافة إلى أدب الأطفال في العراق والعالم العربي.. وقد صدرت عن دار ومكتبة عدنان للنشر والتوزيع عام 2017 وقد بلغ عدد صفحاتها 556 .. وإن كنت اتمنى لو طبعت بشكل منفصل على شكل كراسات أو كتيبات صغيرة لتكون بمتناول الأطفال فهي مسرحيات تصلح للقراءة الممتعة كبقية القصص المخصصة للأطفال ومن ثم تحويلها إلى عروض مسرحية ..
ما يميز هذه المجموعة أنها تقدم للطفل معلومات وأفكارا على غير ما تعودناه فقد ابتعدت عن النصائح المباشرة والتوجيهات اليومية التي طالما تكررت على مسامعه وأصبح يتذمر منها ويملها رغم انها كتبت في فترات الثمانينات والتسعينات في القرن الماضي.
عمل الكاتب على توضيح مفاهيم فلسفية وجودية بعيدة عن التطرف والتقديس كما ظهر ذلك في مسرحية كلكامش. وأوضح أيضاً ماهية بناء المجتمع والدولة وعناصر تكوينها وكيفية العمل على الحفاظ عليها مع تطويرها في الوقت نفسه. وقد توضح ذلك بالأخص في مسرحية "مملكة النحل ومملكة الأرانب" رغم أن الكاتب لجأ إلى أسلوب انسنة الحيوانات مستفيدا من طبيعة الطفل في ميله إلى حب الحيوانات وعوالمها المدهشة باعتبارها عنصرا جاذبا للمتعة ولتسهيل توصيل المعلومات إلى ذهن الطفل .. كما أن الكاتب استفاد من بعض ألعاب الأطفال الواردة في التراث الشعبي مثل لعبة الذئب والأم التي طالما لعبناها صغارا "أنا الذيب واكلكم .. أنا الأم واحميكم" وغيرها كما في مسرحية ذئبوب في المرآة.
وبنظرة شمولية من بعيد من دون الدخول في التفاصيل نجد أن هذه المسرحيات تعمل على تنشئة الطفل لتجعله متحملا للمسؤولية تجاه وطنه ومجتمعه وتؤهله ليكون عنصرا فاعلاً ونشطا في البناء والإعمار والمحافظة على الثروات واستغلالها من خلال العلم والعمل وما احوجنا في مثل هذا الوقت إلى هذا التوجه في تربية هذا الجيل لما يعانيه المجتمع من مظاهر التردي والفساد التي تنخره من الداخل مما جعلتنا في حالة تراجع وتخلف كبيرين .. ورغم انها بعيدة عن مظاهر التكنولوجيا والوسائل الحديثة التي تلعب دورا كبيرا في حياة أطفالنا لأنها كتبت في فترات سابقة لهذا الزمن لكنها تبقى صالحة للقراءة والتعليم ويمكن ادخال هذا العنصر إليها من قبل المنتج والمخرج في حال قاموا بتحويلها إلى عروض مسرحية.
ان طباعة هذه المسرحيات في مثل هذا الوقت تعتبر خطوة مهمة جدا فهي اضافة إلى أدب الطفل الذي يعتبر من الحقول الفقيرة التي تحتاج الى زخم كبير من النصوص باعتبار ان الطفل هو اللبنة الاهم في بناء مجتمع متطور ومتقدم.