ادب وفن

قراءات في المسرح المعاصر ... دراسة تحليلية للنص المسرحي / جلال مرقس

تناول الناقد المسرحي صباح هرمز في قراءاته للمسرح المعاصر تشريح حيثيات ست وعشرين مسرحية لكتاب أجانب وعرب قارنها وتقارب بينها. ان الناقد سَهَلَّ الطريق أمام من اقتنوا كتابه لقراءته والاستمتاع بمادته المغرية لما فيها من مفاجآت أثارها كاتب النص تارة وسلط الناقد خبرته في تحليلها الى أبسطها تارة أخرى .
الكتاب بشكل عام هو أقرب الى المنهجية التحليلية كمادة أكاديمية من كونه معرفة عامة عن النقد المسرحي، وضمت المسرحيات الواردة على تفاعلات وتحولات الشخصيات الى حالات متناقضة في الحوار ومضمون النص بذكر دلالات دامغة الى فكرة التحول، كي أجسد لهذه الحالة ما يبررها كما جاء في مسرحية البجعة لأوغست سترنبيرغ، تحول الأم من حالة التسلط على جميع أفراد أسرتها بدون إستثناء،. وكانت تحض صهرها على إبنها لأن والده المتوفي في وصيته الموجهة اليه لم تتضمن إرثا سوى رسالة تحذير من أمه له لسرقتها ماله وخيانتها مع صهرها، والكرسي الهزاز كان الدالة الداعمة بصدق الى حالة القلق واللإستقرار في الحالة النفسية للأسرة بمجملها. ولما علم زوج جيردا بفحوى الوصية ندم على الاقتران بها، ظناً منه أن زوجته سترث عن أبيها مالاً يعول عليه في إقامة مشاريعه الطموحة
ولمّا عرفت الأم حقيقة صهرها وهي في حالة الضعف، تطلب من إبنها ألآّ يتخلى عنها، فيقول لها: أنت لست مذنبة، فتقبل يد إبنها بخضوع، وتطلب من إبنتها جيردا كي تغفر لها خيانتها بسرقة زوجها.
ومن أوجه التشابه بين البجعة وهيدا جابلر لإبسن، شخصية هيدا القوية المتسلطة وبطلة المسرحية هي نسخة من الأم في البجعة، والتشابه الآخر بين هيدا وزوج جيردا زواج الإثنين تم بفعل المصلحة والأنانية، لأن زواج هيدا من جورج تسمان لم يتم بسبب شبابه وثقافته، بل كي لا تصبح عانسا وكذلك كي يوصلها الى المكان الذي ترغب في الذهاب اليه، وحولته الى فرّاش أو موظف يطيع أوامرها.
من الدلالات والألغاز في ترديد مفردات لغوية لأكثر من مرة في عرض واحد تعطي زخما لقوة النص، لأن المعنى يأتي بأشكال مختلفة نسبة الى موقعها في الحوار، مثلا كلمة – البرد هي تفسير لحالة الطقس، وتُفسر بفتور الحس والعاطفة سواء كانت إجتماعية أو جنسية. وكلمة الحطب تدل على خلق الحماس عبر التدفئة، كما يعبر عن إبداء الكره بسبب رائحته. والغيرة جاءت بعدة أشكال في أكثر من نص. في البجعة استنفرت الغيرة بين فريريك وصهره. وفي مسرحية ايولف الصغير لإبسن، وجه الغيرة يبدو من العجب لأن بوادره بانت بين الزوجين الفريد المرز وزوجته ريتا بسبب إبنهما الكسيح الذي يتبنى الوالد رعايته دون امه التي تطمح إلى تعلق زوجها بها وحدها. ذُكِرت مفردة الباب عدة مرات في أكثر من مسرحية، جاءت وسيلة لحجب الصوت والروائح والأعاصير، كذلك للتستر على بعض المعلومات، الوصية مثلاً. وفي مسرحية العودة ليوسف الصائغ اتخذ محمود الجندي من الباب والهارب من جبهات القتال منفذا يغلق على سرداب للاختباء حسب ظن أفراد الأسرة.
في رومولوس العظيم لفيريدريش ديرينمات يبدو أن امبراطور روما رومولوس أراد أن يختتم سلالات الأباطرة الرومان بإسمه ويسلم الأمبراطورية الى الجرمان دون مقاومة بذريعة أن الأمبراطورية متعفنة لابد من سقوطها، هذه النظرة التشاؤمية رافقته طيلة عشرين عاما من حكمه لروما، ولم يعر أي إهتمام لآراء قيادة جيشه أو حاشيته، زوجته من جهتها تقول له : من العار أن أكون زوجتك. والقائد إسبريوس ينعته ب :أنت عار على روما. دخل الجرمان روما دون إراقة قطرة دم، قدمها الإمبراطور هدية على صحن من ذهب الى أودوكور ملك الجرمان، علت الهتافات والصيحات بعد الإعلان عن الإتفاق بين الإثنين وهي تهتف : يحيا رومولوس العظيم بينما يخرج منحني الرأس والجرمان واقفون في غاية الإحترام!
وقد أعاد التاريخ نفسه في حرب الخليج الثانية عندما وقع "صدام" وثيقة الركوع تم تلتها حصد رقاب الشعب كما تحصد الحاصودة رقاب السنابل، قدم القائد الضرورة البلد بكامله هدية انصياعه إلى أسياده بينما يعتلي سطح سيارته مهددا الأمريكان بالإبادة. رومولوس لم ينتحر وسيفه بجنبه، كذلك صدام ومسدسه معه في المخبأ القذر ولم يقتل نفسه كي يتحول الى شهيد في نظر أتباعه.
ومن الرموز التي لها دلالات واضحة ومحددة مثلا – المفتاح ويعبر عن وجود معضلة بالإعتماد على الوهم والحلم. والمفتاح الحقيقي كما جاء في مسرحية المفتاح ليوسف العاني هو طريق العمل الجماعي في النضال ضد العدو الذي استغل خلافات الدول العربية لعدم المشاركة الجماعية في حرب تحرير فلسطين عام -1967 - التفاح هي الفاكهة الرابطة بين إغواء الشيطان بهيأة حية لآدم وحواء وبين الخيانة بكافة أشكالها، والخيانة الزوجية طغت على معظم المسرحيات. الشمعة وإن جاءت وسيلة للحرق فإنها جنس من البخور لإنعاش الحوار.
توفيق الحكيم اتخذ في مسرحيته – مصير الصرصار- من الحشرات رموزا لشخصياته، الملك يتباهى بطول شاربه وينافس الصرصار بها لذا عين نفسه ملكا، ووزيره لخبرته في إختلاق المشاكل وسبل حلها عين نفسه وزيرا كي يبيد النمل لكرهه الشديد لها. الصرصار بمجساته –الشارب- يتحسس ويتلذذ داخل المجاري وبين القمامة، والملك يستخدمها كمرشح ليفرز بها مناله، أمّا النمل فحياته منتظمة وإجتماعية يعمل تحت شعار – الكل من أجل الكل- لوجود نظام عمل موزع بمهنية مشاركين في تحمل مسؤولياتها، ويرمز به الى الشعب المتكاتف. كأن المؤلف قد كتبها خصيصا لبلدنا في الوقت الحاضر لما يعانيه من ظلم وتعسف على أيدي قادته الفاسدين، فكما يتمنى النمل أن يسقط صرصار على ظهره فتلتم عليه وتلتهمه، هكذا ينتظر الشعب سقوط الفاسدين لينالوا مصيرهم.