ادب وفن

الفنان علي رفيق:لا سينما بلا وطن

حاورته "جاليات"

الفنان علي رفيق، نهر يجري بهدوء، ولكنه حين يريد أن ينتج يقاوم ضفافه ويجترح المخاطر.. ذهب الى كردستان أيام النضال الصعبة، تاركا وداعة موسكو ليلاحق حياة الأنصار الشيوعيين بريشة عدسته. واليوم رغم متاعب الغربة والعمر، وقلة الأمكانيات لتحقيق طموحاته، مازالت الكاميرا تلازمه في تغطية الفعاليات ومنها فعاليات المقهى الثقافي في لندن الذي يعد واحدا من مؤسسيه. وفي خضم إنشغالاته إلتقيناه وتوجهنا له بالسؤال عن تجربته بعيدا عن الوطن، فأجاب:
بعيدا عن الوطن تعني الكثير للسينمائي العراقي .. أنها أول ما تعني أنك بعيدا عن المكان لا تستطيع أن تعمل سينما عراقية .. فالسينما هي فن المكان بإمتياز .. عندما سافرت عام 1975 الى الخارج كنت أتوق لأن اعود الى الوطن لأعمل فيه وله افلامي .. ألا أنني حين أنهيت الدراسة كان الوطن بعيد المنال بعد ان أستوطنته دكتاتورية فاشية صادرت كل شيء فيه . لكني جربت أن أعمل سينما تحكي عن الوطن وتلك كانت مغامرة .. فيلمي الروائي الأول " كرسي المدير العام" كتبت له السيناريو عن قصتين قصيرتين جدا للقاص العراقي إبراهيم احمد وحاولت أن أخلق الأجواء العراقية داخل الأستوديو، وركزت على فكرته التي تناولت الفئة الطفيلية التي تسلقت الى الحكم وسرقت المال العام بخطتها الإنفجارية وأستثمرت صعود اسعار البترول العالمية فباعته وباعت الوطن وزادت من إفقار المسحوقين، وأحدهم الشخصية المحورية في الفيلم، ذلك الفيلم الذي عملته عام 1979، أجده وكأنه حكاية الوطن الدائمة، حيث يغير سارقوه اليوم أزياءهم فقط .. وبعد عام من ذلك التاريخ قدمت مشروعي الروائي الثاني الى ستوديو "دوفجنكو" في أوكرانيا والذي يعد الثالث في عموم الأتحاد السوفيتي السابق، فقبل تمويله وإنتاجه. أذا كان الفيلم الأول مغامرة، كان الثاني تحديا لنفسي قبل كل شيء ، أن أخرج بالتصوير هذه المرة من الأستوديو الضيق الى الأزقة الضيقة الشبيهة بتلك التي في بلادي ذات الفضاءات الرحبة . أردت إستقدام حارات العراق الى أوربا، وهذا المستحيل تم تجاوزه بالسفر الى باكو عاصمة أذربيجان، وهناك وجدت الأزقة أضافة الى الشمس التي غرفت من ضوئها الغامر لأنير مشاهد فيلمي " الليلة الثانية بعد الألف" وبطله حذاء (ابو القاسم الطنبوري) الذي يناصب صاحبه النحس والعداء ويتظافر جهد الحذاء في هذا مع جهد الدكتاتور الحاكم وبمباركة ادعياء الدين .. أن توليفة الفيلم ومضامينه تنطبق على واقع ما يعانيه الوطن اليوم ايضا .. لا أعرف لماذا نفضت الغبار عن غلاف هذا الفيلم وأجبرت نفسي قبل فترة على مشاهدته فتأكدت من أن للسينما الصادقة سرا هو ديمومتها. أنهيت الدراسة، توجهت الى الوطن، متسللا في مسيرة مع مفرزة مقاتلة على الإقدام، عبر بلدان مختلفة، للألتحاق بفصائل الأنصار، حيث الكفاح المسلح، الذي أعلنه الحزب الشيوعي العراقي في جبال وسهول كردستان، ومعي كاميرتي السينمائية (16 ملم) لتوثيق التجربة .. صورت هناك آلاف الأمتار، مشاهد لكل مفردات الحركة، وكنت أرسل المادة ?لخام الى أوربا لتحميضها وطبعها، ووصل أغلبها عبر ظروف صعبة .. لكن هجوم بشت ئاشان الغادر دمر كاميرتي، فأستشهدت .. بعدها أتجهت في الجبل للمسرح والعمل الإعلاميي. تواصل هذا حتى الهجوم الكيمياوي عام 1988 فأضطررنا الى هجرة الوطن قسرا من جديد.. وفي المنافي الجديدة صرنا نبحث عن تجارب جديدة .. في سوريا عملت فيلما عن حلبجة الشهيدة (لا أملك نسخة منه، عرض في دمشق بالذكرى السنوية الأولى للمجزرة). أتيت لندن في 1990 وهذه المدينة المتاهة تضّيعك وتصهر كل أحلامك في بوتقة السعي من أجل أن تعيش أنت وعائلتك فتضرب عرض الحائط كل مشاريعك السينمائية وهنا لا بد أن تساوم فترضى بالممكن، تصالحت مع هذه الحالة، فعملت مشاريع صغيرة لم أضع عليها اسمي ( بالمناسبة تواصلت هذه المسألة معي لحد الآن ..)، وعملت خلال هذه الفترة في فضائية الأم بي سي عندما بدأت في لندن وانتقلت معها الى دبي وعملت في كل قنواتها أضافة الى العربية لغاية 2006.. وأستقلت وعدت الى عائلتي .. أمنت لي تلك المشاريع وعملي القرب من الجو السينمائي الذي قادني الى مشروع سينمائي قديم – جديد هو توثيق حركة الأنصار، فبدأته في 2007 بالوثيقة الصفر، حيث ضاعت المادة المصورة مع أرشيف الحزب في أو?با الشرقية بعد إنهيار أنظمتها، وبدأته أيضا بالميزانية الصفر .. وتواصل العمل مع مجموعة من رفاقي الإنصار الذين قدموا أشكال الدعم المادي والمعنوي، فأنجزنا المشروع عام 2012 وكان فيلم " سنوات الجمر والرماد" وهو وثائقي مدته 68 دقيقة يعّرف بحركة الأنصار وهو باكورة مشروع كبير سأنجز الفيلم الثاني منه، نهاية هذا العام، الذي سيكون عن تجربة النصيرات الباسلات في الحركة..أما الطموح والأحلام والتجارب امست في عهدة مستقبل أرنو أليه، لكنه ، وليس لدي وهم، في أنه قد أمسى وراءنا .

الفنان علي رفيق

ولد في بغداد عام 1946، وحصل على دبلوم الاخراج المسرحي من معهد الفنون الجميلة - قسم التمثيل والمسرح عام 1965، ثم من معهد التدريب الاذاعي والتلفزيوني عام 1972، واخيراً حصل على ماجستير بالإخراج السينمائي (الروائي) من معهد الدولة للسينما في اوكرانيا عام 1981. أخرج العديد من الأعمال المسرحية منها "القاعدة والاستثناء" لبرتولد بريشت عام 1965( وكانت العمل البريشتي الاول في العراق)، مسرحية "المفتش العام" لغوغول، مسرحية "طبيب بالكوة" تعريق عن عمل لموليير، "السر" لمحي الدين زه نكنة، "أغنية على الممر" لعلي سالم، "مو?طن بلا استمارة" لحسين عبد الصاحب، "عند الموقد" لناظم حكمت، "الليالي البيضاء" لدستويفسكي وغيرها. من أعماله السينمائية نشير الى كرسي المدير العام – سيناريو واخراج (35ملم)- روائي قصير – ابيض واسود 1979، الليلة الثانية بعد الالف – اخراج – عام 1981، صمود (وثائقي) ابيض واسود 1981، حلبجة المدينة الشهيدة، جمر الكفاح ، بيتاكام عام 1994، لايعرف الحزن ، دي في كام ديجتال عام 2010 وأخيراً سنوات الجمر والرماد – وثائقي سينمائي- عن حركة الانصار الشيوعيين العراقيين 2012، 68 دقيقة.