ادب وفن

حزام النصار.. عطاء مميز، نضال مشهود / نبيل عبد الأمير الربيعي

من خلال الدور المهم الذي يلعبه معلم «درس الفنية» في العملية التربوية في إطلاع التلاميذ على جمالية اللوحة واختلافها من خلال هذا الدرس, إضافة لدوره في تهيئة التلاميذ بمقدمة تُسهم في استنهاض تشوقهم الجمالي للمادة وبأسلوب مناسب وقريب إلى أذهانهم, حيث يُتيح الفرصة أمام معلم المادة المتخصص لاكتشاف المواهب والعمل على تنميتها والأخذ بيدهم وفق أسس علمية رصينة وهذا متأت لما نراه في واقع الحال , مما تقدم نستطيع أن نؤكد أن المعلم هو اللولب الذي باستطاعته تنفيذ كل هذا، لاسيّما إذا كان جادّا ً في عمله، وصاحب رسالة تربوية إنساني، هذا ما كان للفنان حزام عطية الدور في تنمية مواهب الطلاب عند عمله في مدارس العراق قبل إحالته الى التقاعد والسفر والتغرّب بسبب الأوضاع السياسية والأمنية السائدة في العراق.
ولد الفنان التشكيلي حزام عطية لافي النصار في مدينة الناصرية عام 1939, دخل مدرسة الغازية الابتدائية عام 1947 وبسبب تنقل أخيه الأكبر الراحل عبد الرزاق عطية بين مدارس القرى والأرياف, كان يرافقه التنقل حتى أنهى دراسته الابتدائية بين المدارس الريفية, دخل ثانوية الناصرية عام 1955-1956, منذ طفولته كان مولعاً بصنع التكوينات والتشكيلات من الطين والرسم والتخطيطات, وفي إحدى المرات كان أخوه الكبير عبد الرزاق منهمكاً برسم صورة «الملك «فيصل الأول للمشاركة في المعرض الفني وكاد أن يتمها لولا بعض الصعوبة التي جابهته في رسم العينين, فتركها أملاً في انجازها, وبعد عودته من المقهى مساءاً وجد اللوحة قد تمت, وأن العينين قد رسمتا بشكل دقيق, فعرف إن أخاه حزام قد فعل ذلك , إن تشجيع عبد الرزاق لأخيه حزام كان له الأثر الكبير على مواصلته الرسم والاشتراك في المعارض التي تقام في ذلك الوقت , حيث كانت تستخدم أقلام الفحم والباستيل في الرسم , عام 1952 -1953 أقيم معرض للرسوم في الناصرية وكان الفنان حزام في مقدمة الطلاب المتميزين.
لدوافعه الوطنية ومشاركاته في تنظيمات اتحاد الطلبة العام , حيث فصل نهائيا من الدراسة من قبل مدير المتوسطة «جاسم غفوري» وهو في مرحلة الثانوية لاشتراكه مع إحدى خلايا اتحاد الطلبة وصدفة كبسهم مدير الثانوية جاسم غفوري، مدير الثانوية , إلا أن توسط أحد الوجهاء لهُ أدى إلى أعادته إلى مقاعد الدراسة ومن ثم تم نقله إلى مدينة الديوانية , فقبل في ثانوية الديوانية فترة إدارتها من قبل المرحوم «علي البير» وبكفالة المرحوم عواد حاتم الصائغ زوج أخته في مديرية أمن الديوانية الشعبة الخاصة ومديرها المجرم «عبد علي», لكن كاد أن يفصل من الدراسة مرة أخرى بسبب مشاركته التظاهرات والاحتجاجات بمناسبة الاعتداء على مصر ومشكلة قناة السويس عام 1956 ويساق إلى الخدمة العسكرية الإلزامية مع زميل الدراسة ناجح محمد كندلة.
استمر حزام في الاشتراك بالمعارض الفنية , وقد أشرف على تدريبه ورعايته فنياً الفنان طالب نصيف, وظل يمارس هوايتهُ في الرسم وقد اهتم به وعمل على تطوير قابليته الفنان منعم مظلوم الحيدر الذي كان يغذي طلابه بروحه قبل فنه, وبعد أن أنهى حزام دراسته في المتوسطة دخل دار المعلمين الابتدائية عام 1957-1958 في مدينة الديوانية وظل يواصل الرسم بإشراف الفنان المبدع منعم الحيدر, حيث كان معجباً به متوسماً فيه وبإمكانياته و قابلياته العالية في فن الرسم.
بعد قيام ثورة 14تموز 1958 كان أول المتظاهرين مع المرحوم عبد الإله عبد الشهيد تأييداً للثورة وقد رسم صورة قائد الثورة عبد الكريم قاسم ورئيس مجلس قيادة الثورة نجيب الربيعي, وبسبب نشاطه الدؤوب بين أعضاء اتحاد الطلبة العام في المدينة تم ترشيحه لعضوية الحزب الشيوعي العراقي بتاريخ 9-8-1959 حيث استلم بطاقة العضوية, كما شارك ضمن فصائل المقاومة الشعبية.
تخرج الفنان حزام عطية من دار المعلمين الابتدائية عام 1959 وكان الأول على دورته واشترك في جميع المعارض الفنية التي أقيمت في دار المعلمين آنذاك وأعماله كانت تنال المرتبة الأولى وتحصد الجوائز الأولى, وبسبب تفوقه كان مرشحاً أن يكون معيداً في المعهد والحصول على زمالة دراسية لإكمال دراسته إلا أن بسبب توجهاته السياسية فقد حرم منها, وبعد تخرجه أصبح معلماً للتربية الفنية, اشترك في عدة دورات تدريبية في الرسم والنحت والسيراميك والنجارة وفن النحت على الخشب, وبسبب نشاطه السياسي ابلغ عام 1960 من قبل المقربين بأمر إلقاء القبض عليه صادر من شرطة قضاء عفك, مما اضطر للمغادرة والاختفاء في بغداد كونه سكرتير الاتحاد العام لطلبة العراق في دار المعلمين الابتدائية, وبسبب الاعترافات عليه من قبل المنهارين من أعضاء التنظيم, فالتحق في تنظيمات بغداد مع رفاقه «مهدي الحافظ وماجد عبد الرضا وسلوى الجلبي», لكن هذا الاختفاء لم يستمر , فقد قدم الحزب مذكرة إلى الزعيم مرفقة لفضح جرائم التعذيب ضد الموقوفين في عفك, وان سبب عودته الى الديوانية انه التقى بالرفاق داخل حمود وساجد حمادة في بغداد وتذمروا من الاعترافات في عفك فقرر العودة للديوانية ليسلم نفسه ويوقف الاعترافات وفعلا سافر وسلم نفسه في الديوانية فبقي موقوفا 18 يوماً فيها وصمد وأوقف الاعترافات وقد خرج من التوقيف بكفالة, وأثناء مراجعته للتعيين القي القبض عليه مره أخرى من قبل العرف «بلكت», وقد تم تسفيره إلى عفك وبقي موقوفا فيها 15 يوماً انفرادياً, يؤكد الفنان حزام عطية انه أصبح «لقمة بأيدي المفوض عيدان حسن والمعاون الجزائري الجنسية»، لكنه تحدى جبروت هذا المفوض ومعاون الشرطة, بعد أن أطلق سراحه تم تعيينه معلماً في مدرسة الإخلاص «قرية الطاهرة» وباشر يوم 30-10-1960 واعتبر متخلفاً عن أقرانه, ثم انتقل كمعلم إلى مدرسة الأندلس ومديرها المربي الفاضل (فاضل علوان الحلي) ثم رشح مشرفاً لمادة الفنون التشكيلية في تربية الديوانية , و يكمل نصابه في متوسطة الجمهورية والقادسية.
شارك الفنان حزام عطية في انتخابات المعلمين ممثلاً للحزب الشيوعي العراقي في الديوانية ومسؤول لجنة المفاوضات عن القائمة المهنية مع الموحدة سنة 1970 و 1972 مع زميله ناجي خشيفه فتم اعتقاله من قبل مساعد انضباط الفرقة الأولى ومضايقته ومحاربته خلال عمله التعليمي بسبب آرائه وأفكاره الوطنية والتقدمية, وبعد أن أطيح بالجمهورية من قبل حزب البعث وعصابات الحرس القومي في 8 شباط 1963 اعتقل الفنان حزام عطية لمدة ستة أشهر وبعد ذلك اخلي سبيلة واعتقل مرة أخرى بعد حركة الثالث من تموز التي قادها البطل حسن سريع بأيام وبقي أكثر من عشرين يوما وصمد تحت التعذيب وبعد اللقاء معهُ كان يستذكر «استشهاد جبار شبرم أمام عينيه من خلال التعذيب وهو فاقد الوعي وبسبب الضرب المبرح من قبل المجرم صاحب الرماحي على رأسه وأكملها وهاب البكاء في الضرب على بطنه حتى فارق الحياة», كما يستذكر الفنان عن دوره وإشرافه مع الرفيق جبر طواش «أبو عدنان» في التخطيط مع الحزب على تهريب السجناء الضباط «عبد النبي جميل سلمان و قائد المدفعية عبد الملك وثالث لا يتذكر اسمه» سنة 1964 عندما رحلّوا السجناء من سجن نقرة السلمان إلى مستشفى الديوانية لغرض العلاج, ومن المستشفى تمكنوا من الهروب والتخلص من قبضة السلطات والأحكام بحقهم.
في عام 1970 كان عضو اللجنة التحضيرية للقائمة المهنية ورئيس الوفد المفاوض وعضوية كل من «ماضي شهيد وفاضل البغدادي وكريم كميل وعبد الأمير ناصر وهاشم عبهول» مع أعضاء حزب البعث الحاكم حول أسباب تأجيل الانتخابات .
عام 1978 نسب الفنان حزام عطية كأول مشرف للفنون التشكيلية في تربية الديوانية ,وحضر وشارك في مؤتمرات ومعارض قطرية متعددة , حصل على جوائز عديدة , وهو أول من اقترح على وزارة التربية ان يتفرغ معلم الفنية للأعمال وإيجاد مشاغل للسيراميك في المحافظة , وقد عممت التجربة في كل محافظات العراق .
بعد مضايقات عناصر الأجهزة الحزبية والأمنية لهُ طلب إحالته الى التقاعد عام 1985 للتفرغ لخدمة طائفته , ورسمَ لوحات زيتية زينت بها مندى بغداد وهي تمثل شخصيات مندائية وبعض المبدعين المندائيين , ثم انتقل للعاصمة بغداد للعمل كصائغ عام 1989 والسكن في منطقة بغداد الجديدة , فتم ترشيحهُ من قبل عائلته البنكانية رئيساً وممثلاً لها في المجلس الروحاني في العراق , المتكون من رجال الدين والعلمانيين لمتابعة شؤون الطائفة .
بعد عام التغيير 2003 انتخب عضواً للجنة السياسية للطائفة برئاسة الدكتور وليد حميد شلتاغ , فنشط في هذا المجال وانتخب من قبل مجلس أعيان العراق بقيادة أياد جمال الدين أن يمثل الطائفة مع الوجيه الاجتماعي المندائي شكوري فرحان , حتى قابل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي للتمكن من تسجيل اسم الطائفة ممثلة في البرلمان العراقي , وكان ببغداد قبل رجوعه للديوانية عضو اللجنة المختصة في الحزب لشؤون الطائفة بطلب من الشهيد وضاح عبد الأمير «سعدون», وكان الفنان حزام في أول المنضمين للخلايا الحزبية في بغداد الجديدة بعد التغيير, وبعد التغيير طلب الحزب إدارة عدة مسؤوليات لكنه رفض لظرفه الصحي, لكن بسبب التهديدات التي حصل عليها أبناء الأقليات في العراق ومن ضمنها أبناء الطائفة المندائية وبسبب العصف الذي مرّ به العراق من الحرب الطائفية عام 2006 , عادت عائلة الفنان حزام عطية إلى مدينة الديوانية لحماية نفسها من التهديد بالقتل والخطف والتصفية , وقد شارك الفنان في احتفالية 14 تموز التي اقامتها محلية الديوانية للحزب الشيوعي العراقي , فكان له الموقف الشجاع في الرد على هجوم أحد المسؤولين في المحافظة بالاعتداء على اسم الطائفة, كما تعرض للتهديد في المدينة بالتصفية من قبل بعض العناصر التي لا تحترم الأديان, مما فكر الفنان مع عائلته بالهجرة خارج العراق لحماية أنفسهم, فهاجر إلى دمشق, وأصبح مسؤول المختصة المندائية للحزب في سوريا وكان مستمراً في لقاءاته في مقر الحزب في سوريا, ثم رحل إلى عمان لمدة سنتين , ومن ثم طلب الهجرة مع عائلته إلى أميركا جاراً معهُ ذيول الخيبة والتدهور الصحي وعدم القدرة على المشي , حتى أجريت لهُ عدة عمليات منها فتح الشرايين إلى شبكات القلب , فكان يعيش خارج بلده في ولاية ماسوشوستس الأميركية مدينة وستر , وتمكن من الحصول على تأسيس أول مندائية هي جمعية هيمنوثا «أي الإيمان» ليجمع شمل أبناء الطائفة تحت ظل هذه الجمعية في مدينته وعينه على أهله وناسه وحزبه في العراق .