ادب وفن

محمد دكروب / مقداد مسعود

ولدنا معا..»الشارع الطويل»، المجموعة القصصية للأديب الموسوعي محمد دكروب وأنا.. كلانا جاء إلى هذه الدنيا في 1954.. ولكننا لم نلتقِ «الشارع الطويل» وأنا إلا في 1971 والفضل يعود إلى ابن خالتي، طالب الإعدادية المركزية الذي يتفوق عليّ بعشر سنوات من الوعي والالتزام اليساري.. وهو يريني مفتاحا لامع البياض، مفتاحا حقيقيا، أعني مفتاح مكتبته المكونة من أربعة دولاليب من الخشب الهندي البني الداكن.. ذات ضحى سألته: لماذا لا أجد كاتبا شيوعيا في مكتبتك؟ أبتسم وأنا أعيد إليه «الحي اللاتيني» بطبعته الأولى الأنيقة، التي تتأرجح منها رائحة الورق الفاغرة.. ومازلتُ أتذكر «جانين ميترو» عشيقة الطالب اللبناني في باريس.. وأتذكر السطر المدون في قفا الرواية بقلم نجيب محفوظ «رواية الحي اللاتيني تعتبر معلمّا من معالم الرواية العربية الحديثة:.. ومازلتُ أتذكر كيف فتح ابن خالتي الدولاب الأوسط.. وامتدت يده العارفة.. ثم مثل منكاش منقلة النار انعقفت السبابة والإبهام لتسحب كتابا صغيرا أزرق اللون عليه لوحة بيضاء.. ليلتها وكما التهم سندويج السمبوسة من محل «أبو عباس» التهمت المجموعة القصصية.. «الشارع الطويل».. ليلتها شعرتُ بسعادة لا توصف، ليلتها صرت مطمئناً على مستقبل الكادحين من خلال هذه القصص التي أفرحت الولد الذي كنته عبر مجلة «الطريق».. صرتُ أشتريها شهريا، ثم توثقت علاقتي مع ما يكتبه الناقد محمد دكروب.
في منتصف سبعينيات القرن الماضي غمرتنا بالبهجة أصدقائي وأنا، تلك المجلدات الضخمة القادمة من مطابع لبنان: وثائق مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني، وكذلك كراسة بقلم المفكر والناقد اللبناني محمد عيتاني.. «متراس أبي فياض»، أي متراس الحزب الشيوعي اللبناني.. كما أفرحنا كتاب»جذور السنديانة الحمراء» لمحمد دكروب، والكتاب رواية تسجيلية وثائقية تتناول تاريخ الحزب الشيوعي اللبناني من (1924-1931).. وكتاب المفكر مهدي عامل «في التناقض» الذي يعد فتحا في التنظير الماركسي المتصدي لموضة البنيوية وغيرها، ومثلما أشتغل المفكر الشهيد حسين مروّة مجلداته الثلاثة تحت عنوان «النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية» بدءا من المجلد الأول وهو 1024صفحة أنجزه مروّه في حزيران 1978 وصدر عام 1979 عن دار الفارابي.. كانت هناك ورشة أخرى اشتغلت تحت عنوان:»دراسات في الإسلام»، اشترك فيها حسين مروه محمود أمين العالم سمير سعد والناقد محمد دكروب وكان ذلك في 1980 وفي السنة ذاتها صدر للناقد دكروب «الأدب الجديد والثورة».
شخصيا انجذبتُ جدا لكتابه «خمسة روّاد يحاورون العصر» والكتاب دراسة ذات أهمية كبرى للخاصة والعامة، تناول دكروب فيها جهود كوكبة معرفية لن تنسى: أمين الريحاني، مارون عبود، رئيف خوري،عمر فاخوري، جبران خليل جبران..هذا الكتاب قرأته مستنسخا عام 1994..
آخر كتاب وصل البصرة «تساؤلات أمام الحداثة والواقعية/ في النقد العربي الحديث/ دار المدى/ 2001» اقتنيت نسخة من معرض المدى 19/حزيران/ 2004
محمد دكروب كرس عمرا معرفيا لسؤال الحداثة وأنتج مساهمة دؤوبة بجهده المعرفي الكبير، إضافة إلى دوره الفاعل في مجلة الحزب الشيوعي اللبناني»الطريق».
من خلال متابعتي لكتب الناقد دكروب رأيته ليس من نقاد الموضة الرائجة وليس كذلك من المصابين بالدوكما تزم.
أنه يتساءل ليخلصنا من إشكالية النظريات الجمالية أثناء التطبيق، وحسب قوله»هذه الكشوفات في حقيقتها نتاج مجتمعات مختلفة ونتاج مستويات أخرى من الثقافة والحضارة».
دكروب ضد الواقعية حين تحتفي بالمعنى والدلالة وتهمل البنية الداخلية، وهو ضد الحداثي حين ينشغل بتفكيك البنية ويهمل سواها، وهو هنا يطالبنا بالاستفادة من المنجز الإنساني المقترح سهل في صياغته وصعب في تطبيقه ولا يجترح الحداثة في هذا الحقل سوى ناقد مثل محمد دكروب الذي أورثنا معرفة لا تنفى.