ادب وفن

السخرية الحادة والتحريض المخفي في "لوحات كاريكاتيرية لحسون الشنون" / داود سلمان الشويلي

الكاريكاتير هو الفن الساخر والتحريضي من أنواع الفنون التشكيلية، والسخرية التي يحملها هي سخرية مأساوية، أو سخرية ملهاتية "مضحكة "، والمبالغة كذلك في السخرية، لهذا يمكن عدها السلاح الأكثر إمضاء في أي ظاهرة غير سوية، وغير قويمة ، والواقع اليومي عند هذا يكون هو الملهم لذلك.
والصورة التي يقدمها هذا الفن تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية، أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، وذلك بهدف السخرية، أو النقد السياسي أو الاجتماعي.
وفن الكاريكاتير له القدرة العالية على توجيه النقد، أكثر مما تقوم به المقالات والتقارير الصحفية، وهدفه الأساس هو بناء فكر وعقل الإنسان من اجل الوصول إلى واقع أفضل.
إن فن الكاريكاتير هو القدير على إظهار عيوب الأشخاص والمجتمع من اجل إصلاحها وتجاوزها.
وبهذا نرى أن هذا الفن قد اتبع طريقين، الأول بالتشكيل فقط، والثاني بالتعليق مع التشكيل على شكل نكتة أو حوار قصير والذي يظهر المفارقة في الفكرة المراد توصيلها.
الصورة الكاريكاتيرية المقدمة في وسائل الإعلام هي رسالة - تحمل طابع السخرية المبالغ بها - من الرسام إلى المتلقي وهو ابن المجتمع ، ومن هذا فإن الفكرة الكاريكاتيرية الأساسية تنقسم إلى عدة أنواع، منها الأفكار السياسية ومنها الأفكار الاجتماعية.
ورغم أن الكاريكاتير يستخدم البساطة في الرسم لنقل المعنى والمضمون، إلا أن له الدور المؤثر في الدفاع عن قضايا مهمة سياسية واجتماعية في حياة الإنسان.
وبهذا فان هذا الفن استخدم الصورة والكلمة في التعبير عن فكرة ما ليؤثر عميقا في وجدان وفكر وعقل المتلقي.
لهذا، فانه جمع مدهش بين الخيال والواقع من خلال منظور واحد، لهذا فهو الأقرب إلى الإنسان لأنه فن طريف وممتع، وأيضا هو فن الضربة القاضية لريشة فنان من خلال التعبير عن فكرة أو رأي في حركة فنية خفيفة من جهة ثانية.
وحديثنا عن فن الكاريكاتير يستدعي منا الوقوف على ما أنجزه الفنان حسون الشنون من لوحات كاريكاتيرية شكل منها معرضا افتتح مؤخرا في مدينة الناصرية.
أمامنا الآن العشرات من تلك اللوحات الكاريكاتيرية، وسنقوم بدراستها فنيا وأسلوبيا وكذلك فكريا، لنصل إلى الهدف الذي يبغيه هذا الفن، وتوجهه الخاص والعام.
ولأجل الدراسة قسمنا اللوحات التي أنجزها الفنان الشنون الى مجاميع، هي:
* لوحات تنتقد الظواهر الاجتماعية.
* لوحات تنتقد الظواهر السياسية.
* لوحات تنتقد ظواهر الكترونية مجتمعية.
* لوحات تنتقد الانتخابات.
* لوحات تنتقد افعال البرلمان.
* لوحات تنتقد الدوائر والمؤسسات والموظفين.
* لوحات تنتقد الحكومة.
* لوحات تنتقد ظواهر دينية.
* لوحات تنتقد كذب السياسيين؟
* مجموعة لوحات "ابو نعال ".
* مجموعة لوحات " ابو شعليه ".
* لوحات متفرقة.
وعن " انتقاد الظواهر الاجتماعية " يقدم لنا الفنان لوحة لأحد "الذكور" من أصحاب الثروة الحديثة، وبيده مسبحة، ويصعد سيارة فيها أربع من نسائه المحجبات، ويشاهد إحدى النساء وهي سافرة "ملحومة" فيقول لها:" انت اختاري أطلق كم وحده".
توضح لنا هذه اللوحة الازدواجية التي يعيش فيها مثل هذا الحديث النعمة، التي تؤدي الى انفصام الشخصية، والجوع الجنسي ،وهذا هو التخلف الاجتماعي المدان .
أما اللوحة الثانية فتوضح لنا أحلام الفتاة العانس التي فاتها قطار الزواج، والتوظيف على السواء، بسبب الظروف التي يمر بها بلدنا هذا الوقت، تحلم هذه الفتاة بالتعيين، ومن ثم الخطبة، لأن أكثر الخطاب لا يقبلون بفتاة عاطلة عن العمل لأسباب اقتصادية في وقتنا هذا، وتحلم بأن تصبح أما، وحلمها هذا لايتعدى فراشها الذي تنام عليه.
وفي مجموعة لوحات "الانتقادات السياسية" نجد أن هناك لوحة تمثل احد السياسيين يجلس على كرسي مدير عام يدعو ربه ويقول:" يارب يا رب... يطالبون باستقالتي حتى اصعد للوزارة" هذه اللوحة تمثل الكثير ممن طردوا أو اجبروا على الاستقالة أو تمت مساءلتهم، وفجأة يتم تنسيبهم في وظيفة أعلى من الوظيفة التي كانوا فيها.
وفي الظواهر التي أتت بها " التطورات الالكترونية" في الاتصالات والانترنيت هو "الكوامة العشائرية" بسبب هذه الأجهزة والاستعمال الخاطئ لها.
شاب يتحدث مع شابة على الفيس بوك وتخبره أنها من المغرب، إلا أنها تظهر من المدينة نفسها التي يسكن فيها الشاب، اي (بنت ولاية) ، فيطالبون أهلها بفصل عشائري.
مثل هذه الحادثة التي ينتقدها الفنان في لوحته الكاريكاتيرية تحصل دائما بين العائلات بسبب الاستخدام غير الصحيح للتقنية الحديثة، وأيضا تقدم انتقاداً لبعض الأسر التي تضع ابنتهم كطعم لصيد الشباب، للحصول على مكاسب مادية.
ومن مجموعة "الانتخابات" اخترنا لوحتين، احداهما يوضح الرسم فيها الفكرة التي بنى عليها الفنان الرسم الكاريكاتوري، وهي مأخوذة من اغنية الفنان الكبير حسين نعمة "ياحريمة"، فراح الشنون يبني عليها فكرة لوحته وهي صورة للفنان حسين نعمة رافعا اصبعه المصبوغ باللون البنفسجي وهو يغني اغنية "ياحريمه"، لتأسفه لانتخاب هذه الوجوه.
استغل الشنون الأغنية في الرسم الكاريكاتوري ، واسم الفنان حسين نعمة المعروف بين الشعب ليعطي قوة تأثير لرسمه عند المتلقي.
أما اللوحة الثانية فتقدم نقدا للدعاية الانتخابية التي شاعت بين أوساط المرشحين، وتمثل اللوحة التي كتب فيها انتخبوا مرشحكم ابن عم الدكتورة حسنة وعديل ابن خالة الدكتورة وزوج الدكتورة حسنة وأبو أولادها.. وجيران أبو...) فيما تظهر اللوحة شخصا يحمل صورة فتاة ،والاثنان يلبسون النظارات؟
اللوحة تتناص مع واقع حال اغلب المرشحين الذين سودوا لوحات دعاياتهم وكارتاتهم بهذا الهذر .
وهي نقد بناء يعادل في تأثيره بل يزيد عليه لو كتب على شكل مقالة تنشر قي صحيفة لا يقرأها إلا القليل.
في مجموعة "البرلمان" هناك لوحة كاريكاتيرية لعضو البرلمان الذي يعدد انجازاته وهي:" 2622لقاء صحفي، 6620 ظهور على التلفزيون ، 444 سفرة للخارج ، كتابة مذكراتي" وكل الذي أنجزه لم يكن للشعب حصة فيه .
هذا عمل البرلمانيين عندنا ،مثلما كان موقفهم من رواتب الموظفين حيث هناك لوحة رسمها الفنان الشنون توضح ذلك.
تمثل اللوحة رافعتين آليتين احداهما الآلية الكبيرة التي ترفع سلم رواتب الموظفين، والأخرى صغيرة ترفع سلم رواتب البرلمانيين.
المفارقة المضحكة/ المبكية ان الرافعة الكبيرة لم ترفع سلم رواتب الموظفين الا قليلا، فيما الرافعة الصغيرة استطاعت أن ترفع سلم رواتب البرلمانيين أعلى بعشرة أضعاف سلم الموظفين.
يوجه الفنان الشنون نقدا لظاهرة متفشية عند موظفينا ومسؤولي دوائرنا هي الاهتمام بدوائرهم وتزيينها عند زيارة مسؤول كبير، اما لو لم تتم زيارته لتلك الدائرة، فانها تبقى زريبة للحيوانات.
اللوحة تبين احد الموظفين يسأل صاحب مشتل ان كان يؤجر له بعض النباتات لتزيين دائرته لأن مسؤولا كبيرا سيزورهم!.
انه النفاق الحكومي / السياسي بعينه ، واللامسؤولية التي يتحلى بها هذا الموظف المرسل من مديره.
وفي " انتقاد الحكومة " اخترنا ثلاث لوحات ، الاولى عن الفيضانات ، اذ يرسم الفنان لوحة كاريكاتيرية فيها مسؤول يقف على دكتين الواحدة فوق الاخرى وتحيط به المياه من كل جانب ، وهناك شخص وسيارة يخوضون في الماء الذي يصل الى منتصفهما ، و كذلك هناك بطات تسبح وهذا المسؤول يصيح بالمايكرفونات التي امامه : ( وين الفيضان ... المياه حد صدر البطة).
المفارقة الموجودة في قول المسؤول وما تبينه اللوحة ان اي كمية من المياه حتى لو كانت بعمق الف متر فأن الماء سيغطي اسفل صدر البطة .
في الوحة الثانية انتقاد للمسؤولين على السيطرات في تمشية السيارات بدون تفتيش لكي يتسنى لهم الحديث مع اصدقائهم في الهاتف ، العسكري الذي في الصورة يقول في الهاتف ( فرغت السيطرة .. اطلع .. اطلع ..حتى انسولف .. حبي).
في لوحة ثالثة توضح ان رئيس الوزراء ومن شاشة التلفزيون يطلب من الشعب ان : ( اعتبروا ... العشر سنوات بث تجريبي)!!!وكأنه مثل قنوات التلفزيون.
وفي " انتقاده للظواهر الدينية" عند البعض وما اكثرهم من الموظفين ، قدم الشنون لوحة فيها مدير دائرة حكومية قد ترك عمله وراح يصلي ، والمراجعون يصطفون قرب الباب بانتظار ان ينهي صلاته ، مع العلم انه يعمل براتب وعليه ان يصلي خارج الدوام الرسمي كما قال الفقهاء.
هذه عينة من اللوحات الكاريكاتيرية اخترناها لكي نوضح كيفية استغلال هذا الفن والتعامل معه في رصد الظواهر السلبية في المجتمع على كافة اصعدته.
ان اللوحات التي اخترناها في هذه الدراسة كشأن اللوحات الاخرى للفنان حسون الشنون - ارجأنا الحديث عنها من مثل : ( لوحات تنتقد كذب السياسيين، مجموعة لوحات "ابو نعال "، مجموعة لوحات " ابو شعليه "، لوحات متفرقة) الى وقت اخر- تعتمد الرسم واللغة ،والرسم في هذه اللوحات يعتمد الخطوط القوية ، بحيث نحس بعمق اللمسة وحيويتها ، وكذلك يعتني الفنان كثيرا في تفاصيل شخوصه وامكنته ، معتمدا اللونين الاسود والابيض.
ان اعتماد الفنان في الرسم على قوة خطوطه جاء ليؤكد قوة الفكرة وانتقاده للظاهرة السيئة، واستخدامه للونين الاسود والابيض في الرسم هو ابعاد عن البهرجة اللونية ، واعطاء الفكرة الثقل في اللوحة.
اما استخدامه للغة فياتي من حاجة الرسم الى التوضيح المركز، وهذا التوضيح يأتي بشكل حوار بين اثنين ، ان كان حضورهم في اللوحة او كان المتكلم حاضرا والاخر غائباً عن اللوحة وهو الشعب الذي غيب عن المشهد ، فالشخص المتحدث وهو المسؤول دائما يتحدث الى لا شيء ، لان الشعب في واد وهو في واد اخر.