مدارات

فرنسا تستقبل فوز روحاني بحذر لكن بأمل أيضا / حسين كركوش

فوز الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني لم يمر كحدث عابر في فرنسا. فرسميا اعلنت الحكومة على لسان الناطق باسم الخارجية عن استعدادها للتعاون مع الرئيس الإيراني المنتخب وعبرت عن تصميمها للعمل مع شركائها على إيجاد حل دبلوماسي دائم بانتظار ان تقوم طهران بتقديم أشارات ملموسة باتجاه اعادة الثقة وذلك عن طريق احترامها الكامل لقرارات الامم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية.
لن نتوقف كثيرا عند الموقف الرسمي لأن ما من أحد يتوقع أن تكشف اللغة (الدبلوماسية)، في أي بلد كان، حقيقة ما يعتمل داخل صدور أصحاب وصناع القرار. وعلى الضد من (البخل) الدبلوماسي في التعبير فأن مراكز البحوث المتخصصة وكذلك بل خصوصا، كبريات الصحف الفرنسية كانت كريمة في الكتابة عن الحدث الإيراني وخصصت له مساحات واسعة من صفحاتها وشرع بعض منها يتابع مجريات الانتخابات الإيرانية من بدايتها حتى نهايتها. وبعد الإعلان عن فوز الرئيس روحاني استمرت الصحافة الفرنسية بتغطية الحدث وتوقفت عند دلالاته والتمعن في تداعياته المستقبلية، وشارك في الكتابات باحثون وأخصائيون مرموقون بالشأن الإيراني. لكن هذه التغطية الفرنسية للحدث الإيراني لا تخلو، كما قد يجد القراء، من بعض التناقض في الأراء، وسبب ذلك هو تعقيد الوضع الإيراني ذاته.
وقد يكون سبب هذا الاهتمام رغبة فرنسا (الاشتراكية) أن تجد في الرئيس الإيراني (الإصلاحي) الجديد بصيص ضوء ينير النفق الذي دخلته العلاقات الإيرانية الغربية، والعلاقة الفرنسية الإيرانية منذ سنوات طويلة، بسبب عوامل عديدة مختلفة ومتراكمة منها الملف النووي، وزادت عتمة النفق خلال فترتي حكم الرئيس الإيراني المحافظ المتشدد محمود نجاد والفرنسي اليميني المتشدد نيكولا ساركوزي.
زيارة رئيس الوزراء الأسبق ميشيل روكارد لإيران
بصيص الضوء الذي نعنيه كانت فرنسا (الاشتراكية) قد رغبت أن تراه حال فوز الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند. فبعد مرور ساعات على فوز الرئيس هولاند في العام الماضي وحتى قبل أن يستلم رسميا مهماته داخل قصر الإليزيه قام رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق ميشيل روكارد( كان رئيس وزراء فرنسا من حزيران 1988 إلى أيار 1991 خلال حكم الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران) بزيارة (شخصية) للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الرابع عشر من شهر أيار عام 2012. ورغم أن روكارد أكد على الطابع (الخصوصي) لزيارته إلا أنه استقبل من قبل المسؤولين الإيرانيين كما يستقبل أي مبعوث رسمي عالي المستوى، وحظي بمقابلة وزير الخارجية علي أكبر صالحي وقتذاك، وسعيد جليلي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي ومسؤول مفاوضات الملف النووي. وعندما عاد روكارد لباريس استقبله الرئيس المنتخب هولاند في قصر الإليزيه وسط انتقادات شديدة من أنصار الرئيس المنصرف ساركوزي وترحيب، ولو غير معلن، من قبل (بعض) الأوساط في الحزب الاشتراكي التي كانت ترى في سياسة ساركوزي المتشددة إزاء إيران انحيازا فرنسيا لإسرائيل على حساب المصالح الفرنسية. لكن هذا لا يعني أن اليمين الفرنسي لا يبالي في تحسين العلاقات مع إيران، ففرنسا بيمينها ويسارها، شأنها شأن الدول الغربية الأخرى، تنظر لإيران، بغض النظر عن نوع النظام القائم سواء كان إسلاميا ام لا، كبلد مسلم لكن غير عربي، يهمه تحقيق مصالحه القومية حتى إذا تعارضت أحيانا مع المصالح العربية. وغالبا ما يذكر الفرنسيون الزيارة التي قان بها شاه إيران المسلمة لفرنسا عام1961 وزيارة الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول لإيران في أكتوبر عام 1963 في وقت كانت فيه فرنسا تعاني آنذاك من كراهية وعزلة شديدتين على الصعيدين الإسلامي والعربي بسبب القضية الجزائرية. وعندما كان نظام صدام يترنح خلال الحرب العراقية الإيرانية أرتضى زعيم الثورة الأمام الخميني، مدفوعا بالدفاع عن مصالح إيران القومية، أن (يتجرع كأس السم)، عندما اقتضت المصلحة القومية الإيرانية، ويوافق على وقف الحرب، ويدع صدام يتنفس الصعداء ويستمر في ذبح (الأشقاء) العراقيين الشيعة، وفقا للخطاب الرسمي الإيراني وقتذاك.
فرنسا تودع الرئيس نجاتي بأرتياح
الآن ها هو رئيس إيراني معتدل يصل للحكم، هل تبقى العلاقات الفرنسية الإيرانية كما هي، أم تتقدم للأمام ؟
في اللحظة التي كان فيها الناخبون الإيرانيون يتوجهون نحو صناديق الانتخابات وكان فوز روحاني ما يزال رجما في الغيب، خصصت صحيفة (لوموند) الفرنسية، واسعة الانتشار وصاحبة الحظوة النافذة عند النخب وصناع القرار في فرنسا، صفحة كاملة في عددها الصادر بتاريخ 14/6/2013 تصدرتها صورة كبيرة للرئيس المنصرف محمود أحمدي نجاد، يقف فيها أمام كراسي فارغة داخل قاعة في القصر الرئاسي في طهران وعلى وجهه ابتسامة بلهاء، وتحت هذه الصورة ذات الدلالة الرمزية ظهر عنوان المقال وهو ( سقوط رجل واهم)، جاء في جملته الأولى: (إن نهاية ولاية أي حكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالذات غالبا ما يكون لها طعم الدم ومرارة التسليم بالخسارة المحتمة، ومحمود احمدي نجاد لم يشذ عن قاعدة هذه الثورة "الإسلامية في إيران" التي ما تزال تستمر في التهام أبنائها الواحد بعد الآخر بما في ذلك الأكثر طاعة لها.) وألقى مقال (لوموند) باللائمة على نجاد ووصف سنوات حكمه بأنها (الكارثة بعينها) و (الأكثر مرارة)، وقال ما من رئيس إيراني تجرع الذل مثلما تجرعه نجاد على أيدي الجهات الإيرانية الأعلى. وورد في المقال أن نجاد أفقر الطبقات الوسطى والشعبية، وتحول إلى أداة طيعة بيد المرشد خامنئي لتصفية الإصلاحيين بدون أي شفقة، وضمانة شعبوية لنظام حكم يصر على التفريط بشعبيته، ولم تشفع لنجاد كل مظاهر التواضع الذي حرص على الظهور به خلال سنوات حكمه. وتحدث مقال (لوموند) كيف أن نجاد أصبح مولعا بالسلطة وبالمال وباللهث وراء الولايات المتحدة للحصول منها على اعتراف بدوره، وكيف شرع نجاد منذ نهاية عام 2009، ولكن بدون جدوى، أن يحكم سيطرته على الموارد النفطية وأجهزة المخابرات ويبعث سرا بمبعوثين إلى واشنطن. وبعد مرور ثمان سنوات، يقول المقال، فأن المحصلة النهائية هي أفقار إيران وتراجع معدلات تصدير النفط، بعد أن هبطت العوائد النفطية الإيرانية تقريبا إلى النصف عام 2012 مقارنة بما كانت عليه الأمور في السنوات السابقة، وانهيار العملة الإيرانية التي وصل تراجع سعرها إلى 75 في المائة وهبط أنتاج النفط إلى سبعمائة ألف برميل في شهر نيسان، وهو أقل انتاج للنفط منذ بداية تأسيس الجمهورية عام 1979 . وهذا كله ترافق مع تراجع صناعة السيارات في إيران إلى النصف.
فرنسا تضررت كثيرا بسبب العقوبات المفروضة على إيران
مفهوم، أن فرنسا عندما تتحدث بصوت عال فأنها تتحدث كدولة أوربية ضمن الاتحاد الأوربي، وكحليفة تقليدية للولايات المتحدة. لكن لفرنسا، مثل أي دولة آخرى غيرها، صوتها الهامس، أي الحديث عن مصالحها القومية الخاصة بها والتي قد تتعارض، أو لنقل لا تتطابق بالضرورة مع الرؤية الأميركية للعالم. في مقدمة هذه المصالح هي الصادرات الفرنسية لإيران التي تضررت كثيرا بسبب العقوبات المفروضة على إيران. ولهذا، لم يكن من المفاجئ في فرنسا أن يتزامن الإعلان عن فوز الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني مع فتح ملف، يبدو وكأنه أخرج توا من الأدراج بعد أن كانت فرنسا قد نسته منذ فترة طويلة، هو ملف العلاقات التجارية والخسارة المستمرة التي تتعرض لها فرنسا جراء تراجع مبيعاتها لإيران بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها نتيجة الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني. وبدأت الصحافة الفرنسية تتحدث عن (خسارة ) فرنسا وتقارنها ب(الربح) الذي ظلت الولايات المتحدة تجنيه من صادراتها التجارية (السرية) لعدوتها إيران رغم أن أميركا هي مايسترو العقوبات ورافعة لواء محاربة إيران، وتوشك الصحافة الفرنسية أن تقول: يا لغفلتنا، يدفعوننا لمقاطعة إيران ويستمرون هم بتصدير بضاعتهم لها ! وهم على حق. فقد تضررت فرنسا اكثر من غيرها بسبب العقوبات، فبينما كانت فرنسا تعتبر الشريك التجاري الرابع مع ايران اصبحت الان الشريك الخامس عشر. ولم تتغير هذه الصورة خلال سنوات حكم الرئيس ساركوزي الذي كان مندفعا في ما يخص موقفه ضد ايران. وكانت صادرات فرنسا لإيران قد تراجعت منذ عام 2005 من ملياري يورو إلى 800 مليون بنسبة تراجع قدرها 70 في المائة. وفي مقابل ذلك ورغم المقاطعة الأميركية فأن الصادرات الاميركية لإيران زادت 50 في المائة، بشكل غير معلن، خصوصا في حقل الحاسوب والمشروبات غير الكحولية والمنتجات الصيدلانية.
روحاني دبلوماسي حاذق
بعد إعلان نتائج الانتخاب وفوز الرئيس الجديد حسن روحاني وفي عددها الصادر بتاريخ 18/6/2013 عادت صحيفة (لوموند) ذاتها فخصصت أيضا صفحة كاملة تصدرتها صورة كبيرة لروحاني وهو يبتسم بثقة وباطمئنان وخلفه أطار أفق ممتد ومفتوح، وبعد ذلك عنوان المقال ( الملا الدبلوماسي) "الملا تستخدم هنا رديفا لمفردة رجل الدين المعمم وليس، بالضرورة، بمعنى الإساءة". توقف كاتب المقال عند مهارة وحذاقة روحاني الدبلوماسية ودهائه، ووصفه بأنه رجل (يذبح بالقطنة). ورغم أن المقال استبعد أن يصبح روحاني (غورباشوف جديد) ينفذ بروستريكا على الطريقة الإيرانية أو يقود انقلابا تحديثيا جذريا يطال الأسس التي يقوم عليها نظام ولاية الفقيه، إلا أن المقال لم يستبعد أن يحقق روحاني تغيرات داخلية وأن ينجز انفراجا في العلاقات الإيرانية الغربية دخولا من باب الملف النووي.
ونقل كاتب المقال عن دبلوماسيين غربيين كبار عرفوا روحاني عن قرب خلال المفاوضات حول الملف النووي، قولهم: إن انتخاب روحاني يعتبر حدثا إيرانيا كبيرا.
وقال الدبلوماسي والباحث الفرنسي المختص بالشأن الإيراني فرانسوا نيكولوند لصحيفة (لوموند) أن روحاني هو الذي أبدى ليونة بشأن الملف النووي خلال المفاوضات السابقة وهذا يعني أن روحاني ليس هو الرجل الذي سيعجل في صنع القنبلة النووية الإيرانية.
الانتخابات الإيرانية نجاح لأطراف متناقضة
وفي مقال منفرد نشره في 19/6/2013 رأى فرانسوا نيكولوند نفسه، الذي سبق له أن عمل سفيرا لفرنسا لمدة خمس سنوات في طهران وألف كتابا عن تجربته هناك عنوانه (العمامة والوردة) ، أن الانتخابات الإيرانية الأخيرة والنتيجة التي أفضت إليها حققت ثلاثه نجاحات. الأول هو، نجاح العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. فبالرغم من أن هذه العقوبات لم تنجح، مثلما كان يأمل واضعوها، في إسقاط النظام الإيراني برمته، إلا أنها ساهمت في خلق حالات من اليأس والإحباط عند المواطنين الإيرانيين دفعتهم للبحث عن أحداث تغيير داخلي وتمثل ذلك في انتخاب الإصلاحي روحاني. والنجاح الثاني، وفقا للدبلوماسي الفرنسي، تمثل في استفادة النظام الإيراني، بكل مؤسساته، من الدرس الذي خلفته احتجاجات عام 2009 بعد شيوع عمليات غش وتلاعب في نتائج الانتخابات وقتذاك. فالمرشحون الثمانية الذين قدمهم النظام لانتخابات هذا العام كانت محاولة منه للظهور بمظهر ديمقراطي وتعزيزا للمصداقية وللشرعية التي كان قد فقدهما داخليا وعالميا. والنجاح الثالث هو ذاك الذي حققه الشعب الإيراني المتمثل في إصراره الذي لا يقهر على نيل الديمقراطية وأمله بوجود دولة مدنية حديثة. وأوضح نيكولوند أن القول بأن رئيس الجمهورية لا حول له ولا قوة وأن المرشد خامنئي هو وحده من يقرر مصير البلاد، وأن الأمور لن تتغير إلا برضاه هو تبسيط كبير للأمور.وما يقوله نيكولاند صحيح. فلا المحافظون كتلة صلدة جامدة، ولا الأصلاحيون كتلة واحدة متماسكة وكلية الانسجام. المحافظون والاصلاحيون مصطلحات سياسية (نظرية) تخفي وراءها مصالح متضاربة ووجهات نظر مختلفة حتى داخل المعسكر الواحد. ناهيك عن أن المجتمع الإيراني متطور جدا مقارنة بين مجتمعات المنطقة وتحتل فيه المرأة، تاريخيا، دورا بارزا ومهما. وكما يرى بعض المعلقين الغربيين فأن (الحجاب) الإيراني المفروض فرضا لا يكشف الحقيقة كلها بل يحجب خلفه مجتمعا إيرانيا حديثا ومتطورا. وما حدث في عام 2009 من احتجاجات في الشارع الإيراني يكشف مدى استعداد الإيرانيين خصوصا النساء والشباب لإحداث تغيير. وما مظاهرات الفرح التي تم التعبير عنها حال الإعلان عن فوز روحاني الا اعادة تأكيد لرغبة الإيرانيين ولحماستهم التي عبروا عنهما عام 2009 واللتان ما تزالان في قمة اشتعالهما. ويبدو أن الرئيس المنتخب روحاني على وعي بما تريده قاعدته الانتخابية وتطالب به الفئات الحضرية وخصوصا شريحتا الشباب والنساء. ونقلت صحيفة ليبراسيون اليسارية عن روحاني قوله (لن اسمح مطلقا بعد الآن ان تحدث مضايقات للفتيات في الشوارع الإيرانية) من قبل حرس الثورة. ويروي مراسل (ليبراسيون) بأنه شاهد لحظة الاعلان عن فوز روحاني مشاهد في شوارع طهران لم تعشها العاصمة الإيرانية منذ الثورة الايرانية في 1979، خصوصا الاحتفالات المختلطة بين النساء والرجال.
حبا بروحاني أم بغضا بحكم المرشد ؟
يرى محللون غربيون أن قسما كبيرا من الذين صوتوا لروحاني إنما صوتوا ضد حكم المرشد، مثلما كانوا قد وقفوا مع الرئيس الأسبق خاتمي. انهم صوتوا بطريقة (الصوت النافع أو ما يسميه الفرنسيون VOTE UTILE) بمعنى انهم لم يصوتوا حبا بروحاني ومراهنة على قدرته في إحداث معجزات، وإنما فعلوا ذلك لعدم وجود مرشح ديمقراطي ليبرالي يلبي مطالبهم بالتمام. لقد صوتوا لروحاني طلبا منهم لإحداث دينامية جديدة تحرك جمود النظام السياسي القائم، وقد تفتح طريقا لإحداث دينامية اجتماعية ثقافية. وتقول صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية اليسارية المعارضة في عددها بتاريخ 18/6/2013 بأن فوز روحاني يأمل وراءه الذين انتخبوه أن يساهم في نهاية المطاف (بأضعاف المرشد ويكون بداية لاندلاع معركة، رغم انها غير مؤكدة، ستشهدها طهران، ومن المحتمل ظهور مفاجآت على الصعيد السياسي والدبلوماسي.)
هل ستدشن إيران مرحلة (روحانية) أم أن المرشد سيحول مشاريع روحاني إلى أوهام (خاتمية) ؟
لكن هذا كله لا يعني، في رأي المحللين الفرنسيين، أن روحاني وصل للحكم وبيده عصا سحرية سيحركها فتتغير الأمور رأسا على عقب. صحيح أن فوز روحاني أشاع نفحة من الأمل لكن الجميع يعرف أن مرشد الثورة سيفعل ما في وسعه، بحكم صلاحياته ضمن تراتبية نظام ولاية الفقيه، لإطلاق عواصف عاتية لإطفاء هذا الأمل إذا تيقن أن روحاني سار أبعد مما ينبغي في طريق الإصلاحات. وهم يستشهدون بعجز الرئيس السابق خاتمي عن تحقيق إصلاحات جذرية. أضف لذلك أن روحاني ليس كخاتمي، فروحاني تلميذ مخلص للمرشد خامنئي وقريب جدا منه. وتقول صحيفة ( ليبراسيون) اليسارية ان روحاني سيكون اداة يستخدمها المرشد لتحقيق أهداف كثيرة، فهو سيهدىء الجبهة السياسية الإيرانية الداخلية التي اضطربت بعد انتخاب نجاد لولاية ثانية وما اعقبها من احتجاجات ضد ما قيل من عمليات تلاعب وغش، وسيهدىء الجبهة الخارجية بانتهاجه سياسة تفاوضية مرنة في ما يخص الملف النووي، وربما ستساعد هذه الجهود كلها على تحسين الوضع الاقتصادي المتردي باستمرار. وعلى أي حال، إذا اراد روحاني أن يخفف من عبء العقوبات الاقتصادية التي زادت من عدد الفئات الساخطة على النظام فليس أمامه غير طريق واحد هو إيجاد طريق آخر غير طريق نجاد ليسلكه عندما سيتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي. وعندما سيتوصل الطرفان إلى اتفاق مشترك بخصوص الملف النووي فان الطريق سينفتح نحو التفاوض حول ملفات آخرى وفي مقدمتها الأوضاع داخل العراق والموقف في سوريا، وسينعكس ذلك على الوضع الداخلي الإيراني. فبعد أكثر من ثلاثين سنة من العداوة بين امريكا وإيران وبعد سنوات من فرض العقوبات وصلت الامور إلى طريق مسدود: لا النظام الايراني على وشك السقوط ولا الولايات المتحدة على وشك التخلي عن موقفها المتشدد ضد طهران.
والحل؟ تسوية يتقدم من خلالها كل طرف إلى منتصف الطريق. وتسوية كهذه سيستفيد منها أكثر النظام الإيراني. إذ ما نفع القوة العسكرية عندما تصبح عبئا على النظام وتحدث قطيعة بين النظام وبين الشعب. وهل حمت القوة العسكرية النووية اتحاد السوفيتي من انهيار، وهل حمت نظام صدام حسين من السقوط، وهل منعت القوة العسكرية مبارك والقذافي من الاستسلام للأمر الذي وقع في بلديهما ؟ والأكثر خصوصية من هذا كله، هل حمت القوة العسكرية والأجهزة الأمنية المتنوعة والضاربة نظام الشاه السابق وحالت دون سقوطه ؟ وفي هذا الصدد يستشهد محللون فرنسيون بما قاله محسن رضائي اثناء مناظرات الانتخابات الأخيرة: (بلادنا واحدة من أعظم القوى في المنطقة وصواريخنا تصل إلى آلاف الكيلومترات، ومع ذلك فليس بمقدور مواطنينا الحصول على دجاجة يطبخونها.) وإذا كان رضائي أبن النظام وأحد أركانه يقول كلاما كهذا، فماذا يقول رجل الشارع الإيراني ؟ وماذا سيقول الإيرانيون إذا ظلت العقوبات وتدهورت الأوضاع واستمر التشدد داخليا وخارجيا ؟