مدارات

كتاب جديد عن سيرته .. هل ما يزال ماركس يحتفظ براهنيته؟

لندن – "طريق الشعب"
صدر مؤخراً كتاب بعنوان "كارل ماركس: حياة في القرن التاسع عشر"، يتناول سيرة حياة هذا المفكر العظيم الذي عاش في عصر يختلف كثيراً عن عصرنا الحالي.
مؤلف الكتاب هو جوناثان سبربر، بروفسور التاريخ الاوروبي الحديث في جامعة ميسوري في الولايات المتحدة. ويمتاز بامتلاكه ثروة من المعلومات حول التاريخ الاوروبي، وخصوصاً الالماني، في القرن التاسع عشر.
ويطرح عرض للكتاب نشرته صحيفة "الغادريان" البريطانية (ايار 2013) التساؤل عن مدى راهنية افكار ماركس في مطلع القرن الحادي والعشرين. ويشير الى ان الكثير من سمات المجتمعات الحالية بدأت تتبلور في القرن التاسع عشر، وان التأمل براهنية افكار ماركس يمكن ان يبدأ بفصل ما شاخ منها عن تلك التي يمكن ان تتطور في الوقت الحاضر. ومن بين ما يمكن تطويره (حسب عرض الصحيفة) ثلاث أفكار:
الأولى، هي فكرة أن المفاهيم الفكرية والحركات السياسية التي تجسّدها ترتبط على نحو وثيق بالمصالح الاقتصادية الجمعية والبنى الاجتماعية، وهما ما اطلق عليهما ماركس "القاعدة" و"البناء الفوقي". وقد طوّر ماركس هذا المنهج في التحليل لتفسير الاشكال المختلفة للنظام الملكي في فرنسا في اربعينات القرن التاسع عشر. لكن من الواضح ان هذا المنهج يصلح ايضاً لفهم الحياة السياسية المعاصرة بما تنطوي عليه من صدام بين رؤى سياسية متعارضة بقوة ويبدو من الواضح تماماً انها مرتبطة بمصالح اقتصادية او بفئات اجتماعية. وقدمت معركة الانتخابات الرئاسية الامريكية الأخيرة، والجدل خلالها حول الـ 1% من السكان الذين قالت حركة "احتلوا وول ستريت" انهم يسيطرون على ثلث ثروة البلاد وفي المقابل ادعاء المرشح الجمهوري ميت رومني ان 47% من السكان لايدفعون ضرائب، مثالاً جيداً على ذلك. وهناك ايضاً، كمثال آخر، الجدل حول سياسات التقشف في بريطانيا والاتحاد الاوروبي التي تُعرض باعتبارها ديون الحكومة، بينما يتعلق هذا الجدل في الواقع بأية فئات اجتماعية ستتحمل عبء اكلاف إعادة الهيكلة الاقتصادية.
الفكرة الثانية، هي أن تبادلات السوق الحرة، الطوعية ظاهرياً، تتضمن في داخلها عناصر من الهيمنة والاستغلال. كانت هذه العناصر واضحة تماماً في بداية عصر التصنيع في بريطانيا: عمال النسيج الجائعون الذين كانوا يكدحون 14 ساعة يومياً في مصانع النسيج في اجواء حارة خانقة ومشبعة بالغبار. في الوقت الحاضر، اصبحت مثل هذه العناصر أقل وضوحاً في البلدان الأكثر ثراءً (رغم انها ما تزال متجلية بوضوح في بنغلادش، على سبيل المثال). لكن نتائج ثلاثة عقود من السياسات التي تمجّد تبادلات السوق، وتتجاهل آثارها السلبية، تجعلنا نتعامل مع فكرة ماركس العميقة بصورة اكثر جدية.
الفكرة الثالثة هي إدراك أن اقتصاد السوق الرأسمالي لم يكن نظاماً يقوم على التنظيم الذاتي بشكل تلقائي، بل انه بالأحرى يدخل بصورة دورية في فترات من الانهيار الذي يسببه النظام ذاته. وقد أطلق ماركس على هذه الفترات تسمية "الأزمات". اما في الوقت الحاضر فان الحكومات تستخدم لتوصيفها تعبيراً مخففاً: "فترات ركود". وآخر هذه الفترات، التي بدأت في 2007-2008، تستحق ان يطلق عليها "الأزمة" أخذاّ بالاعتبار شدتها واستمرارها وتأثيرها العالمي.
في مؤلف "رأس المال" يقدم ماركس عدداً من التفسيرات لتكرار حدوث هذه الأزمات. وأكثرها إثارة للاهتمام (حسب عرض "الغارديان" للكتاب) يرجع الى الفترة التي كان فيها ماركس مراسلاً لشؤون المال والاعمال لصحيفة "نيويورك تريبيون" في خمسينات القرن التاسع عشر، وكانت تعتبر آنذاك أكبر صحيفة في العالم. فعندما تناول الأزمة في 1857، التي تعتبر عموماً أول ركود اقتصادي على مستوى عالمي، ركّز ماركس اهتمامه على سياسات مصرف "كريدي موبلييه" الفرنسي، وهو أول مصرف استثماري في العالم. ولفت الانتباه الى ان نظام المصرف كان يسمح له باقتراض ما يصل الى 10 أضعاف رأسماله، ثم يستخدم هذه الأموال لشراء أسهم او تمويل العرض العلني لأسهم شركات السكك الحديد والشركات الصناعية الفرنسية، ليزيد بذلك الانتاج بمستوى كبير. ولكن عندما لم يعثر المصرف على مشترين للانتاج المتوسع، اكتشف أن الأسهم التي التي كان قد اشتراها قد انخفضت قيمتها، مما جعل من الصعب ان يعيد تسديد قروضه. واذا استبدلنا "كريدي موبلييه" بمصرف "ليمان براذرز" الامريكي (الذي أعلن عن إفلاسه في ايلول2008 بسبب الخسارة التي حدثت في سوق الرهن العقاري) او البنك الايرلندي - الانكليزي (الذي أنقذته الحكومة الايرلندية من الافلاس إثر الازمة الاقتصادية العالمية بتأميمه في2009)، واذا استبدلنا شركات السكك الحديد والشركات الصناعية الفرنسية بشركة "نيفادا" او شركات العقار الايرلندية، ستتوفر لدينا صورة معقولة عن أحد الأسباب الرئيسية وراء الأزمة المالية الأخيرة.
هكذا، حسب عرض صحيفة "الغارديان" لهذا الكتاب الجديد عن سيرة حياة ماركس، ما تزال الافكار والتحليل العميق الذي قدمه في القرن التاسع عشر يحفز التفكير بشأن القرن الـ21.