مدارات

دفاعا عن النقابات العمالية الأمريكية مع المحامي مارك حنا* / كمال يلدو

بالرغم من أن دهورا قد انقضت منذ أن اجترح العمال الأمريكان مآثرهم البطولية في إضراب عمال معمل "ماكورمك ـ شيكاغو عام ١٨٨٤" وقدموا الشهداء، وانبثقت بعدها النقابات العمالية، لتواصل النضال من اجل تحقيق شعار الثماني ساعات عمل، وتضمن حقوق العمال في العمل والعناية الصحية والتقاعد والتعويض في حالات الحوادث. فان الشركات الرأسمالية وممثليها في مجلسي النواب والشيوخ، والكثير من رجال القانون والإعلام لم يألوا جهدا في الهجوم على النقابات العمالية وانتزاع الحقوق التي حققتها للعمال طوال عقود من التضحيات والنضال، ولا تبدو في الأفق بوادر انفراج لهذا الصراع، بل من المؤكد أن هناك عملا متواصلا لإنهاء أي دور?للعمل النقابي المنظم، وترك مصالح الشغيلة دونما جهة أو قوة تتمكن من الدفاع عنها، أي (الإنفراد بالخصم حتى إنهائه) من وجهة نظر أصحاب العمل في أقل تقدير.
في هذه الأجواء المتأزمة، وعشية احتفال شغيلة العالم بمناسبة عيد العمال العالمي كان هذا اللقاء مع المحامي الشاب السيد مارك حنا المختص بالدفاع عن قضايا وحقوق النقابات العمالية والشغيلة في مواجهة الشركات الكبرى وأرباب العمل ويبدأ كلامه بالقول: بدءاً لابد من تقديم التهنئة لكل شغيلة العالم في عيدهم الأغر، وأشارك أفراح النقابات والشغيلة الذين تمكنوا من انتزاع حقوقهم المشروعة والعادلة في كل أرجاء العالم، وأتضامن مع حركاتهم التي تواصل النضال للوصول الى هذه الحقوق. أما الحديث عن النقابات العمالية الأمريكية وحقو? العمال وما آلت إليه القوانين الأخيرة، فلابد من العودة قليلا إلى أهم القوانين التي تنظم العلاقة بين أرباب العمل والعمال (ممثلين بنقاباتهم) وهو : قانون العمل الوطني الذي وقعه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام ١٩٣٥ عشية خروج البلد من الكساد العظيم ، ويختصر ب (NLRA) والذي ضمن حق العمال في التنظيم داخل النقابات، ومنحهم الحق في مناقشة الأجور وظروف العمل (Bargain)، لكن مع مرور الوقت تمكن أصحاب العمل من الالتفاف عليه وتجريده من محتواه، للدرجة التي وصلت إلى حد فصل العمال الذين يخططون لتشكيل النقابات. أما القانون الدولي وخاصة ذاك المتمثل ب (المنظمة العالمية للعمل ILO) فأن قوانينها غير ملزمة في المحاكم الأمريكية.
بعد هذه المقدمة ، يتطرق المحامي مارك إلى القوانين الموضوعة لحماية العمال فيقول: بالرغم من أن قانون العمل الوطني مصاب بالشلل، إلا أن قوانين حماية العامل (كفرد) موجودة وفاعلة وفي اقل تقدير تحت بند (القوانين المدنية)، فعلى سبيل المثال: يعتبر مخالفة للقانون اذا قام رب العمل بفصل العامل بسبب (العمر) أو (الجنس) أو (العرق والدين)، أما العمال الذين يتعرضون للإصابة أثناء العمل فالقانون يجيز تعويضهم بالمال والتأمين الصحي وبحسب قرار المحكمة النهائي. لكن المشكلة تبقى قائمة في حق رب العمل بالاستغناء عن خدمات العامل متى?ما شاء وأراد، وهذا الأمر لم يكن ليحصل في حال كان العمال منتظمين بنقابات تدافع عن مصالحهم. لكن لو ثبت أن رب العمل قد خالف قوانين العمل، فأن المحاكم عادة ما تقوم بتعويض العمال عن الضرر المادي وحتى النفسي .
وللوقوف على حقيقة العمل النقابي في الولايات المتحدة الأمريكية كان لابد من التعامل بلغة الأرقام فيجيب المحامي مارك بالقول:
هناك عاملان جوهريان في أسباب تراجع العمل النقابي في الولايات المتحدة، في المقدمة منها يأتي الالتفاف على مواد قانون العمل الوطني (NLRA) والثاني في استشراس موقف أرباب العمل والشركات في محاربة النقابات العمالية، وبكل ألم أقول أن حجم العمال الممثلين في النقابات يصل الآن ٧ بالمئة مقارنة مع نسبة ٣٥ بالمئة في أواسط الأربعينات، ويكمل الحديث مضيفا: إن أزمة العمل النقابي وتمثيل العمال وصلت إلى أوربا أيضاً، إذ يتدنى مستوى هذا التمثيل نتيجة ضعف النقابات، ومحاربة الشركات لها ، وترحيل معظم الشركات الكبرى إلى الدول النامية حيث قوانين العمل (في إجازة)، ناهيك عن نتائج سياسة العولمة التي تدر الأموال على الشركات، والكوارث على الناس!
لكن المصيبة لا تتوقف هنا يقول المحامي مارك: إن معظم العمل النقابي موجود الآن في الصناعات الآيلة للزوال أو المهددة بالانقراض، إضافة إلى أن هؤلاء النقابيين هم أصلاً من كبار السن، وهم علاوة على ذلك موجودون في مدن قديمة (شائخة) وليس في المدن المستحدثة والقابلة للعمران والتطوير.
أما بالعودة الى حقل اختصاص المحامي مارك فكان لابد من التوقف أمام أهم القضايا والمواضيع التي تسيطر على جوانب المباحثات بين النقابات وإدارات الشركات الكبرى فيقول: لعل قضايا "الأجور" و"التأمين الصحي" و"الحقوق التقاعدية" تأتي دائما في مقدمة إي مباحثات أو حوارات بالرغم من أن فرص النجاح عادة ما تكون محدودة، لكن مع انفراج الأزمة الاقتصادية وانخفاض نسبة العاطلين عن العمل، فأن الآفاق في الحصول على المزيد من المكتسبات للعمال تبدو أكثر رحبة.
وبالمقابل أردت أن اعرف المزيد من المحامي مارك عن (قانون حق العمل) فأجاب: انه واحد من اخطر القوانين التي تستهدف النقابات وكل الحقوق المكتسبة للعمال على حساب الأجور والضمان والتقاعد وحتى السلامة الشخصية، وللأسف أن الظروف الاقتصادية السيئة وارتفاع نسب البطالة هما البيئة الملائمة لمثل هذه القوانين الرجعية.
أما عن تأثير الأداء الضعيف للنقابات العمالية على حياة العمال والوضع العام، فيجيب المحامي مارك: إن وجود النقابات يسهم كعامل أساسي في الحفاظ على موازين العدالة والتكافؤ في المجتمع أو في تخفيف نتائجها الوخيمة. وبالحقيقة، إن الولايات المتحدة تشهد منذ ١٠٠ عام حالة تصاعدية في ازدياد نسبة الفوارق الطبقية في المجتمع، فالأغنياء يزدادون غنى، والفقراء يمرون بأزمات متكررة ومتعددة، وقد اسهم التطور التقني في الإنتاج للأعوام الثلاثين الأخيرة ، في خلق تضخم بأرباح الشركات مقابل ازدياد نسب البطالة والفقر والجوع . إن انعدام?هذا التوازن (الهش) يشكل خطرا كبيرا على المجتمع الذي يبغي الاستمرار التصاعدي بشكل طبيعي، ليس فقط لهذا الجيل بل للأجيال القادمة كذلك، من أبناء العائلات العمالية أو الفقيرة أو ذات الدخل المحدود، ويجب إيجاد المخرج لإعادة التوازن إلى وضعه الطبيعي.
مع هذه الصورة المتشابكة والمتشائمة كان لابد من التوقف أمام البدائل والطرق، لتطوير الكثافة النقابية وسط القوى العاملة، فيقول : إن أول وأهم خطوة تكمن في تغيير قانون العمل الوطني (NLRA)على نحو يسهّل أمر العمال في تنظيم أنفسهم في النقابات، خاصة بالنسبة للعمال الذين يرغبون بالانتظام في العمل النقابي، وعلى القانون حماية هذا الحق. أما الجهة المعنية بتغيير القانون فهي الكونغرس الأمريكي، ومن اجل تغيير الكونغرس على العمال تنظيم أنفسهم في مؤسسات سياسية تشكل أداة التغيير المنشود في المجتمع. لكن هناك في الأفق بوادر مثل هذا الوعي والنضج والحاجة الى التغيير وظهر واضحا في التحركات الجماهيرية التي شملت الكثير من الولايات فيما سمي (ضد سطوة الوول سترييت ـ سوق المال) والاحتجاجات المتكررة لعمال (المطا?م السريعة) المطالبين برفع الحد الأدنى لأجورهم، إضافة إلى التنظيم الكبير للنشطاء في الدفاع عن حقوق المهاجرين الجدد أو إصدار قوانين إنسانية تعالج مشكلة اللاجئين (غير الشرعيين) في البلاد. أن هذه الحركات على الرغم من تشتتها وتباعدها وتنوع أهدافها إلا فأنها مؤشر على الرغبة في التغيير لدى الطبقات التي تعاني الأسوأ من جراء الأزمات الاقتصادية.
وقبل النهاية، يبعث المحامي مارك بتهانيه الى الطبقة العاملة العراقية لمناسبة عيد الأول من أيار ويتمنى النجاح لعملهم النبيل في الدفاع عن مصالح الشغيلة، كما ويأمل الأمن والأمان والسلام والتقدم للشعب العراقي وأن يجتاز هذه المحنة الصعبة نحو بر الأمان والتقدم والبناء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المحامي (مارك حنا ـ مؤكد حنا) من مواليد منطقة الكرادة في بغداد، لعائلة مشهود لها بالمعرفة والثقافة والمواقف الوطنية (الأب د. موفق داود ـ مهندس، الأم طليعة جموعة ـ مدرسّة، وشقيقته مونا ـ طبيبة). قصد والده المملكة المتحدة للدراسة ولم يكد ـ مؤكد ـ يبلغ الستة أشهر من العمر. وصلت عائلته الولايات المتحدة عام ١٩٨٠. اثبت براعة ونبوغا كبيرين منذ دراسته الابتدائية والمتوسطة، بينما أنهى الثانوية بعمر ١٧ سنة وكان حاملا لدروس تساوي سنة جامعية أيضاً. برع في دراسته الجامعية وأنهاها بمعدل متميز. ولأنه نشأ في أجواء عائلة وطنية وديمقراطية فقد تشرّب بالمبادئ الإنسانية بالدفاع عن حقوق المستضعفين. منذ سنين عدة أسس مكتب محاماة في العاصمة الأمريكية واشنطن، وهو مختص بقضايا النقابات العمالية وتمثيل مصالحها في المحاكم الأمريكية، وفي الدفاع عن الحقوق المكتسبة للعمال . وقد منحه مركز العاصمة الأمريكية للتوظيف جائزة العام التقديرية كمتطوع بالنيابة عن العمال ذوي الأجور المتدنية. كما انه يتمتع بخبرة عالية في القضايا الدولية وحقوق العمال وسافر إلى العراق والشرق الأوسط والصين ضمن وفود من أجل تعزيز العمل النقابي وحفظ كرامة العمال. والمحامي مارك حنا عضو في مجلس إدارة لجنة تنسيق المحامين التابعة لـ (AFL _ CIO) للأعوام (٢٠٠٦ ـ ٢٠٠٩)، وعضو منتخب في اللجنة التوجيهية للعمل والتوظيف، وهو محامٍ نشط في جمعية المحامين الوطنية في العاصمة من اجل الدفاع عن العمالة الوطنية ودافعي الضرائب ضد عمليات الاحتيال.