مدارات

إعلام وصحافة الحزب الشيوعي العراقي خلال فترة الكفاح المسلح / داود أمين

بعد إنهيار التحالف بين حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي عام 1979، وشن السلطة البعثية لحملتها القمعية الشرسة ضد الحزب الشيوعي وتنظيماته وأعضائه وأصدقائه في عموم العراق، لجأ عدد من الشيوعيين لجبال كردستان الحصينة، وشكلوا هناك نواتات أولى لقواعد ومقرات حركة شيوعية مسلحة، سرعان ما تنامت وتطورت، خلال فترة وجيزة، لتتحول لحركة تضم آلاف الشيوعيين العراقيين وأصدقائهم، وتشمل جميع مناطق كردستان العراق، وأطلق عليها ( حركة الأنصار ) تمييزاً لها عن حركة بيشمركة الأحزاب القومية الكردية، وقد تميزت هذه الحركة الأنصارية، التي إستمرت عقداً كاملاً من السنين يمتد بين 1979 و1989، بضمها مجموعة واسعة من المثقفين العراقيين، متنوعي المواهب والإختصاصات، من مسرحيين وسينمائيين، إلى تشكيليين وشعراء وقصاصين وموسيقيين وصحفيين وإقتصاديين وباحثين، من العرب والكرد والتركمان والكلدوآشوريين، وهي بهذا تختلف عن حركة الأنصار السابقة للحزب عام 1963، وعن حركة بيشمركة كردستان، التابعة للأحزاب القومية الكردية، التي كانت في غالبيتها معتمدة على الفلاحين وسكان الريف، كما كان بقية أعضاء الحركة الأنصارية، أو غالبيتهم الساحقة على الأقل، من المتعلمين وطلبة الجامعات، وخريجي المعاهد والكليات، ومن أبناء المدن، وهم جميعاً من أعضاء الحزب أو أصدقائه، ولما لم تكن المهمة العسكرية فقط، هي الطريق الوحيد للأنصار الشيوعيين لتحقيق أهداف الحزب، ضد السلطة القمعية، بل أيضاً من خلال الثقافة والإعلام، لذلك نشطت في المواقع الأنصارية الثابتة، وأيضاً في المفارز المقاتلة حركة ثقافية متميزة، شملت أعمالاً مسرحية ومحاضرات ومعارض تشكيلية وإحتفالات وموسيقى وغيرها، وكان هذا النشاط الثقافي يُقدم لنوعين من الجمهور، الأول هو جمهور الأنصار الشيوعيين أنفسهم، وكذلك بيشمركة القوى القومية الكردية، والنوع الثاني من الجمهور هو سكان القرى الكردية المجاورة للمقرات الأنصارية، وسكان القرى التي تتردد عليها المفارز المقاتلة، وإلى جانب هذا النشاط الثقافي المتنوع، نشأ داخل حركة الأنصار إعلام متنوع، بدأ بالنصير الإنسان بإعتباره داعية ومحرضاً ضد السلطة، من خلال الصلة المباشرة بسكان القرى الكردية، القريبة من مواقع الأنصار، وصولاً للإذاعة، التي بدأت بثها في وقت مبكر، باللغتين العربية والكردية، ومرتين يومياً، مروراً بصحف الحزب ومنشوراته ومنشورات المنظمات المختلفة التي يقودها، وكان الإعلام في هذه الفترة يتميز بوجود إعلام مركزي، خصص له فصيل أنصاري وموقع(مقر) خاص، مهمته إصدار صحيفة الحزب المركزية (طريق الشعب)، وصحف المنظمات الديمقراطية (صوت الطلبة) و(الشبيبة الديمقراطية) و(نضال المرأة) وكذلك النشرة الداخلية للحزب (مناضل الحزب) وتحرير وبث مواد الإذاعة بقسميها العربي والكردي، وتحرير البلاغات السياسية والعسكرية للحزب، وغيرها من المنشورات الحزبية والسياسية المركزية، وإلى جانب الإعلام المركزي، وُجد إعلام أنصاري خاص، بادرت له القواطع الأنصارية بنفسها، كقاطع بهدينان وقاطع أربيل وقاطع السليمانية كركوك، إذ شكلت هذه القواطع مكاتب إعلامها المستقلة عن الاعلام المركزي وأصدر بعضها صحفه ومنشوراته الخاصة، كصحيفة (النصير) وصحيفة( طريق النصر ) وصحيفة( نهج الأنصار ) والمجلات الدفترية، وبوسترات الرش الملونة، والنشرات الحائطية وغيرها، وهذا الإعلام خاص بالمقاتلين الأنصار يستمد مادته منهم، ويكتب عنهم ويوثق نشاطهم العسكري والثقافي والميداني. وكنت أحد العاملين المباشرين ولسنوات طويلة في الإعلام المركزي وإعلام الأنصار ، خلال هذه الفترة، ولذلك يمكن أن ألخص سمات إعلام هذه المرحلة بالنقاط التالية :
1 - أنها أشكال إعلامية متنوعة فهي مسموعة كالإذاعة بقسميها العربي والكردي، ومقروءة كصحف طريق الشعب والنصير ونهج الأنصار وبقية المطبوعات الأخرى، وهي مرئية أيضاً، من خلال المعارض التشكيلية والفوتغرافية والأعمال المسرحية وغيرها .
2 - العاملون في إعلام هذه الفترة هم في الغالب، من المتخصصين والصحفيين المحترفين، ومن الأسماء المعروفة في هذا الميدان، إلى جانب عدد من المتدربين والمتحمسين الذين تطوروا في العمل والممارسة والإحتكاك .
3 - كان العمل الإعلامي يمارس في ظل ظروف مناخية وطبيعية وأمنية بالغة الصعوبة، وفي ظروف شبه بدائية .
4 - كان الإعلام غير مقتصر على اللغة العربية، بل كانت اللغة الكردية إلى جانب العربية في معظم المفاصل الرئيسة له كالإذاعة مثلاً .
5 - لم تتم أرشفة هذا النشاط الإعلامي المتنوع، بسبب ظروف الحركة وتنقلات مقراتها، والمعارك التي خاضتها الفصائل الأنصارية، والإعلاميون من بينهم، مع السلطة، ومع بعض القوى القومية الكردية .
6 - رجع الصدى لهذا الإعلام لم يكن ملموساً بشكل واضح، بسبب إبتعاد وعزلة المركز الإعلامي عن الجمهور الأوسع الموجود في المدن العراقية، الواقعة تحت هيمنة السلطة .
7 - أنه لم يكن إعلاماً مركزياً، رغم وجود فصيل يحمل هذا الإسم، وله مهام إعلامية مركزية، فقد كانت القواطع الأنصارية المختلفة في السليمانية وأربيل وبهدينان، تمارس إعلامها الأنصاري الخاص، وتتواصل مع جمهورها وأنصارها بوسائلها المستقلة .