مدارات

خطوة باتجاه التوحيد وإعادة الروح للحزب الشيوعي الإيطالي العتيد

عبد اللطيف السعدي
منذ زمن، ومنذ أن إختفت أصوات الشيوعيين المؤثرة, والفاعلة، داخل ابرز مؤسسات الدولة الإيطالية، الديمقراطية، البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب والشيوخ، والأصوات ترتفع أكثر فأكثر، الداعية إلى إيقاف نزيف التشتت للحركة الشيوعية الإيطالية، وريثة التأريخ الطويل والدور المشهود لأكبر حزب في أوروبا، على مدى عقود من القرن الماضي، الحزب الشيوعي الإيطالي.
فمنذ العام 1991، حين عقد المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الإيطالي، وبعد التحول الكبير إلى حزب "الديموقراطي اليساري" بقيادة السكرتير السابق أكيلّو أُكيتُو (وثم اصبح اسمه حزب ديموقراطيو اليسار)، وخروج أكثر من ألف مندوب لتأسيس حزب إعادة التأسيس الشيوعي بزعامة آرماندو كوسُوتّا، انشطرأو انقسم الحزب الجديد وعلى اساس دعاوي الحرص على المبادئ الشيوعية، والدور الفاعل للشيوعيين الإيطاليين، إلى عدد ليس قليل، من الأحزاب الشيوعية الصغيرة. أحزاب فقدت بريقها منذ آخر إنتخابات شارك فيها إعادة التأسيس مع تحالف يساري أطلق عليه حينها بتحالف (اليسار قوس قزح- آركو بالينو)، الذي شارك في إنتخابات عام 2008، دون نتائج حاسمة، حيث حصل حزب إعادة التأسيس حينها على نسبة 3 في المائة فقط، بعد أن كانت أصواته لا تقلّ عن نسبة الـ 6,6 في المائة.
ففي إطار النظام السياسي المتهريء أوالمتصدئ منذ على الأقل أكثر من عقدين من السنين، فقد جمهور الناخبين، لقوى اليسار بشكل خاص، وللأحزاب التي خرجت بعد العام 1991، تحت مسميات شيوعية أو يسارية راديكالية، فقدوا ثقتهم، وصاروا يمتنعون عن التصويت في الغالبية منهم، أو أنهم منحوا أصواتهم لقوى وحركات نشأت وانتهت، وثم تحولت الأصوات إلى قوى الوسط أو يمين الوسط...!!. وأكد ذلك فشل قوى ما سميّ بتحالف يسار الوسط، في كسب ثقة الناخبين. وأخص هنا، الناخبون الأصليون لقوى اليسار خلال عشرات السنين، ولم تميز نفسها بسياسات حازمة في منهجها لإصلاح النظام السياسي ولتقديم مكتسبات عملية ملموسة لأوسع الفئات من الجماهير الكادحة ومن الفئات الوسطية السائرة دوما نحو الإنحدار في أوضاعها المعيشية.
واليوم وفي ظل أزمة معقدة في اشكال ظهورها وتأثيراتها وأشكال تجلياتها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، تحولت الحاجة إلى توحيد قوى اليسار، وجوهر العملية توحيد قوى الشيوعيين الإيطاليين المشتتة في أكثر من اربعة أحزاب، وفي مقدمتها حزبيّ إعادة التأسيس الشيوعي، والشيوعيين الإيطاليين، إلى تحركات واجتماعات تنسيقية، أثمرت مؤخراً وفي اليوم الثاني عشر من شهر تموز الجاري، إلى مجلس وطني تأسيسي لـ "الحزب الشيوعي الإيطالي"، بمشاركة أكثر من 350 مندوب، انضموا للمشروع بإرادات شخصية، وكذلك عبر انضمام حزبي إعادة التأسيس وحزب ا?شيوعيين الإيطاليين للمشروع الواعد، حيث حضر وفدان يمثلانهما إلى المجلس التأسيسي. وتم التوصل إلى عقد هذا المجلس بعد إجتماعات تحضيرية بلغت أكثر من خمسين اجتماعا في مدن إيطالية تنتشر في ربوع البلاد شمالاً ووسطاً وجنوباً.
حضر المجلس الذي عقد تحت عنوان "المؤسس الشيوعي"، مندوبون وضيوف من جميع مدن إيطاليا، من العمال والمثقفين والأعضاء السابقين في الأحزاب الشيوعية، القائمة وبينهم قياديون في الأحزاب التي تعمل باسم الشيوعية. وأُلقيت كلمات مختلفة وألقيت رسائل من قبل سكرتارييّ الحزبين إعادة التأسيس، باولو فيرّاري والشيوعيين الإيطاليين السابق ديليبيرتو. كما ألقيت كلمة لعضو مجلس شيوخ سابق عن الحزب الديموقراطي الحاكم، والذي يمثل إحدى تيارات اليسار فيه. كما ألقيت رسالة تحية من مؤسس الحزب اليساري الناشيء من الحزب الديمقراطي ستيفانو فاسّينا.
أجمعت الكلمات على الأهمية الكبرى لإعادة وحدة الشيوعيين الإيطاليين، نواة أساسية لتوحيد اليسار الإيطالي، للعودة الى لعب دور مطلوب ضد سياسات النيوليبراليزم (اللبرالية الجديدة) ممثلة بحكومة سكرتير الحزب الديمقراطي رئيس الوزراء الحالي ماتّيو رينزي، المتلفعة بستارات ما يسمى بكتلة يسار الوسط. وأمام تهديد جدّي وواقعي بعودة قوى اليمين الإيطالي إلى الحكم باستغلال فوضى المواقف على الصعيد الإيطالي والأوروبي، خاصة مع الأزمة اليونانية، وتداعياتها حتى اللحظة. كما شدّدوا على أن التطورات على الصعيد العالمي، وتصعيد دور الناتو في تشجيع الحروب المحلية والإقليمية، تتطلب بشكل ملح عودة الشيوعيين الإيطاليين، ورثة أكبر حزب شيوعي أوروبي تنظيما ودورا، في سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
ولم تخل الكلمات من عبارات وأفكار النقد الحاد لمسيرة الأحزاب الشيوعية وقياداتها، منذ إنحلال الحزب الشيوعي الأصيل عام 1991، والتوجهات الذاتية الضيقة، بحثاً عن الجاه والسلطان. وذكر في هذا المحفل مجد الحزب بقياداته التأريخية مثل تولياتي وغرامشي.
يذكر هنا أن حزب (اليسار، البيئة، الحرية- سيل) بزعامة نيكي فيندولا، وهو ناتج انشقاق، أو انشطار، عن حزب إعادة التأسيس الشيوعي، خلال مؤتمره السابع في العام 2008، وأُعلن اكتمال تأسيسه في العشرين من كانون الأول / 2009، سبق وأن نظم قبل أيام قلائل من إنعقاد المجلس الخاص بتأسيس الحزب الشيوعي الإيطالي (الجديد)، لقاءً للبحث في تشكيل قوة جديدة لليسار, تعمل على توحيد كل قوى اليسار، على أنقاض السياسات والإصلاحات الأخيرة لحكومة رينزي، وللأزمة اليونانية وما كشفته من بؤس طابع وعمل وهياكل الإتحاد الأوروبي.
وجاء ذلك أيضاً بعد خروج أعداد من يسار الحزب الديمقراطي وعقد مؤتمر تأسيسي لقوة على يسار الحزب الديمقراطي، بزعامة نائب الوزير السابق في الحكومة الحالية، وأحد قيادات الحزب الديمقراطي، ستيفانو فاسّينا.
واضح أن سنوات طوال مرت، كانت فيها الحاجة ماسّة، وظاهرة، لإعادة تقييم ممارسات وسياسات أحزاب اليسار الإيطالي، وخاصة للقوى الشيوعية المشتتة، من أجل العودة إلى الساحة وإعادة الصلة مع الجماهير الهاربة حتى من السياسة، التي أصبحت سبّة في أيطاليا. وذلك أولاً بوحدتها، وثانياً بالإبتعاد عن السياسات، المنطلقة من قراءات ضيقة ومحصورة بتحليلات آيديولوجية عفنتها الأحداث والتطورات الدولية, وعلى اساس المنهج العلمي، الديالكتيكي للشيوعية أو الماركسية، فهو منهج حياة للإنسانية، وليس نصوصاً أو قوالب جامدة لا تتدارك التطورات الكبيرة في الأنظمة والسياسات والبنى الإقتصادية والإجتماعية على المستوى العالمي.