مدارات

كتّاب ومثقفون يحيون هذه المناسبة : "طريق الشعب" رمزُ التطورِ والقوة في العمل الصحفي / علاء الماجد

في الحادي والثلاثين من تموز تمرّ الذكرى الثامنة والسبعون لعيد الصحافة الشيوعية، حيث صدر العدد الأول لجريدة (كفاح الشعب) في 31 تموز 1935، وكانت إيذاناً بولادة اول صحافة ديمقراطية، يسارية في العراق اخذت على عاتقها إبراز هموم وقضايا الناس، الى جانب إبراز دور المثقفين في الحياة السياسية للبلد، من خلال نشر منجزهم الثقافي والادبي، وقد برزت اسماء كثيرة وكبيرة لكتّاب مرموقين ناصروا قضايا شعبهم واقضوا مضاجع الطغاة في مقالات وأعمدة لا يزال يتذكرها الكثير ممن عاصروا (اتحاد الشعب) و(الشرارة) و(القاعدة) و(طريق الشعب) منذ ثلاثينيات القرن المنصرم. هذه الصحافة التي كانت بحق مدرسة نموذجية لكل الصحفيين الذين عملوا بمهنية وإخلاص لقضية الشعب طوال العهود التي مر بها العراق. في هذا العيد الكبير نستطلع آراء بعض المثقفين والكتّاب وذكرياتهم عن صحافة الحزب:
الناقد علي حسن الفواز تحدّث عن هذه المناسبة قائلا:
استعادة التاريخ لا تعني استعادة كل المظاهر التي ارتبطت بسيرورات هذا التاريخ، بل استعادة مظاهر القوة الفاعلة التي تعبر عن حراك الكتلة التاريخية التي قادت الحراك الوطني الديمقراطي العراقي، وهذا ما أعطى الاعلام الوطني دوره في صناعة الرأي العام العراقي، في اخطر تشكل مظاهره وأسئلته وموجهاته.. واحسب ان الاعلام الشيوعي الذي انطلق مع اول التنظيمات السياسية التي تصدت للمواجهة وللنضال الاجتماعي، إذ تحولت الصحافة الشيوعية الى منطقة جذب مهم للحراك الاجتماعي والسياسي، ولاستقطاب الكثير من الأسماء الوطنية التي تصدت لمعطيات المرحلة وتحولاتها وصراعاتها.. مثلما أصبحت واجهة لقيادة الحراك الوطني والقوى الديمقراطية بمواجهة الواقع السياسي، وتداعيات المرحلة، مثلما أسهم في ما بعد في تشكيل الكثير من مظاهر الرأي العام، وإنضاج اسئلة التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ناهيك عن دور هذه الصحافة في التنوير والإصلاح وإشاعة قيم التغيير والبناء، والتعريف بالافكار الماركسية في إنضاج اسئلة الوعي وقيم التقدم، واستشراف آفاق المستقبل. لقد كان للصحافة الشيوعية حضورها المميز والرائد في أن تكون شاهدا على حيوية قوى التغيير والنضال الاجتماعي. كذلك التعريف بنضال الشعوب من اجل الحرية والسلام والبناء الوطني والاممي، وهذا بطبيعة الحال كرس دور هذه الصحافة في ان تكون الأبرز والاخطر في المواجهة، وفي تعرضها للكثير من المضايقات، مثلما ذهب العديد من كتابها شهداء على طريق التضحية من اجل الحرية ومواجهة الاستبداد والظلم والطغيان...إن حقيقة ما اسسته الصحافة الشيوعية، كان هو الأساس القوي الذي عزز تقاليد بناء الصحافة الوطنية على مستوى صناعة الوعي، والموقف، والتنوير، وعلى مستوى قيادة الجمهور وتعبئته بالقيم الوطنية والإنسانية...
أما الكاتب المبدع جاسم المطير فقد قال:
اكتب هذه السطور في لحظة تاريخية حاسمة، لحظة الاستعداد لاستقبال العام الثمانين من عمر الحزب الشيوعي العراقي، وهو، تقريباً، نفس عمر الصحافة الشيوعية في العراق، التي أجد من الضروري إلقاء نظرة تقييم أولية لما وصلت إليه صحافة الحزب، خاصة جريدة "طريق الشعب"، متزامنة مع ما وصلت إليه في اللحظة الحاضرة من حيث وضعها النقدي والأسلوبي والسيميائي وفي عملية توظيفها بشكل يومي في عرض مطالب الجماهير الشعبية، خاصة الفقيرة، وفي تناولها الجدلي للقضايا الثقافية، خاصة التقدمية والحداثوية وما بعد الحداثة أيضاً. كما كانت جريدة الحزب الشيوعي رافداً أساسياً من تلك الروافد التي اكتشفت وخلقت ودربت الكثير من الصحفيين، الذين انتشروا في صفوف العديد من الصحف الوطنية العراقية، اليسارية منها واليمينية، حاملين معهم رومانسية الخلق الشيوعي وقيمه الإنسانية.
واكبتُ صحافة الحزب، العلنية منها والسرية، منذ زمن طويل وبكل ما تضمنته من جهود، فردية وجماعية، فكرية وسياسية، ثقافية وجماهيرية، بأساليب متعددة وبموضوعات جريئة كثيرة قد تحتمل الخطأ والصواب، خاصة في ظروف تعقد وتشابك الأوضاع السياسية في بلادنا أو في منطقة الشرق الأوسط أو في العالم.
كثيرا ما كانت جريدة "طريق الشعب" في سنواتها العلنية العشر الأخيرة ذات علاقة تفاعلية، تواصلية مع القراء، متميزة بالمرونة والانفتاح والدقة في التعبير. هذا في الناحية السياسية. أما في ميدان الثقافة والفنون فقد بذلت جهداً نقدياً مرموقاً في نظريات الحداثة وما بعد الحداثة في الآداب والفنون وهي تحاول تحديد المرحلة الثقافية التي يمر بها المثقف العراقي والمتلقي العراقي في حقول جميع أنواع وأجناس المعارف التنظيرية والنقدية في مجالات الأدب والرسم والسينما والمسرح والفن التشكيلي وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد، في الشهور الثلاثة الماضية لاحظت جهوداً مبذولة في تجديد وجه الجريدة وشكلها في تصاميم الموضوعات وصورها. كان هذا التجديد منسجماً مع حركة العصر الجديد في العراق والعالم انطلاقاً من مبدأ أن لا صحيفة متطورة من دون تنسيق جديد ومن دون رؤية صحفية جديدة ومن دون توفير الشعور الذاتي لدى محرري وفناني الجريدة للدخول إلى عصر ثقافي جديد يتناغم فيه كل شيء مع الروح الإنسانية الجديدة المتطلعة الى حياة ديمقراطية فضلى. يمكنني القول وبكل ثقة إن بنية جريدة "طريق الشعب" قد تجددت بصورة قادرة على تحديد علاقات أوطد مع القراء في المرحلة القادمة من عمر الجريدة وحزبها، أملاً بإمكانيات هيئة تحريرها في تحقيق التفوق الصحفي، المنهجي والأكاديمي، شكلاً ومضموناً، كلما صار انتماؤها إلى الواقع العراقي الراهن الأليم في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكلما صارت متميزة بالقدرة على كشف جميع الظواهر المرتبطة بذلك الواقع من خلال رؤية ماركسية وبنوع من السرد التراكمي في تجارب الشيوعيين العراقيين في المدن والأرياف البعيدة . كلما تعمق القارئ في رصد وتحليل بعض أعداد الجريدة خاصة في الفترات الصعبة الكثيرة التي مرت بها وبجماهير الشعب منذ عام 2003 حتى الآن، فأنه يجد أن العلاقة بين الجريدة والشعب، بين الشيوعي والعمل الجماهيري، هي علاقة جدلية وإنسانية واجتماعية غاية في الصعوبة وترتبط ارتباطا كبيرا بدور صحافة الحزب، خاصة جريدة "طريق الشعب" في تخطيط دور الإنسان الشيوعي وحركته السياسية المتقنة في هذه المرحلة من نمط حياة مليئة بالقنوات التلفزيونية الفضائية في ظروف اختصاصها وأهدافها وفيها أهداف واختصاصات تنطلق من نظريات تتعارض مع أفكار وأهداف واختصاصات جريدة الحزب الشيوعي. ولا شك في أن كل إنسان في بلادنا يعرف الآن أن الصوت الإعلامي الأكثر تأثيراً في عقول الناس ومواقفهم هو (الإعلام التلفزيوني الفضائي) مما يلقي على الصحف الشيوعية مهمات يومية إضافية وصعبة لتطوير التطبيقات الفنية الجذابة في الفنون الصحفية في هذه المرحلة التي أوجدت داخل الساحة الصحفية العراقية أكثر من 70 جريدة يومية وأكثر من 50 فضائية. من هذه الصحف والفضائيات نجد العديد منها يريد تفكيك حاضر الزمان العراقي وإعادة علامات القرون الوسطى عن طريق زرع الرعب والتخلف بين أبناء الشعب العراقي من قبل مختلف أنواع المجاميع الجاهلية والإرهابية.
أخيرا اغتنم الفرصة لتوجيه التحية الطيبة الحارة في عيد الصحافة الشيوعية لجميع عناصر النسيج الخلاق في هياكل جريدة "طريق الشعب" ابتداء من رئيس تحريرها ورؤساء الأقسام والمحررين والمراسلين والفنانين المصممين والطباعين وانتهاء بكل من يوزعها ويوصلها إلى ابعد حي أو قرية في وطننا، متمنيا لجهودهم الجبارة أن تحقق قفزة جديدة لتوظيف جميع صيغ الحداثة في العمل الصحفي والفكري. كما أتوجه بالتحية إلى جميع كتابها وقرائها فهم أداة الجريدة لتحقيق الحالة السياسية الثقافية الجديدة في التكيّف مع الواقع ومواجهة صعوباته.
الكاتب والباحث والإعلامي توفيق التميمي قال:
بمراجعة تاريخية لقوانين الرقابة على الصحف العراقية التي ابتدأت بقانون المطبوعات في وزارة مزاحم الباجة جي 1931 وحتى نهاية العهد الدكتاتوري المباد في 2003، نجد ان الصحافة الشيوعية نالت الحصة الأكبر من عسف وقهر هذه القوانين حتى في ظل أكثر هوامش الحرية اتساعا سواء في زمن عبد الكريم قاسم الذي شهد ولادة أول مطبوع علني للصحافة الشيوعية او في زمن العارفين في ستينيات القرن السابق .
ووسط اجواء هذه الصحافة المسموحة والمعلنة كانت نواتات الصحافة الشيوعية تظهر في قدرات شابة كانت إما تخفي انتماءها بسبب الحظر على تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي أو ملاحقة كوادره أو بكوادر كانت تتأرجح في انتمائها اليساري كما في مثال كامل القزانجي الذي تحول من الوطني الديمقراطي الى الشيوعي العراقي منتصف الأربعينيات، وشاب كمفيد الجزائري الذي ظهر صحفيا لأول مرة في جريدة البلاد لرفائيل بطي نهاية خمسينيات القرن السابق بواسطة صديقه الخطاط والشاعر والصحفي المعروف صادق الصائغ، الذي شكل احد رموز الإعلام الشيوعي في الداخل والمهجر ويضاف إليهما الشاب الناشئ في مدرسة أبيه فائق بطي الذي سيكون له شأن في الصحافة الشيوعية خلال مراحلها المتعاقبة في طورها السري والعلني في الداخل والمنفى.
تم حظر تنظيمات الحزب الشيوعي كتنظيم باسم عصبة مكافحة الاستعمار والصهيونية والاستثمار في العهد الملكي ترتب عليه حظر لصحافته بالطبع، ولذا يعد ميلاد ثورة 14 تموز الفرصة التاريخية التي أتاحت للصحافة الشيوعية الظهور أول مرة لقرائها بصورة علنية، ومعبرة بصراحة عن رأي الحزب في مجمل القضايا والصراعات التي شهدتها مرحلة الإصدار الأول لجريدة (كفاح الشعب) و(اتحاد الشعب) لاحقا.
لم تكن فترة عبد الكريم قاسم فترة عسل ووئام كاملة بين الصحافة الشيوعية وبين الحكومة بمراقبتها وقوانينها التي كانت تجيز غلق هذه الصحافة بين الفترة والأخرى، وبالتالي على سبيل المثال لا الحصر أجازت حكومة عبد الكريم قاسم جريدة المبدأ لداوود الصائغ، ولم تجز صحيفة الحزب الشيوعي العراقي المركزية. تأثير الصحافة الشيوعية ظهر قويا في هذه المرحلة من خلال تحريك الشارع وقواه الشعبية وتصاعد المد الجماهيري نحو الشيوعية وأيضا كان يظهر اثر الصحافة الشيوعية في تلك الحملات التوعوية عبر الأعمدة ومقالات الرأي التي استهدفت في رسالتها الإعلامية والسياسية جماهير وقوى الكادحين والشغيلة تحديدا .
ويمكن اعتبار الصحفي الرائد شمران الياسري وعنوان برنامجه الإذاعي الذي تحول الى عمود لاذع وساخر حتى نهايات السبعينيات من القرن السابق (دا احجيها بصراحة ياابو كاطع) وظاهرة أعمدة الصحفي الرائد عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) في (اتحاد الشعب)، هي ابرز العلامات الفارقة والنموذجية لصحافة الحزب الشيوعي العراقي في طورها العلني الأول زمن الزعيم عبد الكريم قاسم.
لم تقتصر الصحافة الشيوعية خلال مراحلها التاريخية المختلفة رغم حملات التضييق والملاحقة والمصادرة التي عانت منها وواجهتها، على المهام والأهداف السياسية فيمكن اعتبار الصحافة الشيوعية ابتداءً من (كفاح الشعب) و(اتحاد الشعب) وانتهاءً بـ(طريق الشعب) مدرسة ابداعية تخرج منها رموز الادب والثقافة العراقية التي اغنتها في حقولها المختلفة وميادينها المتعددة. فأسماء كيوسف العاني وزهير الجزائري وفخري كريم وشاكر لعيبي وفائق بطي وغضبان السعد وخليل الاسدي وهاشم شفيق وفوزي كريم وعشرات غيرهم هم تلاميذ في مدرسة الصحافة الشيوعية باختلاف أجيالها وأجيالهم، حتى بات من الصعب الحديث عن الثقافة العراقية وصفحاتها من دون الحديث فيها عن الدور الثقافي والإعلامي للشيوعيين العراقيين فيها.
ثمة محاولات لإحداث نقلات تصميمية فنية وتغيير في بنية الخطاب الإعلامي للصحافة الشيوعية تسعى من خلاله الى التخلص من الهيمنة الأيديولوجية المحضة، واحتواء التطلع اليساري العراقي بكل تصنيفاته وتنوعاته لمواجهة المد الظلامي في خطاب وبنية الإعلام الذي يسعى لتكريس الدولة الدينية على حساب الدولة المدنية الديمقراطية التي يتطلع إليها الشيوعيون وقوى اليسار والمدنية كلها في عراقنا.
الناقد والكاتب السينمائي كاظم مرشد السلوم قال:
عيد الصحافة الشيوعية... ما زلت أتذكر تلك الرغبة واللهفة للحصول على جريدة "طريق الشعب"، وشراء أكثر من عدد لإيصالها الى الأصدقاء الذين لا يتسنى لهم الحصول عليها، لسبب أو لآخر، كانت مكتبة غني، هي المكتبة الوحيدة التي تحرص على توفير أعداد كبيرة منها، كون صاحبها الشيوعي يعرف عدد الشيوعيين من أبناء مدينته، كذلك يعرف عدد المتعاطفين والمعجبين بالجريدة. كان بعض البعثيين ينظرون إلينا شزرا كلما شاهدوا الحافات الحمر للجريدة، رغم أننا كنا نخفي عنوانه الرئيسي، لكن البعض منّا كان يتعمد المجاهرة بها، بل وقراءتها وسط سيارات النقل، ومن ثم تركها على مقعده لكي يأخذها شخص غيره في اعداديتنا إعدادية "قتيبة" كانت الجريدة تصل قبل وصول الطلبة. كان الطلبة يتصفحون الجريدة في ساحة المدرسة قبل الدخول الى الدرس، معاون المدرسة رحمه الله، كان يمتعض من ذلك، وكان يقول لنا مازحا "شنهي بوية بايتين بالجريدة" كان بعثياً طيب القلب ."طريق الشعب" كانت تتميز برقي مواضعها، ومتابعتها كل الأحداث. ويكتب فيها كبار الأدباء والمثقفين والفنانين، ذلك كان يشكل قوة دفع كبيرة لها، وسببا للإقبال عليها. اسماء مثل سعدي يوسف، يوسف الصائغ، صادق الصائغ ، شمران الياسري، مؤيد نعمة، وغيرهم كانوا ثقل الجريدة الكبير. اليوم وفي ذكرى الصحافة الشيوعية العراقية وصدور أول عدد من جريدة (كفاح الشعب) في 31 تموز 1935، نتمنى على أصدقائنا العاملين في الصحفية أن ينهضوا بها، والملاحظة من هذه الجهة أو تلك، إنما هي تعبير عن الحرص في ان تبقى الصحافة الشيوعية هي الرائدة، وفي المقدمة كمعبر عن حال الجماهير. كل عام والشيوعيون وصحافتهم بخير.
د. حمد محمود الدوخي/ شاعر وناقد وأكاديمي تحدث بهذه المناسبة قائلا:
شمعة لا تضيء بل تجعل الطريق صبحاً حتى الوصول بمناسبة عيد الصحافة النزيهة التي بقيت وستظل نصيرة الفقير والعامل والكادح ... كيف لا وهي بهم ولأجلهم ومنهم تنطلق وتقول وتبشِّر بكل ما هو خيِّرٌ وحقيقي ونزيه.. إنها صحافة محكومة مذ ولدت بالتعبير والالتزام بصوت المعول وعرق جبين عمال المناجم ومواويل فلاحي الحقول المزهرة أبداً بأحلام المناضلين الذين حملوا بنادقهم زمناً بوجه الطاغوت أينما وجد وسيظل لمعولهم صدى يدوِّي في صدر كل مؤمن بالإنسان وبقيمة وجوده ..
أما الشاعر والناقد ريسان الخزعلي فقد قال :
في عيد الصحافة الشيوعية العراقية يحضر الماضي بكل عذابه وعذوبته، ويشع الحاضر حاملا كل وهج الحروف التي تراكمت في الأعماق القصية وهي تحمل الإيقاع الشعري (كفاح الشعب، اتحاد الشعب، طريق الشعب ...، وهكذا كانت التوصيفات الشيوعية العراقية النضالية تضاف للشعب بانحياز تمتد جذوره الى تراب يضم عظام الأجداد من المناضلين.. حتى ان المرء يخجل من ان يدوس هذا التراب (هذا التراب المر حبيبي)....، ان الصحافة الشيوعية العراقية ومنذ بداياتها السرية أو العلنية ما كانت صحافة حضور شكلي أو إعلان دعائي وتسلية، بل كانت صحافة شعب وقضية شعب (تكتب عنه وفيه ومنه) ..كتبت وتكتب عن جوهر الصراع..، مقدماته وأسبابه ونتائجه، وقد كان الانحياز الطبقي في هذه الصحافة يرتكز على وعي فلسفي وفكري وحياتي من اجل بقاء أرقى ووجود أنقى...، وهكذا كان الانحياز - بجذره التأسيسي - للعمال والفلاحين وكل طبقات المجتمع. وفي عيد الصحافة الشيوعية العراقية نستذكر ما قدمته هذه الصحافة من مفكرين ومثقفين وأدباء، كانوا وما زالوا في الخط من مشهد الثقافة العراقية..، في هذا العيد لا بد ان نستعيد ذلك النبض الذي شدّنا إليها، وقد كان الضوء الذي يكشف الطريق من اجل الإنسان وجدوى وجوده...، تحية إجلال لهذه الصحافة في عيدها والتحية موصولة كذلك لمؤسسيها ومن يديم حضورها حتى هذه اللحظة..، والخلود لشهدائها....، وان الأمل وطيد بان تتقدم وتتقدم من اجل الانتصار لقضية الإنسان وتحقيق طموحه في وطن حر وشعب سعيد.
الشاعر إبراهيم الخياط قال :
أمران لو لم يكن غيرهما من سبب، يكفيان أن يمنحا غار الفخر للصحافة الشيوعية العراقية، أولهما ان هذه الجرائد المناضلة كانت ولما تزل تلعب دورا مميزا في وثبات وانتفاضات وثورات واحتجاجات شعبنا، بل لمرات قادت هذه الملاحم الناصعة ووجهتها ومن ثم قيمتها وقومتها واستخلصت الدروس الكبيرة، حتى صار شعبنا يمتلك من الخزين الثر والتجارب الغنية قدرا وكما ونوعا ما أستطاع به شعبنا ان يطوي صفحة الاحتراب الطائفي بفضل او قل بنبل الصحافة الوطنية للشيوعيين العراقيين . وثانيهما ان الجرائد الشيوعية العراقية كانت مدرسة تدرب وتعلم وتخرج وتمنح الوطن العزيز كفاءات عقب كفاءات؛ فقلما من المعروفين نجد صحفيا او سياسيا لم يمر في سراديب هذه البيوت (المدارس)، بل أن نخبة من صفوة الخط الاول لسياسيينا وصحفيينا وفنانينا وأدبائنا واكاديميينا قد اخذوا الأبجدية الوطنية الصافية من هذه الجرائد التي تفتخر ونفتخر معها ان مؤسس الحزب المعلم الخالد (فهد) كان صحفيا محررا. تحية لـ "لطريق الشعب" وريثة المجد الصحفي السري والعلني .
الشاعر والإعلامي كاظم غيلان قال:
الصحافة الشيوعية صحافة استثنائية، من حيث الجانب المهني الذي يستند الى الجانب الفكري، وقد خرج من معطف هذه الصحافة خيرة الصحفيين وكتاب الأعمدة، بدلالة ما كتبه عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) وشمران الياسري (ابو كاطع). وهي صحافة لها علاقة بوجدان الإنسان وهمومه وتطلعاته، وأنتجت خيرة الكتاب والمبدعين، الذين عملوا في هذه المؤسسة وأسهمت في نشر منجزهم الإبداعي. الصحافة الشيوعية صحافة نخبة، كما إنها صحافة شعبية لها علاقة بالشارع وبشرائح الشعب المسحوقة. وبرغم ما تعرضت له من قمع على أيدي الجلادين والمجرمين أعداء الحرية والإنسان، إلا أنها تحملت وكابرت واستمرت، وكانت منبرا مهما وصادقا في الصحافة العراقية ليس للشيوعيين وأصدقائهم فقط، بل لكل الشعب وقواه الديمقراطية واليسارية.
الناقد والإعلامي عباس لطيف تحدث قائلا:
الصحافة الشيوعية في العراق تشكل ركيزة مهمة وفاعلة على المستوى الصحفي والمعرفي عموما، الصحافة الشيوعية عرفت باهتمامها الكبير ببناء الإنسان والتبشير بالأفكار التقدمية، لذا نجد من الصعب الفصل بين الصحافة والثقافة فيها. كان المثقف ينهل من الصحف الشيوعية لاسيما في مجال القصة والشعر وفنون الكتابة الأخرى. وخرج الكثير من المبدعين من معطف الحزب، واعتقد أن الثقافة الماركسية واليسارية التي انتشرت في العراق منذ ثلاثينيات القرن المنصرم، أسست لمشروع ثقافي كبير على مستوى الفكر والثقافة، ولعبت دورا كبيرا في تنوير الشعب، والإحاطة بكل الصراعات السياسية. لقد كانت الصحافة الشيوعية العراقية ولا تزال تشكل الخطاب النخبوي والخطاب الشعبي الجماهيري على حد سواء.
وعن هذه المناسبة توجهنا الى الرفيق حجاز بهية/ عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ليحدثنا عن دور صحافة الحزب وتأثيرها في الحياة العراقية:
يبدو الحديث اليوم ومع اقتراب الذكرى الـ ( 78 ) لعيد الصحافة الشيوعية العراقية في 31/تموز والخوض في تاريخ الصحافة الشيوعية لما لها من دور كبير وبارز في الساحة العراقية ، فلو استرجعنا الذاكرة التاريخية لوجدنا ظهور اول صحيفة شيوعية اقترن بالسنوات الأولى لقيام الدولة العراقية الحديثة، يصبح من السهل جدا إدراك ان هذا التاريخ قادر على منحنا صورة متكاملة عن التاريخ العراقي الحديث بما يشتمل من تطورات اقتصادية واجتماعية وفكرية وسياسية. ومن جانب آخر، لا يمكن للمتابع لخريطة الصحافة العراقية اليوم، ان ينسى او يغفل دور الصحافة الشيوعية، فهي واضحة الملامح بشكل لا غبار أو لبس فيه على اغلب مفاصل الصحافة الحديثة منذ عام 1935، وصدور صحيفة (كفاح الشعب) التي قدمت نفسها كناطقة بلسان (العمال والفلاحين) وكمطبوعة صادرة عن اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي، وقد طرحت أهداف الحزب بدقة كبيرة وشملت الأهداف المعلنة والمتعلقة بالفترة التي نتحدث عنها انذاك. حيث توالت صدور العديد من الصحف السرية والعلنية بعد ذلك ارتباطا بالظروف النضالية والسياسية التي عاشها حزبنا، وإنها أرست تقاليد عمل جديدة في تاريخ الصحافة العراقية. ولعبت دورا مؤثرا وأساسيا في كشف وفضح سياسات الحكومات العميلة آنذاك المرتبطة بسياسة الاستعمار وقوى الاحتكار وحملت تطلعات آمال جماهير الكادحين من شغيلة اليد والفكر وتسليطها الضوء على معاناة الناس الفقراء فقد كانت هي الصورة العاكسة لمعاناتهم وفي اشد الظروف على الرغم من الهجمات المتتالية للحزب وصحافته فكانت الصورة المشرقة.
وطوال الــ 78 عاما، كانت صحافتنا ، ميدانا للنضال من اجل حقوق الجماهير والأفكار التقدمية النيرة ، وكانت مدرسة لأجيال من الصحفيين والمثقفين العراقيين ، الذين على صفحاتها تعلموا وشقوا طريقهم إلى ميدان العمل في الصحافة والادب والثقافة .
اما تأثيرها في الساحة العراقية فهو كبير جدا في الاوساط السياسية والاجتماعية والثقافية، انما اقول وبصراحة انها لم تنصف الى يومنا هذا من قبل الباحثين والكتاب في دراساتهم عن تاريخ الصحافة العراقية، اعتقد اليوم مناسبة جيدة ان تكون الصحافة الشيوعية العراقية مادة تدرس في كليات الاعلام وان تدون في منجز لكي تكون خالدة في تاريخ الصحافة العراقية لما لها من دور وطني مشرف على مدى السنوات النضالية الكبيرة. لقد رسم حزبنا الشيوعي العراقي بصمة واضحة ومضيئة في تاريخ الصحافة العراقية، وبهذه المناسبة اقف باحترام واجلال لشهداء الصحافة الشيوعية العراقية، واتقدم بالتهاني من أعماق القلب الى كل المناضلين الصحافيين العاملين في المنابر الإعلامية لحزبنا من "طريق الشعب" ومجلة "الثقافة الجديدة" و"ريكاى كردستان" ومجلة "الشرارة"، ومجلة "الغد".. ولهم المزيد من التقدم والتوفيق في حياتهم المهنية.